تمتد أصابع رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، والذي يُعرف بـ “طباخ بوتن”، إلى مجالات متعددة.
وصنع بريغوزين ثروته من خدمات إعداد وتقديم الطعام في تسعينيات القرن العشرين، وهو ما يفسر اللقب الذي أُطلق عليه. وانضم إلى الدائرة المقربة من بوتن في عام 2001، عندما بدأ الرئيس الروسي في التردد على مطعمه العائم الفاخر “نيو أيلاند” في سانت بطرسبيرغ.
وكحال سائر أفراد النخبة الحاكمة في روسيا، تشعبت أعمال بريغوزين، 58 عاما، وامتدت إلى مجالات مختلفة لتشمل شركات وهمية خارج البلاد، ويعيش حياة مرفهة.
لكن الحكومة الأمريكية تحاول قص أجنحة بريغوزين، فأدرجت أعماله على قائمة العقوبات بسبب الاشتباه في تورطه في التلاعب في الانتخابات الأمريكية.
كما تشير التحقيقات التي أجراها صحفيون غربيون ومراكز أبحاث إلى وجود روابط بين بريغوزين وشركة “فاغنر” التي تقدم خدمات الجنود المرتزقة، التي تعمل في سوريا وليبيا ومناطق الصراع في الصحراء الأفريقية لدعم الأطراف الموالية لروسيا ورعاية المصالح الروسية.
وأنكر بريغوزين كل الاتهامات الغربية، لكن مجالات أعماله ما زالت أمرا غامضا.
وبزغ نجمه في مدينة سانت بطرسبيرغ، التي ينحدر منها بوتن، لكنه لم يكن من الدائرة المقربة التي شاركت في تأسيس نادٍ ريفي يحمل اسم “أوزيرو”.
وعندما كان بريغوزين في العشرينات من عمره، قبل أن يبدأ في بيع النقانق ثم انطلاق أعماله في خدمات الطعام، سُجن لمدة تسع سنوات بتهمة السرقة والنصب.
لكن حقبة “العلاج بالصدمة” الرأسمالية التي سادت روسيا في تسعينيات القرن العشرين خلقت مجالات للكثير من فرص العمل للمجرمين، إذ كان بإمكانهم الاتصال بأصدقائهم للتخلص من المنافسين الشرسين.
وبقي بريغوزين في الظل لسنوات طويلة، لكن في عام 2011، ذكر في حوار مع صحيفة محلية في سانت بطرسبيرغ أنه كتب حكاية أطفال عن مجموعة من الأقزام يدافعون عن الملك ضد الأعداء.
كيف تدخل في الشأن الأمريكي؟
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن فرض عقوبات على بريغوزين في 30 سبتمبر/أيلول 2018، واتهمته بقيادة الجهود الروسية للتلاعب بانتخابات التجديد النصفي.
كما ظهر اسمه من قبل في القضية الشهيرة الخاصة بوكالة أبحاث الانترنت، التي تتخذ من سانت بطرسبيرغ كمركز لها وتقوم بإختلاق حسابات زائفة على مواقع التواصل الاجتماعي بغرض التأثير على الناخبين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وفق الرواية الأمريكية.
وأدرجت هيئة محلفين أمريكية كبرى في فبراير/ شباط 2018 بريغوزين، وشركته “كونكورد”، وشركائه في الأعمال، ووكالة أبحاث الإنترنت، ضمن الجهات المتهمة بالتدخل في الانتخابات.
ووجهت هذه له اتهامات أيضا في أعقاب صدور التقرير الذي أعده المستشار الأمريكي الخاص روبرت مولر، الذي كان يحقق في مزاعم محاولة روسيا دعم حملة دونالد ترامب الانتخابية.
ونفى بريغوزين هذه الاتهامات، وقال: “الأمريكيون يأخذون بالشبهات بشدة، فهم يرون ما يريدون أن يرونه. وأنا لست غاضباً من إدراج اسمي على القائمة. إذا أرادوا رؤية الشيطان، فليرونه”.
واستهدفت العقوبات الأخيرة بريغوزين، وعدداً من أصول أعماله، بسبب “محاولة التأثير” على انتخابات التجديد النصفي الأمريكية عام 2018.
ومرة أخرى، قالت الحكومة الأمريكية إن وكالة أبحاث الإنترنت استخدمت “شخصيات وهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ونشرت معلومات زائفة”. ولا يُرجح أن تكون هذه المحاولات قد أثرت على نتائج الانتخابات.
وتعتقد الولايات المتحدة أن بريغوزين يدعم هذه الوكالة ماديا عبر شركة كونكورد للخدمات الغذائية.
وتشمل العقوبات الأمريكية ثلاث طائرات خاصة ويختاً يرجح أن بريغوزين وأسرته وشركاؤه يستخدمونها، وهي مسجلة في جزر سيشل وكايمان، اللتان تعتبران ملاذات للتهرب الضريبي.
