أولًا: مدخل
شكّل تفجير منشأة نطنز الذي أحدثه انفجارُ عبوة ناسفة زُرعَت في داخلها بفعل بشري -بغضّ النظر عن حجم الأضرار التي أصابت المفاعل وعن مدى تأثيرها على المشروع النووي الإيراني بكليّته- نقلةً نوعيةً مؤثرةً في تطور جملة العلاقات الإيرانية، مع كل الأطراف التي تجد نفسها في حالة اشتباك مع إيران، سواء أكان على خلفية مشروعها النووي، أو توسّعها العدواني في المنطقة وزعزعة استقرار العديد من الدول في جوارها، وأيضًا لجهة ملفها الصاروخي الذي بات هو الآخر مثار قلقٍ حتى لبعض الدول في جنوب وشرق أوروبا، التي باتت من ضمن مديات الصواريخ الإيرانية؛ ذلك بـأن التداعيات سوف تتجاوز البعد التقني، ومدى تأخيرها للسعي الإيراني لحيازة سلاح نووي يُقلق دول العالم وإسرائيل، ويبعث ما هو أبعد من القلق في جوارها الخليجي، وستترك تأثيراتها العميقة على كل الصعد السياسية والأمنية والمعنوية، إذ دلّل هذا الانفجار وطريقة تنفيذه على هشاشة النظام وانكشافه الأمني الواسع، وربما يدفع إيران باتجاهات لم يكن متوقعًا أن تسلكها منذ شهور، فهل ستلين مواقفها وتتخلى عن بعض أوهامها بالقدرة على ابتزاز العالم، أم ستسير تحت ضغط المحافظين والحرس الثوري نحو مزيد من التصعيد؟ علمًا أن لعب ورقة سياسة حافة الهاوية إلى مديات أبعد قد يوقعها في الهاوية، ويستجر المنطقة إلى حالة حروب مفتوحة، سواء أكانت مباشرة أو بالوكالة. ونظرًا لعمق التدخل الإيراني في سورية، وصعوبة الفكاك من سطوتها العسكرية المتمددة عبر ميليشياتها على الجغرافيا السورية كافة، وإمساكها بقدر لابأس به من القرار السوري؛ فإن من المؤكد أن تكون لذلك تداعيات على الملف السوري في كلا الاتجاهين، سواء رفعت من احتمالية استجابتها للضغوط المتعددة وسهّلت الحل السياسي وسحبت ميليشياتها، أو بالحالة المعاكسة (وهي غير مستبعدة) بتصعيد المواجهة غير المباشر مع إسرائيل أو الوجود الأميركي شرق الفرات، ودفع النظام السوري إلى مزيد من التعنت الذي يحبذه ويجيده النظام الذي سار منذ انطلاقة الثورة عام 2011 وفقًا لخيار أمني وحيد، أيًا كانت النتائج التي سيفضي إليها، وكلّ ماعدا ذلك كان مجرد تفاصيل لتزجية الوقت وإلهاء الآخرين.
ثانيًا: في ردّات الفعل الإيرانية والدولية
مما لا شكّ فيه أن الانفجار الذي وقع في مفاعل نطنز، مرتكز المشروع النووي الإيراني الرئيسي، فجر الأحد 11 نيسان/ أبريل الجاري، شكّلَ صدمةً كبيرة للنظام الإيراني، من حيث دلالاته وتوقيته والرسائل التي أراد إيصالها إلى الطرف الإيراني، وعلى الرغم من أن هذا الانفجار لم يكن الأول، وقد لا يكون الأخير، فإن أهمّ دلالاته تظهر بترافقه مع مباحثات فيينا التي جاءت بمبادرة من الاتحاد الأوروبي، بين إيران ومجموعة G5+1، وتشارك فيها الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، وبدور أميركي حاسم، دون أن تحرز أي تقدّم في أسبوعها الأول. وما أرادته إسرائيل من عملها هذا هو التشويش على تلك المفاوضات، ففي كانون الثاني/ يناير 2018، سرق الموساد الإسرائيلي الأرشيف النووي الإيراني، معتمدًا على عملاء بالداخل، مع تعاون استخباراتي منسّق مع دول ذات قدرات وخبرات في هذا المجال، وقد تباهى نتنياهو حينذاك، ضمن عرض تفاعلي أمام وسائل الإعلام، باليد الطويلة للموساد الإسرائيلي، بغية تكوين رأي عام دولي ضد إيران وبرنامجها النووي، وهناك حادث ثانٍ وقع في المفاعل ذاته، في الثاني من تموز/ يوليو 2020، واستهدف مستودعات تركيب أجهزة الطرد المركزي قبل تركيبها، وكذلك هناك العملية النوعية التي اغتال فيها الموساد العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، الأمر الذي شكّل فضحًا صريحًا لحالة انكشاف أمني عميق، بخاصة في أمن الحرس الثوري المنوط به أمن البرنامج النووي الإيراني. ومن المفيد في هذا السياق، الوقوف على تداعيات تفجير نطنز بقدر معقول، وملاحقة ردّات الفعل التي صدرت عن الدول المعنية، وما يمكن استنتاجه من مواقف وتوجهات لكل منها، وكيف ستتقاطع هذه المواقف أو تتصادم، ووقعها النهائي على الملفات الملتهبة في المنطقة التي تشكل إيران قاسمها المشترك، من خلال تدخلاتها وانتشار ميليشياتها وسلاحها وتمويلها في هذه الدول، ومنها سورية.
1 – ردود الفعل الإيرانية
ليس غريبًا، كما هو متوقع من خلال توزيع الأدوار بين المسؤولين الإيرانيين، حيث هناك طرف يبدي عقلانية وهدوءً ورغبةً بالتعاون مع الأطراف الأخرى، وطرف يتشدد ويرفع السقوف بغاية توجيه رسائله للداخل الإيراني أو لابتزاز العالم وتخويفه من قدرتها واستعدادها لإشعال حروب واسعة في المنطقة، حروب لا تريدها الولايات المتحدة ولا أوروبا ولا حتى إسرائيل، فالإدارة الأميركية الجديدة، على الرغم من أنه من المبكر ومن غير الصحيح إطلاق حكم على توجهاتها تجاه إيران، لا ترغب في حرب جديدة ترى أن المنطقة لا تتحملها، وهي تعول على العمل الدبلوماسي والعقوبات، وهذا ما يشجع قادة إيران على ممارسة سياسة ابتزازية حد التهور المحسوب، بغاية إجبار الولايات المتحدة على الاعتراف ومباركة النفوذ الذي تريده في جوارها وفي المنطقة، وقد تبدّت هذه السياسية بدفع الحوثيين إلى تصعيد هجومهم في مأرب وتشديد الحصار على تعز، وكذلك الهجمات الصاروخية وبواسطة الطيران المسير على الأراضي السعودية، والأمر ذاته في لبنان يمارسه “حزب الله” بتعطيل تشكيل حكومة تساعد اللبنانيين على الخروج من الأزمة الخانقة التي يعانيها، وطبعًا هذا الموقف لحزب الله خدمة لتوجه إيراني، بغية تثقيل أوراقها التفاوضية، فضلًا عن الهجمات الصاروخية التي تشنها ميليشياتها في العراق على القواعد التي توجد فيها قوات أميركية وكذلك استهدافات مطار أربيل، لكن الأخطر في تصرفات الميليشيات العراقية دفعها الأمور إلى حد أقصى يجعل من احتمال الحرب الأهلية احتمالًا واردًا، الأمر الذي تتحاشاه حكومة الكاظمي بتوخي الحذر في كل تصرفاتها وقراراتها.
ظهر الارتباك على المسؤولين الإيرانيين، حيث أصروا على أنه هجوم سيبراني، ثم اضطروا إلى الاعتراف بأنه تفجير بعبوة ناسفة مزروعة من عام 2019، ونفوا تعطل العمل في المفاعل، وذكروا أن لا أضرار مهمة، لكنهم عادوا واعترفوا بأضرار بليغة، وقدموا شكوى ضد إسرائيل، إلى مجلس الأمن الدولي، وهي المرة الأولى التي تشتكي فيها إيران، وهذا يدلل على حالة تخوف حقيقي من حالة انكشافها، ومن ثمّ ضياع كل جهودها المستمرة منذ عقود، والتكاليف المادية والسياسية لهذا المشروع.
