كمية البقع السوداء التي تتلطخ بها سمعة أي حكومة في العالم تدل على حجم القذارة التي تعيشها هذه الحكومة، ولو عدنا إلى النظريات التي تناولت فساد الحكومات لرأينا أنها تدور في فلك واحد ودائما ثمة تياران مختلفان، الأول يرى أن المجتمع هو أساس الفساد أي أن فساد الحكومة هو بسبب فساد أفراد المجتمع، والثاني يقول إن الحكومة الفاسدة هي التي تنتج مجتمعا فاسدا.
وبغض النظر عن صحة أو خطأ هذه الأقوال فإن النتيجة واحدة، والأمر الذي لا بد من تسليط الضوء عليه هو تحول الفساد إلى ظاهرة اجتماعية مقبولة وأمرا لا مفر منه، وهذا ينطبق على جزء كبير من المجتمع السوري الذي عاش فترة زمنية طويلة تحت حكم مستبد يستأثر بكل المقدرات الهامة ويدفع بها إلى جيوب الخاصة.
ولو أننا عدنا إلى سير الأولين من الأمم الغابرة لوجدنا أن الفساد كان السبب في هلاكهم واندثار آثارهم، وهذا لا شك في أنه عقاب عام لم يفرق بين أقوام فاسدين وأقوام سكتوا عن فسادهم ورضوا به.
الحالة التي وصل إليها نظام الأسد أصبحت قاعدة عامة يتوارثها كل من تطال يده دفة القيادة، وصار من المبادئ الأساسية والعامة لهذا النظام البعثي الذي بني على جثث السوريين ومن شروط الحصول على أي مركز وظيفي كبير أو صغير أن يتعهد هذا الموظف ضمنيا بالاندماج التام في الجو المحيط به، أما من يحاول الخروج خارج السرب فلن يكون له نصيب من الرضا وسينزل به أشد أنواع العقاب.
نحن لا نقول إن هناك مجتمعا ملائكيا خالٍ من العيوب والأخطاء، ولكن ما يظهر من دراسات ونتائج أبحاث ومقالات لكثير من المؤسسات المختصة، وما نعرفه عن واقع حكومات الأسد وما عايشناه لا يترك مجالا للشك بمصداقية الإحصائيات التي تصنف سوريا بأكثر الدول فسادا. الأغرب من ذلك هو غياب المحاسبة رغم وجود كمية كافية من الملفات التي لا شك فيها، ولكن إذا كان الفساد قد استشرى في كافة مفاصل الدولة فمن سيحاسب من؟
وحتى الآن لم يحدث أن خرج أحد المسؤولين إلى العلن ونفى ما ينسب إليه من تهم ما يؤكد نفي المصداقية بشكل مسبق، بالإضافة إلى براعة النظام السوري في تلفيق التهم الخشنة الكافية بتشويه صورة أي شخص، ولذا فإنه لن يكون هناك أي جدوى في المراوغة ودفع التهم.
وفي النهاية يمكن أن نقول إن أوسمة الشرف الوهمية التي يعلقها نظام الأسد لم تعد ظاهرة بين كمية القذارة والعيوب والفساد والرذيلة، وأصبح صعبا إصلاح هذا الواقع وهذا ما يدفعنا للتفكير بانتظار عقاب إلهي لعدم براءة أحد منا من المشاركة في خلق هذا المستنقع القذر.
عذراً التعليقات مغلقة