كان من المفترض ان أكون في موقع عملي يوم الجمعة الواقع في 6/12/2019 إلا أني قبل أن اغادر عملي ليوم الخميس طالبت أن يكون الجمعة يوم إجازة استثنائية طارئة علماً أني قد أنهيت كل إجازاتي المستحقة لهذا العام ولكن بنداء داخلي سارعت لطلب إجازتي تلك.
لم يخطر لي ولو للحظة واحدة بأنه لن يكون معنا ثانية في اجتماعاتنا القادمة كنا نتقصى أخباره الصحية لحطة بلحظة من خلال رفيقنا زكي الملازم له في حله وترحاله وكان يفيدنا بإن وضعه استقر وبدء بالتعافي ولكم كانت صدمتي كبيرة بل أن جميع أفكاري ومشاعري وكلماتي أصابها شللا وخدر عندما قرأت رسالة رفيقنا زكي التي تنعي الكبير أبو مطيع وتفيد بأنه انتقل إلى ذمة الخلود والسلام، أبو مطيع نعم إنه منصور الأتاسي الذي لطالما ذاع صيته واشتهر بأبو مطيع حتى عندما كنا نعرف به كنا نقول “أبو مطيع”، وهو الرفيق الذي سقطت عنه تلك السابقة للاسم رفيق بندائه مباشرة أبو مطيع أبو مطيع ذاك الإنسان العتيق عتيق بفكره عتيق بوعيه عتيق بمحبته وسمو روحه لجميع رفاقه وأصدقاءه.
لقائي الأول به كان هناك حيث مكتب الحزب الشيوعي السوري بحمص الكائن بحي جورة الشياح وكانت المناسبة ندوة فكرية ثقافية للتعريف بالديمقراطية كنت حينها في 18 من عمري وكان كبيرا يجلس بجانبي، الديمقراطية التي كانت في ذاك الزمان الشغل الشاغل لشيوعيي العالم تلك الديمقراطية التي أجج نارها وأشعل لهيبها عبر آلالاف الندوات والكتب والدراسات غورباتشوف هذه الديمقراطية كانت حالة جديدة على أحزاب وتنظيمات كانت تصر في كل دساتيرها على مركزية القرارات والأحكام هذه المركزية الفظة هي من جعلت أبو مطيع يرفضها بوعيه وفكره اللذان استقاهما من منابع ماركسية صحيحة وأصيلة رافضا تشويهها بالمراحل الستالينية وماتلاها.
وهو لذلك تنقل مابين فصائل مختلفة من فصائل الحزب الشيوعي وعندما أدرك باستحالة إحداث ثغرة لتغيير وفكفكة تحجر تلك الفصائل ونقلها إلى حالة وعي صحي وسليم عندها أسس بنفسه مع مجموعة من الرفاق الآخرين حالة فكرية نضالية جديدة وفقا لمفاهيم الديمقراطية المتجذرة أصلا بالفكر الماركسي التحليلي الديناميكي المتغير وفقا لتغيرات الظروف سواء كانت زمانية أو مكانية ومع انطلاق ثورة الشعب السوري تنفس أبو مطيع الصعداء وانطلق بها لأنها كانت الحالة الصحية التي لطالما حلم بها لسوريا وشعبها ولذلك اعتقل ومن ثم غادر سوريا وحمصاه مكرها فكانت له محطة بمصر ومن ثم تركيا التي توفي بها.
وفي هذا السياق وفي مهجره أسس مع رفاقه حزب اليسار الديمقراطي السوري وكان يصر على أن لاتكون الديمقراطية مجرد صفة جمالية لحزب سياسي بل عمل على أن تكون حالة أساسية ومنهج عمل للحزب كيف لا وهي في أدبيات فكره ووعيه ونضاله السياسي الطويل أبو مطيع كان يحلم بسوريا الديمقراطية الحرة الدولة المدنية التي تضم في جنباتها جميع أطياف الشعب السوري لذلك كان نضاله من أجل إسقاط النظام المجرم ولذلك كان يرفض ودائما بل ينادي ويطالب لمحاربة كل المحتلين لسوريا وأرضها على أن تبقى واحدة موحدة دون اختزال ولو سم واحد منها أبو مطيع وفي أحاديث كثيرة بيننا كان يقول لي قد لا أرى ذاك الحلم وقد تحقق وأنا حي لكن عندما اتحدث معكم أرى سوريا الجديدة بكم ومن خلالكم عليكم بمتابعة المشوار والنضال حتى تحقيق حلم الدولة الحرة
هذا ما أسعفني به قلمي وروح أبو مطيع تطل علينا لكتابته حول ذلك المناضل الكبير الذي آلمنا فراقه منصور الاتاسي أبو مطيع أيها الرفيق والصديق والمعلم لروحك الرحمة والسلام
عذراً التعليقات مغلقة