كنت في الصين

سمير سعيفان14 أبريل 2020آخر تحديث :
كنت في الصين

في ربيع 2016 كنت في زيارة للصين بدعوة نظمها الحزب الشيوعي الصيني. وبما أن الصين تشغل العالم بالفيروس الذي انطلق من أراضيها، تذكرت هذه الانطباعات التي دونتها آنذاك.

في المطار دعايات لنفس السيارات التي ترى دعاياتها في أي مكان في العالم، بل رأيت في الصين كثافة دعايات أكثر مما رأيت في ميونيخ الألمانية. ومباني بكين وغيرها تشبه أي مبانٍ في العالم، وبكين في المجمل، وغيرها من مدن الصين، تشبه بقية عواصم العالم ومدنها، جزء تاريخي قديم يتم الحفاظ عليه، لما له من قيمة ثقافية، بينما يزال الباقي لتنتصب مكانه مدن حديثة لا تختلف عن بعضها وعن بقية مدن العالم الحديثة في شيء تقريباً. نفس الماركات ونفس المطاعم ونفس الدعايات مصاغة بنفس الطريقة تتشابه مع بقية مدن العالم.

في الشارع وفي الأسواق والمكاتب لا ترى وجوهاً أجنبية. وهي صورة نقيضة لما تعرفه في الخليج حيث الوجوه الأجنبية هي المسيطرة.

معظم السيارات التي تسير في شوارع مدنهم هي من ماركات عالمية معروفة، ولكنها صنعت في الصين (تويوتا – نيسان – فولكس فاجن – أودي – لوكزس – رانج روفر وغيرها)، ومن الملفت للنظر كمية سيارات الدفع الرباعي التي تقارب نسبتها في شوارع الخليج مما يشير لنزعة استهلاكية مرتفعة عند الفئات الغنية الصينية، فحداثة نعمة الأغنياء الجدد تنعكس شراهة في الاستهلاك يتناقض كلياً مع وجود فئات واسعة تعيش على أقل من الكفاف في مناخات من الفوارق الطبقية التي تتسع وتتسع.

المولات في الصين تشبه أي مول في العالم، بنفس الماركات ونفس طريقة العرض ونفس البضائع ونفس المقاهي والمطاعم، وأسعارها أصبحت تعادل الأسعار في الدوحة وربما تتفوق عليها.

الشقق في الصين مرتفعة الثمن ويصل سعر المتر المربع في وسط بكين الى 15 ألف دولار أمريكي وفي أطراف بكين يهبط الى ثلاثة آلاف. الشباب يشترون الشقق والسيارات مرتفعة الثمن بقروض من البنوك على النمط الغربي.

المرأة الصينية في المدن منطلقة واثقة بنفسها، تعمل كما الرجل، ومشاركتها مميزة، وهي في كل مكان في الأسواق، بل غالبية من يعملن في المحلات التجارية والمطاعم هن نساء.

في عصر العولمة، يرتدي الصينيون ذات اللباس العصري، فلا ترى الزي التقليدي الصيني في الشارع كما الهند، و تراه فقط في الأعمال الفنية أو المهرجانات، لقد رمت الصين خلفها كل الإرث القديم وأعدت نفسها للمجتمع الحديث، وهي تختلف كثيراً عن الهند التي مازال إرثها يرهق مسيرتها، ولكن لم تمتلك الصين بعد قيم المجتمع الحديث، ولكنهم يتكلمون “صيني” ويكتبون فيها وثقافة طعامهم مختلفة.

مازالت شطارات تاجر الدكان في العصور الوسطى تطغى على أسواقهم الشعبية. إذ تجد نفسك وكأنك في حلب يعرضون عليك السلع بعشرة أمثال سعرها وعليك أن تبدأ بخمسة في المئة مما طلبوا ولا ترتفع عن عشرة بالمئة.

سائقو التكسي اعتادوا على خداع الأجانب وتحصيل أجور أعلى من التسعيرة. ثمة سرقة في الشوارع ويحذرك مضيفك دائماً من أجل اشيائك الثمينة. وأن لا تسير في الليل وحدك.

يردد الصينيون الحكمة الصينية: ليس من الضروري للناس أن يرتدوا أحذية موحد ، وليس من الضروري للدول أن تتخذ نظاماً واحداً ولاتستطيع أن تتطلع لجميع الزهور أن تكون بنفسجاً). ولا يوجد نموذج عالمي واحد مناسب للتنمية في كل العالم ولا يوجد طريق ثابت لا يتغير للتنمية، وعلينا احترام حقوق كل منا في الاختيار المستقل للنظام الاجتماعي وطريق التنمية.

لكن الصين اتبعت ذات النظام الاجتماعي وذات طريق التنمية الغربي (اقتصاد السوق الرأسمالي بقيادة الحزب الشيوعي) وارتدت نفس الحذاء الموحد. ولكنهم أطلقوا عليه تسمية صينية (اشتراكية السوق)
يدافعون عن سياسات العولمة وعن التجارة الحرة ولكن بتسميات مختلفة (ترامب ينقلب ضد العولمة)، ويهتمون بمشروعهم الاستراتيجي العولمي بامتياز (الحزام والطريق)، ويهتمون بجعل عملتهم عملة عالمية صعبة منافسة للدولار الأمريكي لجني أرباح كبيرة من ذلك.

يرددون بأنه يجب تركيز القوة على الأعمال الإعلامية والأعمال الدبلوماسية العامة والشعبية والتبادلات لمنح الدراسة والأكاديمية والعلمية والسياحة، وننشر صوت الصين، ونربط حلم الصين بآمال شعوب مختلف الدول المجاورة.

في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الذي عقد في تشرين الأول 2018 وضعوا هدفًا استراتيجيًا وهو أن يكونوا القوة الأولى في العالم، وأن يحكموا سيطرتهم كلياً سنة 2050، ولكنهم لا يبرزون هذا في إعلامهم كثيراً.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل