لطالما سمعنا من الصحف العالمية والمحللين السياسين، اقتراب حدوث حرب عالمية ثالثة، بين أقطاب القوى العظمى أميركا – الصين – روسيا – كوريا الشمالية، لدرجة أن مجلة ناشيونال إنترست الأميركية، قد توقعت حدوث شرارة اندلاع هذه الحرب في خمسة أماكن وصنفتها بالمناطق الحامية.
إلاَّ أن المفاجأة إن الحرب قد أعلنت دون سابق إنذار، من جيش غير متوقع وضد كل هذه القوة العظمى دفعة واحدة ، دون أي تحالفات مع جيوش أخرى.
هذا الجيش لايملك سلاح الردع النووي، ولايملك الأسلحة المتطورة والطائرات الحربية الحديثة، ولا الدبابات المدرعة، ولا مسيرات الدرون المرعبة، ولا الروبوتات الذكية، ولا الأقمار الصناعية التي ترصد كل شيء، ولاحتى أجهزة مخابرات لجمع المعلومات.
جيش تعداد جنوده المليارات، هو ضعيف لدرجة أنه لايرى بالعين المجردة وقوي جداً بنفس الوقت لثقته بنفسه بتحدي أكبر القوة العالمية.
يملك من الوقاحة أو قوة العين كما تسمى باللهجة العامية، ما لا يملكه أحد لدرجة أنه لا يخشى أو يأخذ بعين الاعتبار ، هيبة وسلطة الولايات المتحدة الأميركية، صاحبة القوة الأولى عالمياً والمتحكمة باقتصاد ملايين البشر حول العالم، ولا جهاز مخابراتها الأقوى سي آي أي.
لا يأبه بصواريخ روسيا الاتحادية العابرة للقارات، ولا بأسلحتها النووية ولا طائراتها الحديثة، التي جربتها على الشعب السوري وحولت أرضه حقلاً للتجارب، لتزيد بعدها سعر هذه الأسلحة، وتعقد عشرات الصفقات، بمليارات الدولارات، بعد أن أثبتت فعالية أسلحتها، بقتل وتهجير السوريين، وتدمير منازلهم فوق رأسهم.
ولا يقيم وزنا، للأنظمة الاستبدادية والدكتتورية في كوريا الشمالية والصين، حيث ضرب بعرض الحائط غطرسة وعناد كيم جونغ أون حاكم كوريا الشمالية، وأرعب ذكاء صانعي الروبوتات في الصين، ذات اللون الواحد الشمولي الظالم.
الكورونا كوفيد 19، الاسم الذي أطلقه العالم على هذا الجيش الجبار، الذي اجتاح أغلب دول العالم وتجرأ على اجتياز جميع الخطوط الحمراء، وتسبب بمجازر وقتل آلاف البشر وأصاب مليون إنسان وما زال مستمراً بمجازره يومياً.
لأول مرة في التاريخ تتوقف أغلب دول العالم عن العمل، بجميع قطاعاتها تغلق المدارس والجامعات، ودور العبادة والأسواق والشركات، تتوقف المطارات، تغلق الحدود، ويلتزم مئات الملايين من البشر في البيوت، خشية من هذا الجيش الذي لا يفرق بين طبقات المجتمع، تلك المعايير التي يتمايز من خلالها الناس، بلونهم ومالهم أو حسبهم ونسبهم.
هذا الجيش أجبر العالم على التوحد اليوم، وجعلهم جميعاً طبقة واحدة ضعيفة عاجزة على الوقوف أمامه، رغم التطور التكنولوجي والطبي الذي وصلت إليه البشرية، لعلها إحدى فوائد هذا الجيش وحسناته.
من صفات هذا الجيش أيضاً، أنه عاطفي جداً وذو حساسية مفرطة في ذات الوقت. حيث لوحظ خلال الاحصائيات التي يقدمها الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية، أن هذا الجيش راعى الشعوب الفقيرة المعدمة ذات الثروات الغنية المنهوبة، من دول احتلال أو استبداد حكًامها.
رأف هذا الجيش بالمناطق التي تحاصرها عدة دول، مثل إدلب والتي تؤوي أربعة ملايين إنسان، ومحاصرة من قبل (روسيا _ وإيران _ وعصابات حزب الله بالاضافة لجيش عصابات الأسد) ولربما هرب (طفش) من شعب هذه المنطقة، حين رأى بأنهم اعتادوا على استنشاق كيماوي الأسد، الذي هو أقوى منه، ورائحة التي إن تي السامة المنبعثة من جراء انفجار صواريخ الطائرات والقذائف، وانعدام الحياة الصحية لدى مئات الآلاف لساكني المخيمات ، وتأقلمهم مع زمهرير الشتاء وحر الصيف الشديد ، مما أكسبهم مناعة قوية جداً.
أيضاً من ضمن استثناء هذا الجيش، قطاع غزة الذي يحوي مليوني إنسان والمحاصر من اسرائيل وأميركا بدعم جميع دول العالم . حيث لم تسجل حتى اللحظة أي إصابة في إدلب وغزة.
هل تعاطف هذا الجيش مع تلك المناطق على وجه التحديد ، لضعف شعبها وتهالكه من ظلم الدول العظمى؟ أم مناصرة لهم؟
ماقبل جيش الكورونا ليس كبعده هكذا يقول الكثيرون، لا أحد يعلم متى ستنتهي هذه الجائحة، وإلى متى سيستمر الحجر ،يعيش اليوم العالم في حالة تبعاد اجتماعي، وعزلة منذ شهر تقريباً خوفاً من الإصابة بفايروس كورونا.
الضغط النفسي الهائل دفع الكثير من الأشخاص لملء الوقت بمتابعة الأفلام أو ألعاب الفيديو أو القراءة وعدة نشاطات أخرى كوسيلة لتخفيف التوتر و التململ من تقييد الحركة وتوقف الأعمال، حيث لم يعتد العالم على مثل هذا السجن.
سيزول حتماً هذا الجيش، وستنتهي حرب الكورونا مخلفة وراءها آلاف الضحايا، بسبب الفايروس وآلاف آخرون كحالات نفسية تحتاج للعلاج، نتيجة ضغط الحجر والخوف، وستبقى هذه الجائحة التحدي الذي أوقف البشرية، في عصر التطور و التكنولوجيا والتقدم العلمي، ولكن هل سيعيد العالم ترتيب مفاهيمه، ويقمع ميزان تصنيف الشعوب الذي وحدها الفايروس في ميزان العجز والضعف؟ وهل سيدرك مدى صعوبة الحصار والعزل الاجتماعي، ويتداعى لنصرة إدلب وغزة؟
Sorry Comments are closed