هل تصلح الحرب التركية ما أفسده خفض التصعيد؟

فادي الأصمعي21 فبراير 2020Last Update :
هل تصلح الحرب التركية ما أفسده خفض التصعيد؟

قبلَ شهور ليست بالبعيدة كان اتفاق سوتشي، وقبلَه أستانة جريمةً لا تغتفر من قبل السّوريين الأحرار الذين اعتبروا هذا الاتفاق القشّة التي قصمت ظهرَ الثّورة في الشّمال السّوري، حتى أولئك الموالون لسياسةِ إردوغان من السّوريين الذين وَجدوا تركيا البلد الأكثر أمناً وضيافةً، مقارنةً بأغلب البلاد العربية التي أوصدت أبوابَها أمام موجات النزوح الكبيرة، وجدوا في هذا الاتفاق كارثةً بحقّ الدّماء التي قُدّمت في سبيل الحريّة والخلاص من الظلم والاستبداد، فكيفَ تكون القشة التي قسمت ظهر السوريين وثورتهم هي ذاتها اليوم قشة الغريق التي يراها السّوريون أنفسهم خلاصهم الوحيد وضوء نفقهم المظلم، ولو كان خافتاً!؟

يرى المحاصَرون في إدلب شمالي سوريا في العمل العسكري التركي قشّة خلاصهم، على مبدأ “الغريق يتعلق بقشة”، فالاتفاق الذي كان جريمةً فيما قبل شهور” اتفاق سوتشي” أصبح تنفيذه اليوم عملاً بطولياً، وأكبر الطموحات، بفضل الخطابات الرنّانة والتي لا تخرج عن كونها تنفيذاً حرفياً لذات الاتفاق الذي قضى بتسليم جنوب إدلب، بدءاً من منطقة التصعيد الرابعة وصولاً لفتح الطرق الدولية بإدارة روسيّة، فهل تُصلحُ الحرب التركية ما أفسده خفض التصعيد الذي تمَّ بموافقتها أساساً!؟

دأب “الأردوغانيون” على تخفيف وطأة الاتفاق الروسي التركي في سوتشي أيلول 2018، ووضعت السوريين تحت سياسة الأمر الواقع! فأنشأت منطقة معزولة السلاح على حساب المناطق المحررة، وتعهدت بإخراج المجموعات المتطرفة من ضمنها هيئة تحرير الشام، إلا أنّها أبقت على هذه الأخيرة كورقة ضغط لكنها سرعان ما تلاشت أمام زحف قوات النظام مدموعة من سلاح الجو الروسي، التي اعتمدت سياسة الأرض المحروقة، فأنقرة التي لا تزال ترى أن اتفاق سوتشي قائم، لكنه تعرض للضرر بحسب مولود جاويش أوغلو تسعى جاهدةً إلى الخروج من مأزقها هذا بأقلّ الخسائر، سيما وأن سمعة مؤسستها العسكرية أصبحت على المحك!

حربٌ على هيئة ” إعادة التوازن” في المفاوضات التركية- الروسيّة، ولا أعتقد أن تكون مؤشراً لمواجهة تركية روسية، فالخطاب المرن لا زال موجوداً رغم الرسائل المبطنة التي ترسلها موسكو عبر الاستفزازات المتكررة بين الفينة والأخرى، ورغم تصريحات الناتو الأخيرة، ودور أمريكا في إغراق تركيا أكثر في مستنقع العمل العسكري.

حرب لا مشكلة فيها من زج عناصر من الجيش الحر، وبعض الجنود الأتراك، وتمهيد مدفعي لبعض البلدات التي سيطر عليها النظام مؤخراً “النيرب أنموذجاً”، فهذا من شأنه أن يبدي جديةَ أنقرة في توجهها إلى حربٍ في سبيل الحفاظ على أمنها القومي، بعد توالي دخول الأرتال والمدرعات، إلا أن الواقع أقرب إلى كونه موقف الضعيف الذي قُلبت عليه طاولة المفاوضات وذهبت روسيا وإيران إلى تنفيذ أطماعها ضاربين بعرض الحائط الاتفاق مع تركيا رغم التنازات التي قدمتها على حساب الدم السوري.

مشهدٌ يبدو أكثرَ تعقيداً ليس على إردوغان وحده، بل على السوريين المحاصرين، والمشردين في حيّزٍ جغرافيّ ضيقٍ، لا يرونَ أمامهم سوى الضوء القادم من الشّمال، معلقين آمالهم على حربٍ قد تكون أكثرَ فتكاً بهم “إن حدثت”، وتشريداً، في ظل انكفاء بعض المنظمات العاملة في الشَمال السوري، وازدياد المأساة الإنسانية هناك!

فلا يُلامُ على السّوريين اليوم ضياع بوصلتهم، أمام المشاهد التي تأتي من إدلب وريف حلب، فآلةُ الفتك الروسيّة وصلت لكل مكان، ودمّرت المرافق العامة، والمشافي، ودمرت الحياة بكلّ أشكالها!

على السوريين اليوم أن يدركوا جيداً أن تركيا لن تدخل حرباً مع روسيا لأن طفلاً سورياً قُتل، أو عائلة من ريف إدلب الجنوبي هُجرت وشُردت العراء، أو من أجل مليون نازحٍ جديد وصلوا إلى مخيمات القهر! وهي ذاتها التي جنّدتِ السوريين قبل أيام وأرسلت 600 مقاتل سوري من الفصائل الموالية لها في عفرين إلى ليبيا، وهي التي سمحت لطائرات الإحتلال الروسي الوصول إلى ترمانين، من خلال جملة من الاتفاقات المذلة من أستانا إلى سوتشي، تركيا تدفع ضريبة سياستها المتخبطة في الملف السّوري، تركيا التي قدّرت أن تستطيع بلع لقمتها الكبيرة هذه لكنّها غصّت بها!

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل