يجب أن يكون واضحا لجميع السوريين ما يجري خلف الكواليس وأمامها من دسائس ومؤامرات وما يكاد في دهاليز السياسة بشأن آخر معاقل الثورة السوري “إدلب” التي سميت ب”سورية الصغرى”.. الحضن الكبير الذي جمع آلاف السوريين المهجرين قسرا من قبل نظام الأسد تحت رعاية “الدول الضامن”، أبقتها الدول مفتوحة الأبواب أمام العاصفة، تتربص بها المؤامرات كضبع غدار بصورة الحمل الوديع، كغدر إخوة سيدنا يوسف برميه في بئر عميق، هكذا فعلت دول المجتمع الدول عامة والدول الضامنة خاصاً.
ماذا سيكون مصير إدلب؟ وماذا سيكون مصير مايقارب 4 مليون نسمة بهذه البقعة الجغرافية التي تضيق عليهم؟ هل ستبقى النار الروسية تأكل أرضها حتى المناطق التي سيطرة عليها ما يدعى الضامن التركي؟ هل خرج هدف لتركيا أغنى وأدسم من سورية وهو ليبيا؟ إلى متى سنبقى ضحية مؤامرات خارجية؟
تسعى روسيا جاهدة لاستعادة كافة أراضي سورية التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد منذ 2012 حتى وصلت نسبتها ل80%، كما اعتبرت روسيا أن كل شخص يحمل السلاح ضد هذا النظام المجرم هو “إرهابي”، وسبق اعتبار روسيا هذا إعلان لأحد سفراء أمريكا قائلا” لن تتخلى روسيا عن بشار الأسد حتى يستعيد كامل الأراضي السورية” في إشارة منه لعدم كف يد روسيا دعمها لهذا النظام وعدم تدخل الدول ضد روسيا، لقد تدخلت روسيا بجميع انواع الدعم بداية باستخدام الفيتو في مجلس الأمن لعدة مرات وتزويد نظام الأسد بكافة أنواع الأسلحة وكان أشدها فتكاًَ في أيلول عام 2015 دخول سلاح الجو الروسي لقصف المدن السورية الثائرة وقتل المدنيين، وذلك بالتزامن مع خلقها مؤتمر ” استانة” الذي تم الاتفاق عليه مع روسيا وإيران لإيجاد مناطق خفض التصعيد، حيث كان ذلك الاتفاق الخنجر القاتل للثورة والكارثة الكبرى لها، الذي بموجبه بدأت روسيا بقضم المناطق المعارضة الثورية قضماً، مما أنتج كوارث لسوريين بدأ من الحملات العسكرية العنيفة وسقوط آلاف الشهداء وتطبيق سياسة الأرض المحروقة بكافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياََ ثم السيطرة عليها والتمركز بها وتهجير أهلها، شهدنا ذلك في جميع مناطق سورية المحررة من نظام الأسد، هذه اللعبة القذرة التي تسمى أستانة لخفض التصعيد كانت عبارة عن إخماد منطقة ليتم القضاء وتدمير والسيطرة على منطقة وتهجير ساكنيها ثم التفرغ لمنطقة أخرى وهكذا تكررت السيناريوهات ذاتها منذ نشوء أستانة، وكل هذا تحت رعاية ونظر الضامن التركي الذي جعل من إيران ضامن وهي قاتلة لشعب السوري، وتمكنت تركيا من ادخال إيران وتحويلها من دولة قاتلة ومجرمة ومحتلة هي وميليشياتها لدولة ضامنة لمناطق خفض التصعيد، لم يشهد التاريخ أقذر من هذا الاتفاق وانعدام الضمير، بفضل هذا الاتفاق استطاعت روسيا أن تسيطر على الكثير من الأراضي منها الجنوب السوري والغوطتين والقلمون وريف حمص وغيرها.
