حرية برس:
تحدث زعيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة، سابقاً) أبو محمد الجولاني في مقابلة أجرتها معه “مجموعة الأزمات” عن نشأة تنظيمه ومستقبله وعلاقته مع التنظيمات الجهادية الأخرى. وكان اللافت في حديث زعيم التنظيم اعترافه بارتكاب أخطاء في البغي على فصائل الثوار والتضييق على المنظمات الإنسانية، وتقديم تنظيمه على أنه مجموعة محلية لا شأن لها بالجهاد العالمي، وتصويره كصمام أمان في وجه الحركات الجهادية.
تحدث الجولاني عن ظروف نشأة تنظيمه، وقال إنه بعد مبايعة تنظيم القاعدة تعهد بألا يستخدم سوريا كمنصة إطلاق للعمليات الخارجية وألا يسمح للآخرين باستخدامه لهذا الغرض، “لقد أوضحت أننا سنركز بشكل حصري على كفاحنا ضد النظام السوري وحلفائه داخل سوريا، وليس خارجها”.
وقال إن “الهيئة” تقدم نفسها اليوم كمجموعة محلية، مستقلة عن سلسلة قيادة تنظيم القاعدة، مع أجندة سورية بحتة غير عابرة للحدود.
وعن قضاء تنظيمه على العديد من فصائل الجيش الحر والمعارضة، قال “لقد استخدمنا القوة في الماضي ضد الفصائل التي اعتبرناها إشكالية، نحن بحاجة إلى التحدث إلى المعارضة. ندرك أننا لا نستطيع أن نحكم إدلب بمفردنا، نعم، مثل معظم الحركات في وقت الحرب، ارتكبنا أخطاء، لكننا نحاول إصلاحها الآن”.
ومضى قائلاً “لقد تغيرت سياستنا تجاه المنظمات غير الحكومية. نحن على استعداد لتسهيل عمل أي منظمة ترغب في العودة إلى العمل في إدلب، ونتعهد بعدم التدخل بعملهم، سنتصالح مع أي منظمة واجهناها في الماضي إذا كانت مستعدة لمساعدة الناس هنا”.
وعن علاقة تنظيمه بالفصائل الجهادية الأخرى، قال إن العلاقة مع تنظيم “حراس الدين” هي “علاقة معقدة”، لكن تم إلزامهم بعدم استخدام سوريا كـ”منصة انطلاق للجهاد الخارجي”، والاعتراف بـ”حكومة الإنقاذ”، أما بخصوص “الحزب التركستاني الإسلامي” في سوريا، قال: منذ سبع سنوات ولم يشكلوا أي تهديد للعالم الخارجي، إنهم ملتزمون فقط بالدفاع عن إدلب ضد عدوان النظام بوصفهم اليوغور، فإنهم يواجهون الاضطهاد في الصين، وليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، لذلك هم “مرحب بهم هنا طالما أنهم يلتزمون بقواعدنا، وهو ما يفعلونه”.
وعن مشروع تنظيمه وقابليته للاستمرار، قال الجولاني “الهيئة مشروع تم بناؤه في الظروف الحالية ولن يستمر إلى الأبد ولا نملك خطة طويلة الأمد محددة مسبقاً لأنه لا أحد يعلم ما سيحدث في الأشهر الثلاثة المقبلة، أي المناطق ستكون تحت سيطرتنا، وكم عدد النازحين الذين سيتعين علينا العناية بهم، وما الذي ستفعله تركيا أو ما إذا كان الأمريكيون سيبقون في سوريا”.
مؤشرات ورسائل
رأى الأكاديمي والكاتب السوري عبد الرحمن الحاج أن مقابلة الجولاني مع جهة بحثية وإعلامية غير سورية تعطي مؤشرا للاستعداد لتغيير الموقف من الجولاني وتنظيمه المصنف إرهابيا. وأن الجولاني ظهر بمظهر “السياسي الواقعي” الذي يقوم دوما بمراجعة ذاتية والتعامل العقلاني مع الوقائع.
واعتبر الحاج في سلسلة تغريدات عبر تويتر أن منظمة الأزمات الدولية تريد اختبار تسويق الجولاني وقد أدلى الأخير بما يقتضيه لتحقيق ذلك: حيث اعترف بانتهاكاته ضد فصائل الجيش الحر والقوى العسكرية الوطنية، واعترف بانتهاكاته ضد المنظمات المدنية، وأكد أنها كانت أخطاء ولن تتكرر مستقبلا، وأكد أنه تنظيم وطني ثوري تخلى عن الآيديولوجية السياسية/الدينية القاعدية أو العابرة للحدود وأن إعلان انتمائه للقاعدة كان ظرفيا لمواجهة خطر أبو بكر البغدادي.
ورأى الحاج أن الجولاني أكد في مقابلته على الدور الذي يلعبه تنظيمه في حماية ادلب من داعش (بما يعني أنه يمكن الاعتماد عليه في ذلك مستقبلا)، وأكد على أنه صمام الأمان لكبح التنظيمات الجهادية القاعدية والمقاتلين الأجانب عن أية عمليات خارج الحدود السورية أو تستهدف غير نظام الأسد وحلفائه.
واختتم الأكاديمي السوري بالقول إنه يشك أن الجولاني، الذي ظهر أكثر اعتدالا “بكثير” مما نعرفه عنه في 2012، أجرى تحولات عدة للتنظيم لمواجهة الضغوط الدولية كأي أمير حرب تقليدي يلعب على التناقضات ويبحث عن فرص للنجاة وهو الآن في ذروة الضغط الذي يواجهه مع دخول القوات التركية بهذا الحجم الهائل في إدلب، وهو وضع يعني أن التنظيم بات مهددا بالتفكيك. ولتجنب هذا المصير يسعى الجولاني إلى إعادة تعريف نفسه وتقديم التنظيم للمجتمع الدولي كقوة محلية مفيدة للغاية يمكن التعويل عليها لمواجهة التطرف في إدلب ومنع أي عمليات إرهابية انطلاقا من سوريا وهذا أقرب إلى عرض التعاون الأمني مع الاستخبارات الدولية!
تقديم خدمات طبعا