الناطق باسم هيئة الطاقة النووية الإيرانية صرّح بأن الانفجار كان كبيرًا، وكذلك الأضرار التي نجمت عنه، وأن الانفجار أخّر العمل في المفاعل لشهور قادمة، لكن الاعتراف الأكبر جاء من مسؤول الدراسات النووية في مجلس الشورى الإيراني علي رضا زاكاني، إذ قال: “إن الحكومة لم تخبر الإيرانيين بالحقيقة وحجم الأضرار التي وقعت”، واتهم الجهاز الأمني في الحرس الثوري بأنه “حوّل إيران بتصرفاته إلى جنة للجواسيس”، وعلى العكس من ذلك، أبلغت إيران هيئة الطاقة الذريّة بواسطة عباس عراقجي، كبير المفاوضين الإيرانيين بنيتها رفع التخصيب إلى درجة 60 % ، كما صرّح ظريف بأن بلاده لديها القدرة على تخصيب اليورانيوم بأي نسبة تريدها، وبأنها “قادرة على تخصيب 9 غرامات يورانيوم كل ساعة، بنسبة 60 %”، مبالغة يصعب هضمها، وكأنه لا يدري أن هناك أكثر من جهاز استخباري عالمي بقدرات هائلة يتابع ملفه ساعة بساعة، ويعرف الكثير عن حقيقة المشروع، وأين وصل، لكن تبقى كل هذه التصريحات في سياق الإعلام وتوزيع الرسائل. أما التساؤلات التي شغلت المهتمين بالملف الإيراني وتطوراته فكانت في موقع آخر، حيث دارت حول المواقف الحقيقية التي قد تأخذها القيادة الإيرانية، هل ستنسحب من مباحثات فيينا؟ أو يمكن أن تنسحب من اتفاق خطة العمل المشتركة وتمضي بخيارها النووي، بغض النظر عن العواقب؟ وهل ستنفذ تهديداتها بالرد على إسرائيل؟ وأين وكيف؟
بداية، قطع الإيرانيون الطريق على من يتمنون أو يعملون على دفع إيران إلى خيار الانسحاب، كي يكون هناك مبرر عالمي لضرب مشروعها، حيث طالب المرشد هيئة التفاوض بالإسراع بالمفاوضات والخروج بنتائج، كما قال جواد ظريف (وزير الخارجية الإيرانية) في رسالة وجهها إلى مجموعة G5+1: إن إيران “لن تترك أو تنسحب من طاولة المفاوضات، لإعادة إحياء الملف النووي بعد العملية التخريبية في نطنز”، أما عن الرد فإن السنوات الماضية بيّنت أن إيران مارست ضبطًا عاليًا للنفس، تجاه كل الضربات التي شنتها إسرائيل على مواقع ميليشياتها في سورية وفي العراق، ناهيك عن حرب السفن السرية التي أعلن عن تعرض السفن الإيرانية لـ 12 هجومًا محسوبًا على السفن التجارية الإيرانية، بغاية تعطيلها فقط، وليس إغراقها في البحر الأحمر وبحر العرب، مقابل تعرض سفينتين تجاريتين تعودان لتجار إسرائيليين في بحر العرب وقبالة ساحل الإمارات.
2 – الموقف الأميركي
الإدارة الأميركية الجديدة لا تُخفي سعيها الجاد للتفاوض حول عودة مشروطة إلى اتفاقية خطة العمل المشتركة، وأنها على استعداد لرفع تدريجي للعقوبات التي فرضها ترامب، إذا عادت إيران إلى الالتزامات السابقة والمتبادلة، وعلى الرغم من المعارضة الإسرائيلية وبعض الأصوات في الكونغرس الأميركي لتوجهات الإدارة، فإن إدارة بايدن تعوّل كثيرًا على العمل الدبلوماسي، وتبدي مرونة ملفته تثير كثيرًا من التساؤلات ومثالها الصارخ قبول الولايات المتحدة اشتراط إيران قبولها دعوة الاتحاد الأوربي لمباحثات فيينا، بالا تشارك الولايات المتحدة بشكل مباشر!! فهل هو ترضية لإيران؟ أم هو سحب للذرائع من بين يديها؟ أم أن هناك مفاوضات موازية تجري بين الطرفين بعيدًا عن فيينا، وهذا ليس مستبعدًا، لكن بكل الأحوال فإن الولايات المتحدة تبرأت من تفجير نطنز، حيث صرحت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي بأن الولايات المتحدة “لم تكن ضالعة في الأمر، بأي شكل من الأشكال”، وأضافت: “ليس لدينا ما نضيفه بخصوص التكهنات حول الأسباب أو الآثار، ونتوقع أن مباحثات فيينا ستكون صعبة وطويلة”.
