مهّد بشار الأسد لإجرائه الانتخابات في مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، عبر احتفال ضخم أقيم على مدى الأيام الأربعة الماضية (من الجمعة إلى الاثنين) تحت شعار “من غوطة الأمل حيَّ على العمل”، وذلك لكسب ود الأهالي وإظهار بؤرة الثورة بمظهر الداعمة له.
الاحتفال دعا إليه “مجلس مدينة دوما”، وكانت تكاليفه كبيرة جداً إذ تخلله غناء للفنانين “أيمن زبيب، ربيع الأسمر، عماد رمال، وليد سركيس”، واستقبال للاعبي الدراجات، ونشاطات أخرى نشرها المجلس على صفحته في “فيسبوك”.
تكفّل بالحفل، رجل إيران الأول في ريف دمشق النائب في مجلس الشعب “عامر تيسير خيتي” ابن دوما، والذي افتتح احتفال يوم 23 الشهر الجاري بما وصفه “خبر سار للأهالي يقضي بإلغاء تفعيل البطاقة التي يُسمح بموجبها الدخول والخروج من وإلى مدينة دوما”، وكأنَّها كانت تحت قبضة أمنية محكمة.
دوما تعدّ المنطقة الثالثة خروجاً بالمظاهرات في بداية الثورة السورية بعد مدينتي حمص ودرعا، في 21 / 3 / 2011، وهي تعتبر أكبر مدينة في ريف دمشق بتعداد سكان -حسب إحصاء عام 2010- 375 ألف نسمة وكلّهم من المسلمين السنة، ومساحة تقدر بثلاثة آلاف هكتار.
وكان نظام الأسد شديد العداء لأهالي دوما بسبب ثورتهم ضده، فهي من أولى المناطق التي حرّرها الجيش السوري الحرّ، فكان يعتقل الأشخاص لمجرد أنَّ بطاقتهم الشخصية تحمل اسم دوما، كذلك قدَّمت المدينة الثائرة آلاف الشهداء خلال حملات القصف العنيف بشتى أنواع الأسلحة ما تسبب بدمار هائل.
رسائل للمعارضين
يرى الناشط الإعلامي عمران الدوماني المهجّر من دوما إلى الشمال السوري، أنَّ بشار الأسد أراد إيصال رسالة استفزازية إلى أبناء الثورة السورية بأنَّه انتخب نفسه في دوما حاضنة الثورة، ما يظنّه إحباطاً لعدم محاولة استعادة دوما لأهلها، إضافة إلى رسالة للمجتمع الدولي بأنَّه رغم ارتكابه المجازر وخاصة بالسلاح الكيماوي لم يحاسبه أحد.
وأشار “الدوماني” خلال حديثه مع شبكة “آرام”، إلى أنَّ مؤيدي النظام في الساحل السوري خرجوا في مظاهرات في العام 2018 تطالب نظام الأسد بحرق دوما التي بالفعل حرقها وهناك أحياء سكنية دمّرت بشكل كامل، مع العلم بعد سقوطها في 12 / 4 / 2018 لم يقم النظام بعمليات ترميم أو إصلاح لغاية مطلع العام الجاري، وذلك تمهيداً لعملية الانتخابات.
بدوره، أحد أعضاء الهيئة السياسية لتمثيل الغوطة التي تشكلت عام 2015، وعضو في مجلس دوما المحلي سابقاً، أسامة حوى، قال لـ”آرام”: إنَّ “إدلاء بشار الأسد بصوته في انتخابات الرئاسة الهزلية في مدينة دوما تحديداً، له دلالات مهمة ورمزية، فهذه الحركة لم تكن عفوية، ولم تأت اعتباطاً أو من باب الصدفة، وكأنَّه يعلن انتصاره على الثورة السورية في عقر دارها ورمز صمودها”.
ويفصّل “حوى” وفق ما يلي:
سياسياً:
دوما أذهلت نظام الأسد بطريقة إدارة أهلها لها إبان تحرّرها، فهي التي حفظت سجلاتها، وانتخبت مجالسها، وحقّقت أمنها الداخلي، وأقامت مؤسساتها، وأدارت مواردها واستفادت من جميع كوادرها في ظل الجوع والقصف والحصار، فلم تكن مجرد مدينة، إنَّما هي إرادة شعب مؤهل مستعد لدفع بلده ليكون في مصافّ الأمم المتقدمة.
عسكرياً:
شكّلت دوما رأس الحربة في الغوطة الشرقية التي صمدت سبع سنوات في وجه آلة القتل المجرمة وداعميها من الجيوش والميليشيات الطائفية، حيث كانت بموقعها الجيوسياسي وبشعبها الذي قارع جميع هذه القوى دون كلل أو ملل، تحدياً مهماً واجه الأسد الطاغية وداعميه.
