الذكريات المؤلمة لا يمكن أن تنسى، وكم من مأساة عشناها في السنوات العشر الأخيرة، كانت كفيلة بأن تفتت الحجر، لكن الجرح الكبير لا يندمل بسهولة وقد يطول شفاؤه لأعوام وأعوام..
مرت تسع سنين على ليلة ليست كباقي ليالي الثورة السورية، بل ربما كانت ليلة مفصلية غيّرت مجريات الأحداث.
بين الساعتين وفي شارع القوتلي بدأت أحداث الحكاية المؤلمة التي عاشها أبناء محافظة حمص وسمع بها القاصي والداني، إنه اعتصام الحرية والكرامة التي امتزجت بدماء أبناء تلك المدينة التي عانت الأمرّين من ظلم النظام.
لا زلت أذكر ذلك اليوم وكأنه يحدث أمامي الآن، اتصل بي الشهيد أبا حسن وقال لي هل أنت جاهز للذهاب لاعتصام الساعة، ولم أتردد لحظة بالموافقة لأني على يقين بأن ثورتنا هي ثورة حق ضد الباطل، ثورة شعب ضد طاغية.
وفي تمام الساعة السابعة مساء كنّا بين المعتصمين، في لحظة غمرني الفرح لهذا المنظر الرائع الذي يؤكد على تحرر الشعب وعشقه للحرية؛ لكني بذات الوقت كنت أتوجس الخيفة من غدر النظام الذي لم يطل، فيما توقع البعض أن يستجيب النظام لمطالب المحتجين، وأنه لن يعتمد على الحل الأمني الذي لا زال سارياً حتى يومنا هذا.
لم تخب توقعات النسبة الأكبر بأن تطالهم يد الغدر وبأن يصب النظام جام غضبه على المحتجين السلميين، ورغم خوفهم وتأكدهم إلا أنهم أصرّوا على البقاء ومقارعة الحديد بأجسادهم، وحانت ساعة الصفر التي لم تكن كمثيلاتها، ساعة أمطر فيها النظام المحتجين بوابل من الرصاص، وكأنه يطلق رصاصة الغادر على عدوه في الجولان السوري، والذي ثبت فيما بعد ولاءه له، وبدأ الناس بالهرب واللجوء للأبنية القريبة أو الاختباء وراء الأعمدة ومنهم من هرب بين الشوارع والأزقة لكنه فوجئ بدوريات الأمن التابعة للنظام التي اعتقلت من الشباب الكثير.
وعمّ الصمت بعد أن هدأ أزيز الرصاص، ولم يبق في ساحة حمص إلا ساعتها شامخة وشاهدة حتى يومنا هذا على إجرام مرتكبي مجزرة الساعة.
في اليوم التالي بدأ أهالي حمص بلملمة جراحهم وكل منهم يبحث عن فقيد أو شهيد، وكانت المجزرة في ذلك اليوم والذي صادف الثامن عشر من شهر نيسان من عام ٢٠١١ من ابشع المجازر التي شهدها التاريخ المعاصر والتي لم يعرف عدد شهداءها حتى يزدومنا هذا.
ولا زالت العدالة مفقودة ولا زالت الضحية تبحث عمن يعيد لها الحق.
Sorry Comments are closed