تسع سنوات والسوريون ينتظرون حرباً عالمية، أو جرماً سماوياً يضرب الأرض، ينتظرون أية معجزة أو أي أمر خارق للعادة، لعله يكون سبباً في إيقاف المذبحة والمأساة، والتي لم تتوقف يوماً ورحاها تدور على رقابهم لوحدهم، بعد أن يأسوا من البشرية التي أدارت لهم ظهرها، وتركتهم عزل في العراء يواجهون الموت والجوع والتشرد والحر والصقيع.
لكن الغريب والعجيب في توقيت ظهور فيروس كورونا، لقد تأخر كثيراً، حسب أمنيات السوريين، فقد جاء بعد أن وصل السوريون إلى حافة اليأس الأخير، والذي جعلهم يركنون ويرضون بالاتفاق الروسي التركي والذي بموجبه ضمن لهم بقايا خيام في رقعة جغرافية ضيقة جداً. فكيف تعامل السوريون مع “كورونا”؟
لم يلق الشعب السوري في الشمال المحرر أي بال أو اهتمام لفيروس كورونا، بينما العالم بشرقه وغربه منشغل وعلى مدار الساعة به. وهذا أمر طبيعي، فالموت اليومي والآلام الأكثر من قاسية التي عانى منها السوريون على مدار تسع سنوات، جعلت مثل هكذا حدث لا يشكل شيئاً أمام حجم موتهم وفظاعة ألمهم.
وفي الجهة المقابلة لم يعر النظام أيضا أي بال، بل لم يعترف بوجود أي حالة إصابة بالفيروس، رغم التسريبات التي تؤكد تفشي الفيروس بين حاضنته، ورغم صلاته الوثيقة والكبيرة مع إيران، والتي تعتبر من أهم مناطق الوباء في العالم.
ومن المضحك أن وزير الصحة للنظام السوري يقول إن جيش النظام قضى على الفيروس، كيف لا؟ والنظام حسب مزاعمه الكاذبة فإن جيشه انتصر على مؤامرة كونية أحاطت به، فمن المعيب أن ينهزم أمام فيروس حسب ما يراه، وكأن النظام الذي يحتفل فوق قشرة هشة بانتصاره المزعوم، يدرك ويعترف بمدى الهزيمة التي مني بها من داخله، من أجل ذلك هو لا يعترف بأي هزيمة نتيجة الوضع المنخور والهش الذي يعيشه، وهو يرقص “على شفا جرف هار”.
أضف إلى أن النظام لا يبالي أساساً إذا ما تفشى المرض أو قتل السوريون، وهو الذي فرط أساساً بسوريا وشعبها في سبيل عرش سلطته، ولم يرف له جفن. و ذلك لأن تجميد الحياة، قد يسبب له ثورة جياع بعد أن أسكتها من خلال حملته الأخيرة على إدلب، والأهم من ذلك الوضع في القطاع العسكري، فأي إجراء قد يكون مغامرة كبيرة وتسبب له انتكاسة لا يعرف مدى تأثيرها.
لكن الاحتمال الأهم -الذي يخافه و يخشاه- هو انشغال العالم بشكل عام والدول الداعمة له بشكل خاص بالفيروس مما قد يسبب له انتكاسة سريعة وغير متوقعة.
لكن بالنسبة لهذه النقطة؛ أليس الإتفاق الروسي التركي يعتبر حماية وضماناً له في ظل هذه الإحتمالات وفي هذا التوقيت بالتحديد؟
وفي المقابل أيضاً ماذا لو تفشى المرض في الشمال المحرر؟ حيث الكثافة السكانية المرعبة، وحيث تنعدم أدنى مقومات الحياة، وخاصة الخدمات الصحية منها.
كل ذلك يجعل من “كورونا” سلاحاً ذو حدين سواء تجاه العالم بشكل عام، أو تجاه نظام الأسد بشكل خاص، وحتى تجاه ثورتنا المباركة، فالعالم بعد كورونا لن يكون مثل قبلها، حيث سيرفع أقواماً ويخفض أقواماً.
نسأل الله الخير لثورتنا ولشعبنا ولكل الشعوب المظلومة، وأن يسلطه على رقاب المجرمين والظلمة في كل مكان…
عذراً التعليقات مغلقة