الأتاسي منصور.. عامٌ على الرحيل

محسن بابات1 ديسمبر 2020آخر تحديث :
محسن بابات

في السادس من كانون الأول تمر الذكرى السنوية الأولى لرحيل الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي السوري《الأتاسي منصور》هذا الغياب المفاجئ ترك فراغاً كبيراً في حزبه الذي أسسه ومجموعة من رفاقه بعيد انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد الفاشيستي. كما أن مؤسسات الثورة على مختلف مشاربها ضاقت وتأثرت من هذا الغياب وتاه البعض منها وهو الذي كان فاعلاً أساسياً في صفوفها بل ومؤسساً للبعض منها كهيئة التنسيق واللقاء الديمقراطي وغيرهما من تنظيمات ومؤسسات.

فالراحل كان من أوائل الشخصيات الوطنية التي شاركت بالثورة وساهمت في تفجيرها واستمرارها فكيف لا يكون وهو ابن الحالة الأتاسية الحمصية السورية هذه العائلة (القبيلة) التي كان لها فضل كبيرووازن في مختلف مجالات الحياة من سياسية واقتصادية وفكرية وفنية وثقافية في المشهد السوري خلال القرن الماضي وما تزال حتى اليوم.

فمن حاضنة هذه العائلة وأبنائها كان أكثر من رئيس حكم سوريا بوطنية قل نظيرها في حكام سوريا المتعاقبين إلا ما ندر وصفحات الكتب والمنشورات حتى اليوم تتندر على الرئيس هاشم بك الأتاسي لتواضعه وعشقه لوطنه وشعبه ونظافة كفه على الرغم من عباءته العائلية الموسومة بوسومات الإقطاعية والبرجوازية الارستقراطية ومن حنايا وثنايا هذه العائلة كان أول ضابط برتبة فريق في الجيش السوري الفريق لؤي أتاسي والذي بدوره تقلد مقاليد الحكم لثمانية عشرة يوماً ساهم خلال تلك الفترة بمنع التقسيم والإنجرار للفتنة.

لذلك ولما تملكه هذه العائلة من مزايا وسجايا وطنية خالصة كان نظام الأسدين الأب والابن ناقمين عليها فزجا العديد من أبنائها في غياهب سجونهم وعلى رأسهم الرئيس نور الدين الأتاسي وحاولا بشتى الوسائل التقرب من الرجالات الاقتصادية للعائلة للاستفادة من الزخم المالي والتجاري العالمي لها.

من قلب هذه الواحة العائلية ومن صلبها نشأ وترعرع (الأتاسي منصور) حيث كان ابناً باراً لها وقد نهل الوطنية من مناهلها الأتاسية المميزة. هذه الخلفية الأتاسية للمنصور ساهمت في تكوين وعيه الفكري الثقافي الوطني حتى وإن تمرد على فكرها الإقطاعي البرجوازي بالذهاب بعيدأ بتمترسه الماركسي الشيوعي إلا أنه حافظ وبكل أمانة على تقاليد العائلة وإرثها الاستقراطي الوطني وهذه ميزة تحسب له لاعليه.

هذا المنبت وهذه الميزة جعلت من وعيه الطبقي وعياً نظيفاً خالصاً كامل الإرادة مارسه عن سابق إصرار وقناعة وثقافة بعكس بعض رجالات الحركة الشيوعية السورية الذين مارسوا وعيهم الطبقي بنقمة وتكبر.