من المؤكد أن الولايات المتحدة ليست راضية عن المشاغبات الإسرائيلية، بخصوص مفاوضات العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي، وأنها تمارس ضغوطًا على إسرائيل، وإن وجود وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في القدس، يوم تفجير نطنز، ليس مصادفة، على الرغم من رفضه التعليق على الحادثة قبل لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، مكتفيًا بالتأكيد “أن الجهود الدبلوماسية الأميركية مستمرة لضمان التزام إيران شروط الاتفاق النووي، مقابل تخفيف العقوبات”، لكن كان ملفتًا اتفاق وزيري الدفاع الأميركي والإسرائيلي على تشكيل لجنة متعددة الاختصاصات، برئاسة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات، للتنسيق مع نظرائهم في واشنطن، وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول البرنامج النووي، وقد اعتبر ذلك استجابة إسرائيلية لضغوط الرئيس بايدن وفريقه الحكومي المتحمس للعودة إلى الاتفاق، لكن مع هذا الحماس فإنهم يريدون توسيع المفاوضات لتشمل ملف الصواريخ وتدخلاتها التوسعية في الشرق الأوسط، ويشكل ذلك من جهة أخرى طمأنة أميركية لإسرائيل المتخوفة من نهايات هذا المسعى الأميركي، وعمومًا فإن المسؤولين الأميركيين لا يتوقعون أن تغير طهران نهجها، بسبب تفجير نطنز، فقد صرّح مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية بأن “مطالب إيران بأن ترفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب عام 20017 ستؤدي إلى طريق مسدود”.
3 – الموقف الإسرائيلي
لم يُخف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معارضته للتوجه الأميركي الجديد، بالعودة إلى الاتفاق النووي، وقد حاولت إسرائيل عبر مؤيديها في مراكز القرار الأميركي ثني الإدارة الجديدة عن توجهها هذا ولم تفلح، وإذا تطابقت في حدود ما الاستراتيجيتان الأميركية والإسرائيلية في الممارسة العملية تجاه إيران، في عهد ترامب الذي حكم باسم الجمهوريين، فليس من الضروري أن يستمر هذا التوافق في عهد الإدارة الجديدة، فأميركا كونية النظرة، بحكم إمكاناتها ودورها، بينما إسرائيل إقليمية النظرة، كذلك بحكم إمكاناتها، وليس خافيًا أن هناك رأيين في إسرائيل حيال الموقف الأميركي، ففي مقابل التشدد الذي يمارسه نتنياهو وبعض فريقه الحكومي الذي يبدو أنه غير معني بالعودة إلى الاتفاق، سواء عدِّل أم لم يعدَّل، ويشاغب على الموقف الأميركي لتعطيل المفاوضات الجارية، وهذا الطرف يعزى تشدده للتخوف الإسرائيلي من تنتهي مسيرة التفاوض لصالح إيران، وتصبح واقعيًا دولة نووية، بالمقابل هناك في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية فريق يقوده وزير الدفاع بني غينتس، لا يمانع بالعودة إلى الاتفاق النووي، لكن بصيغة جديدة ومعدلة، وتتلخص رؤيتهم، بأنه ما دام الاتفاق خضع للتعديل وراعى المصالح الإسرائيلية، فما هو مبرر معارضة العودة إلى الاتفاق والدخول في مناكفة مع الطرف الأميركي الذي لا تستطيع إسرائيل مخالفته في نهاية المطاف؟ وطبعًا، هذا التباين في المواقف داخل مراكز القرار الإسرائيلي لا يمنع إسرائيل من مواصلة ضرباتها لمواقع الميليشيات الإيرانية في سورية وغيرها أو على خطوط الملاحة البحرية.
ولم يسجل للأطراف الأخرى مواقف يمكن البناء عليها؛ فالاتحاد الأوروبي أبدى تخوفه من احتمال التأثير السلبي على سير المفاوضات في فيينا، وهذا الموقف لم يمنع الاتحاد من فرض حزمة عقوبات جديدة على شخصيات وكيانات إيرانية، على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان مورست بحق المتظاهرين عام 8 201 بالتزامن مع حادثة نطنز، كذلك الموقف الروسي الذي اكتفى برفضه للحادث، وعدّه لا يخدم نجاح مفاوضات فيينا.
ثالثًا: تداعيات الحادث على الملفّ السوري
تنبع مشروعية البحث في أبعاد تفجير نطنز، بالدرجة الأولى، من تداعياته على الملفّ السوري، لأن الملف السوري، لم يحظ بأيّ أولوية لدى الإدارة الأميركية الجديدة حتى الآن، وكأنها تعدّ أن معالجة الملف السوري تتبع جزئيًا، من خلال الملف النووي الإيراني صاحب الأولوية لديها، فضلًا عن أن لإيران ولروسيا تأثيرًا كبيرًا على القرار السوري، ودورًا في عرقلة تنفيذ القرارات الدولية وإطلاق الحل السياسي، خدمة لمصالحهما ونفوذهما، عبر محاولة تمرير حل يتوافق ورؤيتهما التي ترتكز على إعادة تعويم النظام، من دون أي تغيير جوهري على بنيته الأمنية والسياسية. وعلى الرغم من التدهور الاقتصادي الخطير وانعكاساته على حياة السوريين، وما يمكن أن يستتبعه من تداعيات على بقية المجالات، تطفو على السطح التحركات الروسية المحمومة لإعادة النظام إلى جامعة الدول العربية، ودعوة الدول العربية لإعادة علاقاتها مع النظام وإمداده بالدعم المادي لمنع انهيار “الدولة السورية” ، ففي آذار/ مارس الماضي، كانت هناك جولة على بعض الدول الخليجية لوزير الخارجية الروسية، ختمها في الدوحة، وأطلق مع شريكه التركي منصة الدوحة للمشاركة في تسهيل الحل السياسي، الذي تتبناه موسكو، بغضّ النظر عمّا تقوله بالبيانات حول التزامها القرار 2254، وكان آخر تحرك له زيارته للقاهرة، يوم 12 نيسان/ إبريل نيسان الجاري، لذلك الغرض، وقد تم التوقف عند زيارته للقاهرة استباقًا لاجتماع بغداد المزمع قريبًا، من ضمن حالة التنسيق بين العراق ومصر والأردن، لدفع الدول الثلاث لرفع الصوت من أجل إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، بعد أن فشل اجتماع الدورة 155 لوزراء الخارجية العرب الشهر الماضي، في التوافق على موقف موحد بهذا الخصوص، بخاصة أن مصر والعراق متحمستان لمثل هذه العودة، وترافقت زيارة لافروف للقاهرة بإطلاق مبادرة دعيت مبادرة “العمق العربي”، تقدّم بها على ما حمل الخبر مجموعة من “الشخصيات المميزة” في رسالة إلى رئيس الوزراء العراقي، من دون أن يُعلن أي اسم من هذه الشخصيات المميزة وماذا تشغل، ولم يتبيّن أهم سوريون أم عرب؟ لكنها تطالب القمة بالعمل على تفعيل الدور العربي في الملف السوري، وإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، واعتمادهم كمنصة تتبع الجامعة العربية، ليفتحوا حوارًا مع النظام السوري وإقناعه بالدخول بالحل السياسي وفق القرار 2254، وما دامت المبادرة تطلب اعتمادها كمنصة، فهو يدلل على الإصبع الروسي الذي يقف خلفها، وهو المهووس باستيلاد مزيد من المنصات التي لم تحرز -على تعددها- أيّ تقدم، ولا يعدو دورها أن ينشر إيهامًا للمعنيين بالملف السوري، بأن هناك حراكًا للبحث في حل، وكأنه تعويض عن التجاهل الذي تواجهه موسكو من الإدارة الأميركية الجديدة، التي تدفع إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين البلدين، وآخرها حرب السفارات والطرد المتبادل لدبلوماسيين من البلدين، مع التأكيد بأن الروس لم يشيروا إلى أي تغيير في موقفهم، فهم يدعمون النظام بإجراء الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها منتصف أيار/ مايو القادم، وهم في الوقت ذاته يمارسون ابتزازًا للدول العربية المصرّة على موقفها وشروطها لعودة سورية إلى الجامعة أو لعودتهم إلى دمشق من زاوية التهديد الإيراني، حيث نُسب إلى لافروف قوله: “إذا مارسنا مزيدًا من الضغط على النظام السوري، فإننا ندفعه للارتماء أكثر في الحضن الإيراني”.
ممّا لا شكّ فيه أن انفجار نطنز المتزامن مع التحركات الروسية ومباحثات فيينا سيكون له تداعيات على الملفّ السوري، بحكم التدخّل الإيراني العميق في سورية على أكثر من مستوى، والسعي الإسرائيلي لمنع تموضع إيران عسكريًا في سورية، الذي لم يحقق أهدافه حتى الآن، إضافة إلى القلق العربي من هذا الوجود، وقد يدفع التفجير المواقفَ الإيرانية نحو مزيد من التشدد، ويفشل المسعى الأميركي والأوروبي لإعادة الحياة إلى الملف النووي الإيراني، ومن ثم ترفع وتيرة الضغط الأميركي والإسرائيلي وربّما الأوروبي عليها، ويضعف الموقف الإيراني في سورية وفي بقية الإقليم، وقد يسرّع ذلك من إمكانية انطلاق الحل السياسي المعاق، أما إذا دفع المواقف الإيراني إلى الليونة والاستجابة الكلية أو الجزئية لمطالب خصومها، فسوف يصبّ أيضًا في صالح تسهيل انطلاقة الحل السياسي، كون إيران أحد عناصر الإعاقة العنيدة.
رابعًا: استنتاجات
أعاق التفجير المشروع النووي الإيراني، وأظهر حجم الانكشاف الأمني لإيران، وأضعف الموقف التفاوضي لإيران، وكان ذلك في مصلحة الولايات المتحدة، بغض النظر عن التصريحات الإيرانية.
إن حجم الانكشاف الإيراني الذي عراه حادث نطنز وما سبقه، يتوقع له أن يفتح جدالًا حادًا بين المتشددين، الذين يدعون لمزيد من التشدد الإيراني وابتزاز العالم ووقف المفاوضات، وبين المعتدلين في إيران الذين يدعون إلى تفعيل الحوار وتليين المواقف، للتخلص من سيف العقوبات، والمرجّح أن قرار الليونة هو الذي سيعتمد في النهاية، إلا أنه لا يمكن الجزم بأن المحافظين لن يزيدوا من جرعة المواجهة، وستتضح ملامح ذلك بعد الانتخابات الرئاسية القريبة في إيران، وليس من المستبعد أن ينجح أحد مرشحي الحرس الثوري من متقاعديه، فالمعتدلون في إيران هم في أضعف حالاتهم.
على الرغم من أن رسالة إسرائيل من التفجير وضع إيران في حالة التفاوض تحت الضغط، فمن غير المتوقع أن تتغير قواعد الاشتباك، وستبقى في إطار حرب الوكالات المحسوبة، وهو المفضّل لدى إيران، إلا أن هذا الوضع ستتوقف ديمومته على النتائج التي يمكن أن تفضي إليها مباحثات فيينا، أو المسارات الأخرى سلبًا أو إيجابًا.
الاحتمال المرجح أن تمضي إيران في خيار التفاوض إلى أبعد مدى زمني ممكن، لكسب الوقت وللحد من مطالب الآخرين، بخاصة أنها لن تكون ملزمة في نهاية المطاف بقبول ما تريده الأطراف الأخرى.
إذا مضت الخيارات الإيرانية نحو اعتماد الليونة، بحكم ما تعانيه من مصاعب وضغوط، وقررت التخلي عن وجودها العسكري في سورية، ولو من باب الانحناء أمام العاصفة انتظارًا لفرص أفضل، وأن تكتفي ببعض النفوذ الاقتصادي الذي لا تمانع فيه الولايات المتحدة ولا إسرائيل؛ فإن عقبة كبيرة أمام انطلاقة الحل السياسي في سورية تكون قد أزيلت، أو رُكنت جانبًا على الأقل.
- تقدير موقف صادر عن قسم الدراسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة
عذراً التعليقات مغلقة