ويحظر على الشركات والمواطنين الأمريكيين التعامل مع بريغوزين أو تقديم خدمات لطائراته ويخته. وقالت الإدارة الأمريكية إن هذه الطائرات قامت بعدة رحلات إلى وجهات في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا خلال السنوات الأخيرة.
وقضت محكمة في موسكو مؤخرا بتغريم شركة كونكورد ودفع تعويضات لأولياء طلاب بسبب انتشار حالات تسمم غذائي.
وتقدم شركة بريغوزين وجبات لعدد من المدارس في موسكو، لكن في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصيب حوالي 130 من تلاميذ رياض الأطفال بالاسهال.
الفصل الأفريقي
وكشف فيسبوك ومتخصصون في علوم الإنترنت في جامعة ستانفورد عن وجود عمليات تأثير على الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي في أفريقيا، ويمكن ربطها بـ بريغوزين.
ففي 30 أكتوبر/ تشرين الأول، أعلن فيسبوك إيقاف ثلاث شبكات من حسابات الإنترنت الروسية، التي تهدف إلى التأثير على الأحداث في عدد من البلدان الأفريقية.
وقال إن النشاط “غير الموثوق” لهذه الحسابات الروسية كان متسترة بأسماء مواطنين محليين.
واستهدفت الشبكة الأولى دول مدغشقر، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وموزامبيق، والكونغو الديمقراطية، وساحل العاج، والكاميرون.
أما الشبكة الثانية فكانت تستهدف السودان، في حين ركزت الثالثة على ليبيا.
وكشف تحقيق أجرته بي بي سي أن ستة مرشحين على الأقل في الانتخابات الرئاسية في مدغشقر عام 2018 عُرضت عليهم أموال من مواطنين روس.
ونفى بريغوزين بدوره الاتهامات التي ذكرها فيسبوك، وقال إن عملاق الإعلام الأمريكي “يقود حملة علاقات عامة لصالح نفسه”.
ومنذ حوالي عام، أرسلت روسيا 175 مدربا عسكرياً إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، التي تواجه تمردا مسلحاً لمساعدة الجيش التابع للرئيس فوستين-أرشانغ تواديرا.
كما تشير تقارير إلى رصد أنشطة للمرتزقة التابعين لشركة فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث حصلت روسيا على صفقات للتنقيب عن الذهب والألماس. كما أن فرنسا، المستعمر القديم للبلاد، لها وجود عسكري على أراضيها.
وقتل ثلاثة صحفيين روس عام 2018، أثناء محاولة تقصي وجود رابط بين صفقات التعدين ومجموعات المرتزقة الروسية. ولم توجه اتهامات لأحد حتى الآن.
وكشف تحقيق أجرته شبكة سي إن إن عن صفقات تنقيب بين جمهورية أفريقيا الوسطى وشركة لوبايي إنفست الروسية التي يديرها يفغيني خودوتوف، أحد رجال الأعمال المحسوبين على شبكة علاقات بريغوزين.
لكن لوبايي إنفست اختفت فجأة، ونفى بريغوزين أي علاقة بها.
ويقوم جنود روس من شركة سيوا الأمنية بحماية رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى. وثمة شكوك أن سيوا إحدى شركات الواجهة لفاغنر.
واستضاف بوتن الشهر الماضي 43 من قادة أفريقيا في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود، في إشارة إلى طموح روسيا العالمي الجديد. ويحرص بوتن على إحياء الحقبة السوفيتية وعلاقاتها بالدول الأفريقية في مواجهة الغرب.
ماذا يفعل بريغوزين أيضا؟
ويرجح أن ما يربط بريغوزين بفاغنر هو أعماله كمتعهد غذائي للجيش، فقد فاز بصفقات إطعام للقوات المسلحة بفضل بوتن.
كما أن وزارة الخزانة الأمريكية أدرحت فاغنر على قائمة العقوبات، وقالت إنها “أرسلت جنودا للقتال بجانب الانفصاليين في شرق أوكرانيا.”
وأضافت أن بريغوزين لديه “تعاملات مالية متشعبة” مع وزارة الدفاع الروسية.
وجاء آخر مشروع لرجل الأعمال الروسي بالتنسيق مع أجندة بوتن، إذ يرأس حاليا مجموعة إعلامية موالية للكرملين تحمل اسم “الوطني”، وتقول إنها ستعمل على مواجهة الإعلام “المعادي لروسيا” الذي “لا يلاحظ الإيجابيات التي تحدث في البلاد”.
وتجمع هذه الشركة أربع مواقع إخبارية مقرها سانت بطرسبيرغ، هي وكالة “آر آي إي فان” للأنباء، ونارودني نوفوستي، وإيكونوميكا سيغودينيا، وبوليتيكا سيغودينيا.
ويرجح أن يتجاوز إجمالي عدد متابعي المواقع الأربعة عدد متابعي وكالة أنباء تاس المملوكة للدولة، وقناة آر تي الموالية للكرملين.
وقال بريغوزين إنه سعيد برئاسة مجلس أمناء “الوطنية”.
عذراً التعليقات مغلقة