الراحل منصور الأتاسي الشيوعي الماركسي اليساري الارستقراطي الوطني كان له باع طويل ومساهمات جمة في الحركة الشيوعية وفي كافة الحركات الوطنية السورية وانطلاقاً من قناعاته الفكرية الماركسية الحرة والتي وعيها جيداً كان دائم التمرد على مجمل التاريخ الشيوعي السوري من منطلق وطني بحت وفهم صحيح للماركسية بشقيها التاريخي والجدلي فشارك في الكثير من الانشقاقات الحزبية وكان في قرارة نفسه رافضاً انضواء الحزب تحت سلطة البعث عبر انضمامه للجبهة الوطنية التقدمية ولم يستكن حتى استقر به الحال في السنين العشر الأخيرة قبل الثورة السورية في هيئة الشيوعيبن السوريين التي كان من خلالها يناضل مع بعضاً من رفاقه الذين آثروا أن يبقوا تحت مظلة فصائل شيوعية ممزقة وواهنة لتوحيد الحزب وتجميعه والنهوض به وفقاً للرؤية والفهم الصحيحين للماركسية على أن يكون خارجاً من وصاية النظام وإشرافه وأن يأخذ الحزب دوره الحقيقي في بناء المجتمع السوري السليم ولذلك كان متابعَاً مُلاحَقاً من قبل عصابات الأسد المخابراتية حتى عندما كان عضواً في أحد فصائل الحزب المنضوية تحت إشراف النظام المباشر كان غير مرغوب به من قبل أزلام النظام فعندما رشحه الحزب ليكون عضو مكتب تنفيذي في محافظة حمص اختاره النظام على مضض لخلفيته الأتاسية الارستقراطية ابن حمص المدينة وليس على اساس ترشيحة من قبل الحزب.

من هنا نستطيع أن نعي البعد الوطني قبل أي شيء آخر للراحل منصور الأتاسي والذي أسس حزب اليسار الديمقراطي السوري مع مجموعة من رفاقه فضم للحزب إضافة لرفاقه الشيوعيين مجموعات رفاقية من مختلف الخلفيات كان القاسم المشترك بينها النضال ضد نظام الأسد والعمل على اجتثاثه وإسقاطه كالبعثي السابق وإخواني الإتجاه ولبيرالي الهوا ضمن رؤيته وفهمه للماركسية على أنها فلسفة جدلية متغيرة متبدلة وفقاً لمعطيات الزمان والمكان بثابت وحيد هو سعادة البشرية وتطورها فكان شعار الحزب (مدنية – ديمقراطية – عدالة اجتماعية).

لقد حاول وعمل بكل إخلاص وبأقصى درجات الغيرة الوطنية وحبه الجم لسوريا أن يجمع تيارات قوى المعارضة المختلفة في وعاء واحد وفقاً لقواعد واضحة وضعها ورسمها مع رفاقه وهي الدين لله والوطن للجميع وسوريا واحدة موحدة لجميع ابناؤها خالية من أي تواجد عسكري احتلالي على أراضيها ولأجل هذا الهدف ومنعاً لإرتهانه وارتهان الحزب بأجندات دول ومنظمات مختلفة فاعلة على الأرض السورية رفض كل الإغراءات التي قُدمت له ليكون وحزبه متستراً وداعماً لأجندة الداعم وبقي حراً دون أن يخضع للشروط.

وهو الذي شارك عن قناعة وإيمان واعتقل لأجل ذلك مع بداية الثورة وعمل بجد وإخلاص مع هيئة التنسيق إلى أن جانبها فيما بعد بعد أن خفضت سقف نضالها ضد النظام مع أنه بقي حريصاً على استمرار العلاقات المباشرة مع أفرادها وشخصياتها.

منصور الأتاسي الذي ترجل عن صهوة حصانه الثوري دون أن يصل لمحطته الأخيرة مدينته حمص وقد سقط النظام وزال الاستبداد والإجرام كان يدعو رفاقه دائماً ويحضهم على متابعة المشوار والمسيرة حتى اقتلاع بؤر النظام المجرم والوصول إلى سوريا بلد حر ديمقراطي موحد.

منصور الأتاسي عام على رحيلك ومازالت في وجداننا وعقولنا ومانزال نسترشد بنضالك الحر لروحك السلام ولذكراك الخلود.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل