تأخذ أحداث العنصرية في تركيا ضد اللاجئين السوريين منحى تصاعديا، إذ لا يكاد يمر يوم إلا ويعلن فيه عن حادثة هنا وأخرى هناك، وتتنوع ما بين عنصرية لفظية وأخرى أشد من ذلك انسحبت في الآونة الأخيرة إلى حوادث القتل والضرب “الوحشي”، والذي كان آخر ضحاياه طفل سوري يدعى محمد الأحمد، بعد تعرض لاعتداء على يد رجل تركي في حي أوندر بالعاصمة أنقرة.
وحسب ما تحدثت عائلة محمد فإنه نجا من “الموت بأعجوبة”، كون الضرب الذي تعرض له من قبل الرجل التركي البالغ من العمر 35 عاما كان “هستيريا وجنونيا”، وأسفر عنه كسور متفرقة في جسد الطفل، أخطرها في الجمجمة، وإلى جانبها كان هناك كسورٍ في الأسنان واليدين، ورضوض في العينين. جميعها استدعت نقله إلى المشفى وإدخاله إلى غرفة العناية المشددة.
وتقول عمّة الطفل وتدعى سحر في تصريحات لموقع “الحرة” إن الحالة الطبية لمحمد في الوقت الحالي مستقرة، إذ تم إخراجه من غرفة العناية المركزة مساء الخميس، لكن الأطباء أصروا على بقائه في المشفى، على خلفية الكسور الخطيرة التي تعرض لها جسده.
وتضيف العمّة المقيمة في أنقرة أن الشرطة التركية ألقت القبض على الرجل التركي الثلاثيني، والذي حاول تغيير قصة الحادثة بعد إقدامه على فعلها، واستشعاره خطورة الموقف، كون محمد كان قد دخل في حالة إغماء بعد ضربه، وأظهرت حالته العامة بأنه قد يواجه الموت.
“ضرب وحشي وهستيري”
في التفاصيل توضح عمّة الطفل في حديثها لموقع “الحرة” أن حادثة الاعتداء بدأت حكايتها حين كان محمد يلعب في شارع حي “ألتين داغ” التركي مع ابن عمه بولاية أنقرة التركية، وفي ذلك الوقت مرّت سيارة شاحنة يقودها الرجل التركي، ليطلب الأخير من الأطفال الابتعاد عن الطريق.
وتتابع سحر: “الطفل محمد لوّح بيديه بإشارات للرجل التركي، ما استفز الأخير ودفعه للنزول من السيارة واللحاق بالأطفال إلى إحدى البنايات قيد الإنشاء في المنطقة. بعد ذلك أمسك الرجل بمحمد وبدأ بضربه ورفعه وإسقاطه على الأرض بصورة وحشية لعدة مرات، ما أسفر عن دخول الضحية في حالة إغماء”.
وتشير قريبة الطفل:” بعد دخول محمد في حالة إغماء اتجه المعتدي لإسعافه ونقله إلى المشفى، وأبلغ الكادر الطبي بأن سيارةً قد صدمته، وفر سائقها هربا، في قلب كامل للحادثة”.
وتتابع العمّة: “لكن أحد حراس المبنى الذي دارت فيه حادثة الاعتداء كان موجود حينها في المنطقة ويتابع، ما دفعه إلى تصوير سيارة الرجل التركي ولوحته التعريفية، وإبلاغ الشرطة بذلك”.
ورغم أن حادثة الاعتداء المذكورة ليست الأولى التي تشهدها الولايات التركية ويكون ضحيتها سوريين، إلا أنها اليوم طالت طفلا يبلغ من العمر عشر سنوات فقط، ووفقا لصور الطفل التي وصلت لموقع “الحرة” بعد تعرضه للاعتداء فإنها أظهرت كدمات خطيرة في رأسه، وكانت إحدى عينيه مزرقتان بشكل كبير.
شاب يفقد روحه قبل يوم واحد
ويتجاوز عدد السوريين المقيمين في تركيا، سواء “لاجئين” أو “سياح” أكثر من أربعة ملايين شخص، ويتركز العدد الأكبر منهم في ولاية إسطنبول، لتتبعها ولاية شانلي أورفة الحدودية، وولايتي غازي عنتاب وهاتاي.
ورغم أنها تتجه في منحى تصاعدي ماتزال أحداث العنصرية في تركيا حتى الآن بعيدة عن أي حلول جذرية من قبل الحكومة التركية، أو حتى من قبل المنظمات الحقوقية وأطراف المعارضة السورية.
وبالعودة إلى قصة محمد فقد سبقها بيوم واحد فقط حادثة اعتداء أقدم عليه رجل تركي في مدينة إسطنبول بحق شاب سوري، ما أدى إلى مقتله على الفور، بعد تعرضه لعدة رصاصات استقرت في جسده.
الشاب يدعى وليد رمضان وينحدر من مدينة رأس العين بريف الحسكة، ويقول أحد أقاربه في تصريحات لموقع “الحرة” إنه قتل الأربعاء بعد مشادة كلامية مع جاره التركي، في أحد أحياء إسطنبول.
ويضيف قريب القتيل: “الشاب وليد كان يعمل في مهنة النجارة في إسطنبول، والشخص التركي تحجج بأن صوت منشار النجارة يزعجه دائما”، ويتابع: “تطور الخلاف بينهما إلى لجوء الرجل التركي لسحب سلاح حربي وإطلاق النار على وليد، ما أدى إلى وفاته على الفور”.
ويشير قريب القتيل إلى أن السلطات التركية ألقت القبض على القاتل بشكل فوري، “لكن وليد فقد حياته. لا أحد يعوّض الروح”، حسب تعبيره.
قتل وسرقة في وضح النهار
إلى جانب الحادثتين المذكورتين كانت أوساط اللاجئين السوريين في مدينة إسطنبول قد اهتزت قبل يومين فقط من رأس السنة، في 29 من ديسمبر 2020، بعد ورود خبر مقتل الشاب محمد اليافي، على يد سارق تركي في حي بيازيد.
الشاب محمد كان وحيد لأبيه وأمه، وفي تفاصيل مقتله قال أقربائه في تصريحات لموقع “الحرة” إن “لص يحمل الجنسية التركية اقتحم المكان الذي يعمل فيه (شركة ميرو للذهب) وأطلق الرصاص عليه، ما أدى إلى مقتله على الفور، وإصابة خاله الذي كان يعمل معه”.
ويضيف أقرباء محمد (24 عاما) أن حادثة القتل كانت في وضح النهار وفي سوق شعبي لبيع المجوهرات وتصريف العملات الأجنبية.
“مؤشر غير صحي وخطير”
تعتبر حوادث العنصرية التي تشهدها تركيا ضد السوريين في الفترة الحالية مؤشر “غير صحي وخطير” وأنهم ليسوا بأفضل حال، حسب ما يقول غزوان قرنفل “رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار”.
ويضيف قرنفل في تصريحات لموقع “الحرة” أن أسباب العنصرية ترتبط بالوضع الاقتصادي المأزوم في البلاد، وهو سبب أول ورئيسي، بمعنى أن ارتفاع سعر الدولار وغلاء الأسعار وضعف وندرة فرص العمل وارتفاع البطالة بين الأتراك جميعها عوامل تحرض الجانب العنصري في البلاد اتجاه اللاجئين السوريين، كون بعض الأتراك يرون أن السوريين استحوذوا على فرص عملهم، لكن هذا الأمر غير صحيح.
ويتابع قرنفل المقيم في مرسين: “الأتراك يرون أن السوريين أرهقوا الموازنة العامة بنفقات وهي مشكلة إضافية، لأن خطاب السلطة هو الذي غذّا هذا الفهم الخاطئ. السلطة عندما تقول إنها أنفقت 40 مليار على اللاجئين فهذا الأمر كارثي، ومن الطبيعي أن يتساءل المواطن التركي عن هذه الخطوة”.
وحسب رئيس “تجمع المحامين السوريين”: “كل ما تأزم الوضع الاقتصادي في تركيا سيكون هناك مؤشر تصاعدي للنبرة أو السلوك العنصري، سواء في الإعلام أو في السلوك المجتمعي العام”.
في المقابل يشير قرنفل إلى أن السوريين بدأوا بالعمل على محاسبة هذا السلوك العنصري، إذ توجد منظمات حقوقية تعمل على التواصل والتنسيق مع نقابات محامين أتراك، من أجل إقامة دعاوى على شخصيات تحض على الكراهية، أو على أي شخصية أو وسيلة إعلامية.
ويتابع المحامي السوري: “يجب ألا نستسلم أن السلطة التركية هي التي تفعل ذلك، ويجب أن نجبر السلطة على فتح تحقيقات في هذا المجال، وهنا يبرز دور للمجنسين السوريين”.
عذراً التعليقات مغلقة