تلقى نظام الأسد ضربة موجعة أن كسرت السويداء حاجز الخوف مجدداً رغم كل ما حاكت مخابراته من ألاعيب وفتن على مر سنوات بغية شق صف الثائرين، فها هي حناجر أحرارها تصدح دون مواربة ألا حل إلا برحيل بشار.. وسرعان ما تلقى أخرى أشد وجعاً عندما أتى الرد من الشمال فمد جمهور الثورة أيديه إلى إخوته في جبل العرب، أحفاد سلطان باشا الأطرش، في مشهد يعيد بهاء السنوات الأولى للثورة السورية.
بموازاة آلة البطش العسكرية التي استخدمها النظام وحلفاؤه روسيا وإيران لإعادة احتلال كثير من المناطق الثائرة، دأبت مخابرات الأسد على خلق الدسائس وبث الرعب وإشعال الفتن بين السوري وأخيه وبين قرية وجارتها، ومن نافلة القول إن النظام نجح إلى حد كبير في إحداث شروخ في عمق النسيج السوري، حتى بدا لكثيرين أن البلاد تتجه نحو التقسيم، وإذا كانت إعادة العمران تتطلب عشرات المليارات، فإن استعادة الألفة وترميم الهوية السورية تتطلب جهوداً مضاعفة.
إن الصيحات القادمة من السويداء وصداها في الشمال تبشر بإطاحة رهانات النظام على تخويف وتفريق السوريين، فأهمية حراك السويداء تكمن في وضوح شعاراته واتساقها مع أهداف الثورة السورية وما قابله من تضامن ودعم كبيرين من قبل جمهور الثورة، وما تبعهما من مظاهر احتجاجية بدأت “خجولة” في دمشق واللاذقية وسلمية.
مع الانهيار الاقتصادي المدفوع بعوامل لا مجال لعدها يشدد النظام الخناق على رقاب السوريين ويمضي ليأخذ من الفقراء رغيف خبزهم، في وقت تجهد ماكينته الإعلامية على تضليل الرأي العام وحشد أنظار الشعب نحو العقوبات كعدو خارجي، ويسعى للالتفاف على الاحتجاجات المتصاعدة وتفريغها من مضمونها بإجراءات شكلية لا تسمن من جوع.
وعلى الرغم من أهمية العقوبات المرتقبة في تحجيم موارد النظام وإضعاف قدراته إلا أنها ليست كفيلة وحدها بتغييره، فلا بد من أن يقتلع السوريون شوكهم بأيديهم، وأقصر الطرق إلى النجاة يكون بتوحيد أهدافهم ونبذ خلافاتهم والتسامي على الانتماءات دون الوطنية فيقوموا قومة رجل واحد ضد منظومة الإجرام، ولا يتيحون لها فرصة الاستفراد بمنطقة ما وإخماد غضبها، شرط أن يقرنوا هذا الحراك باختيار ممثلين حقيقيين عنهم قادرين على تحقيق تطلعاتهم.
يملك السوريون اليوم فرصة تاريخية للتحرر واستعادة قرارهم الوطني بأن يدركوا ألّا خلاص إلا بتوحدهم ضد قوى الاستبداد والاحتلال وأن يؤمنوا بقدرتهم على العيش المشترك وبناء دولة قانون تضمن مستقبلاً أفضل لهم ولأبنائهم بعد محاسبة الجناة وإنصاف المظلومين وطيّ صفحات الخوف والكراهية، وقد أثبتت السنوات التسع عزم هذا الشعب وقدرته على الحياة رغم كل الموت المقدر لأبنائه.
Sorry Comments are closed