ما يجري في إدلب تحت مسمى خفض التصعيد هو ذات السيناريو المتكرر في المناطق السابقة والتي برز فيها تخاذل الدور التركي أكثر وتجلى واضحا، لِيُخرق هذا الاتفاق من جديد من قبل روسيا ونظام الأسد وتحتل مناطق جديدة، ثم تتوقف وتتمركز وتحكم السيطرة لتكون هذه المناطق مركز انطلاقها لاحتلال جديد لمناطق ثورية جديدة دفع السوريين ثمن تحريرها دماء زكية ودموع أمهات حرائر، كما شهدنا هذا منتصف 2019 بريف حماة الشمالي وخان شيخون وحاليا بجزجناز وللأسف سوف تشهد ذات المصير سراقب ومعرة النظام وجسر الشعور وغيرها، هذا هو هدف روسيا بحلمها السيطرة الكاملة على آخر معاقلها في الشرق الأوسط (سورية)، وكل ذلك وسط تخاذل رهيب خارجيا من المجتمع الدولي وداخليا من الفصائل التابعة لأجندات خارجية وأولها تركيا، التي تدعي أنها ضامنة مع روسيا وإيران عدوتا الشعب السوري، ولكن تركيا لم تفِ بوعودها التي قطعتها لشعب السوري وأمام المجتمع الدولي في مؤتمر استانة بل فعلت العكس فتحت الباب على مصرعيه لروسيا وكان المؤتمر خدعة لتوفي بوعدها لروسيا وإيران بدلا من الشعب السوري وذلك بمنعها حدوث أي عمليات عسكرية من قبل فصائل المعارضة ضد نظام الأسد وروسيا، بل أعطت أوامرها بعدم السماح لهم بالمشاركة في المعارك وعدم صد أي هجوم ضد هذه المناطق، يتضح المشهد هنا من الاتفاق الضمني مع روسيا، تركيا متواطئة مع روسيا وإيران لإبادة الشعب السوري ولم تكتفِ بالصمت أمام خروقات روسيا والنظام للاتفاق وعدم السماح للفصائل بصد الهجوم بل تريد أن تجعل من مايسمى”الجيش الوطني” الذي يقدر تعداده ب100 ألف بدعم من تركيا وتحت إشرافها ستحول بعضهم إلى مرتزقة تحمي مصالحها فقط حيث سمحت له بالمحاربة ضد الأكراد لأن قضية الأكراد تهمها وتهدد مصالحها ورغبة منها بجعل السوريين درع بشري بين تركيا والأكراد والاستفادة من نفط سورية التي تسعى مع الدول لأخذ نصيبها منه، لم تكتفي عند هذا القدر بل سوف ترسلهم للقتال في ليبيا والتخلي عن مهمتهم التي يجب أن تكون مهمتهم الأساسية وهي حماية الأراضي السورية من بشار الأسد وميليشياته الايرانية وروسيا مهمته حماية الدين والعرض والأرض وحفظ دماء الشهداء التي سالت لتحرير هذه الأرض والعيش بكرامة لا أن يكونوا مرتزقة عند تركيا أو غيرها أليس حماية السوريين النازحيين العالقين على الحدود السورية التركية الذين لم يحركوا ضمير تركيا ودول العالم أولا من حماية مصالح تركيا واطماعها بنفط ليبيا؟ أليس محاربة روسيا التي ارتكبت مجازر لاتعد ولاتحصى بحق الاطفال والنساء والمدنيين أولا من الارتهان لدولار؟
تعيدنا هذه المشاهد لما حدث في الجنوب السوري الذي كان ضمن اتفاق خفض التصعيد ليستفرد النظام وقتها بالغوطة الشرقية، وعدم سماح الدول لفصائله بنصرة أهالي الغوطة ثم بعد سقوطها وجب تطبيق السيناريو في الجنوب، حيث منعت دول مايدعى” غرفة الموك” الفصائل العسكرية القتال ضد نظام الأسد وأخبار قادات الفصائل قبل الحملة العسكرية آنذاك في شهر تموز/ يوليو عام 2018 من مخاطبتهم “الجنوب سوف يسلم ويجب عدم المقاومة”.
لماذا لا نعتبر ونصحو من غفلتنا هذه ونعيد سيرتها الأولى بعيدا عن مؤامرات هذا الدول بدءا من أميركا إلى تركيا وروسيا إلى جميع دول العالم التي لم ترغب بمساعدتنا يوما، لنعود كما بدأت الثورة بقلوب صافية وضمائر حية وتآخٍ وتراحم وننبذ ونطرد كل خائن ومتخاذل مع دول الخارج في صفوفنا. يبقى السؤال يتردد في ذهني وأخافه هل سنشهد سقوط آخر معاقل الثورة؟
عذراً التعليقات مغلقة