كوفيد19 الفيروس الذي بتقدير منظمة الصحة العالمية لا يتعدى تأثيره القاتل حتى اللحظة الأرقام التي يموت فيها البشر سنويا بأمراض مختلفة كالإنفلونزا أو السكري، سبب هلع غير مسبوق للعالم كله حتى قبل أن تعلنه منظمة الصحة العالمية وباء عالمياً، ودق ناقوس الخطر على كافة المستويات السياسية والإقتصادية والرياضية في العالم وانتشر الذعر بين أغلب شرائح المجتمع خوفاً من الموت وهو خوف بديهي ومفهوم، ولكن لماذا كانت حالات الهلع جماعية لدرجة أن يقوم الناس بتخزين المواد الغذائية ويتسابقون على تفريغ مخازن المواد الغذائية بشكل يثير الدهشة؟
دور وسائل الإعلام
كانت تلك الصور القادمة من مدينة ووهان الصينية البؤرة الرئيسية لاكتشاف الفيروس الذي أطلق عليه إسم كورونا صادمة، وذهل العالم من إجراءات الحجر الجماعي على أكثر من مئة مليون إنسان وتوارد بعض التقارير الإخبارية عن معاملة غير إنسانية للمرضى وفرض إجراءات بالغة الصعوبة تمنع التنقل والخروج من المنزل فيما يشبه السجن الكبير.
وسائل التواصل الإجتماعي والأخبار المزيفة
في غياب الكثير من المعلومات العلمية المحيطة بالفيروس في البداية ترك الباب واسعاً لتداول الكثير من الإشاعات والمعلومات الخاطئة عن حجم الإصابات وطريقة العدوى وخطورتها وبدأت تنتقل مخاوف الناس من المجهول على شكل معلومات وحقائق زائفة زادت من حالة الهلع الراهنة.
كورونا والعنصرية
تجاهل أغلب المواطنين في كثير من دول العالم نصائح حكوماتهم لاحتواء الفيروس، وظنوا أن الحجر الذي قامت به الصين على مواطنيها سيحميهم في بلادهم البعيدة، واكتفوا بالابتعاد عن أي شخص صيني ليكونوا في أمان حتى لو كان هؤلاء الأشخاص لايعرفون شيئاً عن الصين أو لم يزوروا الصين ولا مرة، يكفي أن لهم ملامح آسيوية جعلتهم عرضة للتنمر بسبب كورونا، ورصدت وسائل الإعلام هذه التصرفات وانطلقت بعض الحملات الإعلامية على وسائل التواصل الأجتماعي للتضامن معهم تحت وسم “أنا لست فيروس”.
لماذا نجحت بعض الدول في الحد من انتشار كورونا وفشلت دول أخرى؟
أصيب العالم بالدهشة من تفشي كورونا في إيطاليا، وهي دولة أوروبية متطورة من البديهي أنها تمتلك كل الأدوات والخبرات اللازمة للتعامل مع الأزمات الطارئة قياسيا بإيران مثلا، ولكنهم فشلوا تماماً وخرج الوضع عن السيطرة وكانت الدولة الأولى في العالم التي تجبر مواطنيها بشكل كامل على الحجر الصحي بعد أن تصدرت الدول في عدد الإصابات والوفيات بعد الصين، وكان مثيراً للدهشة والتساؤل في آن واحد لماذا أعلنت الصين عن نجاحها في مكافحة كورونا في ووهان المكان الذي ظهر فيه الفيروس لأول مرة، في حين أصبحت أوروبا هي البؤرة الجديدة لتفشي الفيروس في العالم.
هل دفع العالم الحر ثمن حريته الفردية؟
عندما نراقب أعداد الإصابات اليومية المتزايدة في أوروبا لا يمكننا أن نخفي تساؤلنا عن بطء الإجراءات الوقائية في القارة العجوز، هل يعود السبب لنقص في الإمكانات؟ بالطبع لا، ولكن في سرعة اتخاذ القرار الذي سيحد من تنقل السكان هو خط أحمر من الصعب مناقشته هناك لذلك نلاحظ أن إيطاليا حتى الآن هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي استطاعت أن تتخذ قراراً صارماً في تحديد الأولويات “النجاة أولا” في حين هناك بعض الدول الأوروبية الأخرى ما زالت تدرس خطط إيقاف التعليم في المدارس أو منع التجمعات والنشاطات غير مدركة لحجم الكارثة الصحية القادمة، فهل يحق للحكومات أن تنفذ خططاً وقائية تصب في الصالح العام وتحد من الحرية الفردية؟ أظن أن كورونا فتح باب النقاش والجدل وسيخلق معطيات جديدة حتى على المستوى الاجتماعي والسياسي.
من الفائز في سباق كورونا المال أم الإنسان؟
ظننت بالبداية أن كورونا لم يخرج من عباءة الرأسمالية يحمي الأطفال والشباب المنتجين ويتخلص من كبار السن ولكن عندما بدأ بالتوجه لجميع شرائح المجتمع، مسؤولون في أعلى الهرم السياسي وصناع قرار ومشاهير، والصور القادمة من عواصم العالم وخصوصاً الدول التي تشتهر بالسياحة مع تحليق طائرات فارغة بدون ركاب لأول مرة في التاريخ وانخفاض أسعار النفط وتراجع الاقتصاد المحلي للكثير من الدول المتضررة على رأسها الصين وإيطاليا وربما ألمانيا كما تنبأت ميركل في خطابها الأخير والكثير من الدول في وقت لاحق، يظهر أن كورونا استطاع التفوق على المال وصانعيه، ووضعهم هذه المرة في سلة واحدة مع الضعفاء والفقراء وليس كما يحدث في العادة في الحروب أو المجاعات، لهذا صانعو القرار يريدون نجاتهم بالمقدمة وهنا لأول مرة يكون القرار في صالح الإنسان على حساب الرأسمالية المتوحشة التي فضلت رأس المال على كل شيئ في الحياة ، ربما سيكون هناك تاريخ جديد “ما قبل كورونا ليس كما بعده”.
Sorry Comments are closed