وعلى الرغم من هذه الضغوطات الهائلة التي من شأنها إسقاط أيّ عاصمة من عواصم العالم الكبرى، أنتجت دوما من أبنائها فصائل مقاتلة بلغت عشرات الآلاف، وعلى رأسها “جيش الإسلام” الذي تجاوز في تنظيمه بقعة الغوطة الجغرافية ليمتد على أغلب المناطق السورية.
كذلك، أنتجت سلاحها ووقودها وطعامها ولباسها، فكانت “أيقونة الصمود” التي أثبتت أهلية الشعب السوري في قيادة نفسه بنفسه بعيداً عن أيّة وصاية من أيّ جهة، ولم تبخل من أجل نيل حريتها ببذل أبنائها، حيث تجاوزت أعداد شهدائها الخمسة عشر ألف شهيد، فضلاً عن المعتقلين والمغيّبين قسراً ومن قبلهم آلاف المهاجرين.
وأيضاً، حقّقت معادلة الردع، فأركعت النظام ودفعت برؤوسه إلى جحورها حينما كانت تقصف المراكز الأمنية والعسكرية في العاصمة دمشق ردّاً على المجازر التي اقترفها المجرمون بحقّ أبناء البلد، فتغريدة من قائدها على “تويتر” كانت كفيلة بإيقاف الحياة كاملة في دمشق بانتظار تغريدة أخرى تعلن رفع حظر التجوّل.
التعليم والصحة:
دوما نهضت بالعلم في أول فرصة أخذت فيها حريتها، فكانت درّة التعليم سواء في مدارسها المدمّرة أو في الأقبية تحت الأرض، فالعملية التعليمية لم تتوقف لحظة في المدارس والأقبية والمساجد، رغم سياسة التجهيل بالفقر والموت والقصف والدمار.
وأثبتت كوادرها الصحية، أنَّ إرادة الحياة لا تنثني رغم كثرة الجراحات وتتابع المجازر، إذ أقامت مستشفياتها تحت الأرض وصنعت دواءها بأيدي خبرائها، وانتظم منسوبوها في أماكنهم مستنفرين لسبع سنوات كاملة، كان حصة اليوم الواحد منها أكثر من ثلاثين عملاً جراحياً في أصعب الظروف وتحت وطأة ندرة الغذاء والدواء والوقود.
يذكر أنَّ وزارة الدفاع الروسية توصلت إلى اتفاق مع “جيش الإسلام”، يقضي “بوقف إطلاق النار واستئناف انسحاب المقاتلين وعائلاتهم من المدينة وعددهم 40 ألفاً، إلى مناطق خاضعة لسيطرة الثوار شمالي سوريا، وبذلك أحكم النظام قبضته على كامل محافظة ريف دمشق.
وجاء ذلك، بعد حملة “سياسة الأرض المحروقة” التي قادتها روسيا ودمرت قرابة الخمسين بالمئة من بنيانها، وختمتها بالهجوم الكيماوي في 7 / 4/ 2018 الذي أجبر المرابطين فيها على الخروج حفاظاً على أكثر من مئة وخمسين ألفاً من أهلها باتوا مهددين بالإبادة الجماعية المحقّقة.
لمحة تاريخية:
وتتميز بموقع استراتيجي هام، فهي تمتد من الحدود الأردنية إلى دمشق، وهذا يعطيها أهمية كبيرة بالنسبة لجميع المناطق والضواحي المجاورة، وتختلف الروايات عن أصل تسمية دوما، وتنسبها إحداها إلى شجر الدوم، وهو من فصيلة النخليات ويستخرج منه نوع من الدبس وهو ينبت في شبه الجزيرة العربية وفي مصر والسودان.
وتعد دوما من أقدم مدن بلاد الشام، وكانت قد سكنت بعد انحسار بحيرة دمشق الكبرى، وخضعت المدينة لحكم العديد من المماليك التي حكمت بلاد الشام، أبرزها المملكة الآرامية التي أقامت هيئة حكم مصغرة لإدارة شؤون المملكة الزراعية، وكانت محاطة بالأنهار والأقنية المائية.
وترتبط بالتاريخ العريق لمدينة دمشق، وتنتشر فيها دور العبادة والمساجد ويصل عددها إلى أكثر من ثمانين مسجداً، منها مساجد تاريخية معروفة، حتى أنَّها سميت بمدينة المآذن، إضافة للعديد من المباني والمدارس والخانات الأثرية، وعُرفت في التاريخ المعاصر بأنَّها حاضنة الثورة ضد الاستعمار الفرنسي.
عذراً التعليقات مغلقة