الخيال أحياناً أقصر من تصوُّر نهاية للحدث، والمعطيات مهما كانت وافرة إلا أنَّ فيها المُخادِع والمموِّه والمفاجئ… في المقابل، النهايات أغلبها أبسط من الخيال.
المفاجأة عنصر أساسيّ في تكوين النهاية، والنهاية المجرَّدة من هذا العنصر ليست نهاية مكتملة بمعناها؛ ربَّما نستطيع إدراجها في خانة المآلات أو النتائج الموصوفة.
في الواقع، لا يستطيع الحالم هضم فكرة “النهاية”، فـ “النهاية” تتضمَّنُ إهانة للحُلم. لا بدَّ من استمرار، “النهاية” دمار مهما كانت عظيمة. تعبير “النهاية المشرِّفة” تعبير مراوِغ.
كلُّ منتهٍ ناقص.
الطريق المنتهي ليس طريقاً؛ تتيح لي لغتي أن أسمّيه درباً.
الحبُّ الحقيقي لا ينتهي، هذا ما عرفناه في قصص الحبّ الخالدة. هو مثل الأزل والأبد.
الكلام لا ينتهي / الصمت ينتهي.
الرغبة المنتهية ليست رغبة كاملة، هي نزوة. فعل “رَغِب” ذاته يحمل المعنيين الضدَّين: رغب به ≠ رَغِب عنه، في المعنيين يرفض هذا الفعل أن يكون منتهياً في آنه. ولو تأمَّلنا في الأفعال، سواء التامّة أو الناقصة، لوجدناها مستمرَّة في ما يليها؛ الحدَث هو المنتهي أمّا الفعل فباقٍ: كلُّ فعلٍ مستمرٌّ بمعناه. والأحداث موجودة دائماً، لا ينتهي وجود الأحداث.
المعاني لا تنتهي، وكذلك الأشياء.
النهاية قاسية غالباً مهما كانت سعيدة، وشهيَّة مهما كانت حزينة… هي المسعى والمتحاشى.
قد تكون النهاية غاية، وقد تكون الغاية نهاية، لكن من الخطأ دمجهما دوماً أو اعتبار أنّ كُلًّا منهما منطوية في الأخرى.
ثمَّةَ ما يطلق عليه مسمّى “النهاية المفتوحة”، تلك بدايةٌ جديدة، وهي أحلى النهايات.
هل ينتهي الفرح؟
طالما أنّ هناك عيد فهناك فرح، وقد يكون للشخص في العام عيد واحد لا يعرفه أحدٌ سواه.
هل ينتهي الحزن؟
الحزن، بحضور الفرح، يتماهى معه ولا ينتهي.
هل تنتهي الحرّيّة؟
بناءً على مقولة “تنتهي حرّيّة الفرد عندما تبدأ حرّيّة الآخرين”: لا بدَّ من قيود وضوابط للحرّيّة. لكن ذلك يتعارض مع معناها، الحرّيّة طليقة في معناها مقيَّدة في مبناها، القيود تحدُّها وتُنهيها: وجود الحرّيّة ينهيها! من المستحيل إقامة حرّيّة مطلَقة ضمن مجتمع. والحرّيّة تتحدّد بتبعيتها أو بحصرها، نقول: “حرّيّة التعبير، حرّيّة المُعتقَد، حرّيّة التنقُّل… إلخ.” تناقضٌ كبيرٌ أنّ الحرّيّة محصورة دائماً أو منتهية!
هل ينتهي الإنسان؟
الإنسان مخرِّب الحياة، والتخريب لا ينتهي. يخرِّبها حتى بنصٍّ كهذا النص. ربما هناك من يقرأ الآن ويعلِّق: “يا أخي، نَمَّلَ مخّي!” فلتعلم – يا صديقي – أن نصّي كائنٌ لم ينتهِ ما دمت تقرأه الآن.
هل تنتهي الحياة؟
طالما أنَّ هنالك إنسان مخرِّب، لا ينتهي، فلا بدَّ من وجود ما يخرِّبه: الحياة مستمرَّة بخرابها.
هل تنتهي الثورة؟
إن قلنا إن نهاية الثورة تكون بتحقيق غاياتها، فلعلَّ القول الأدق: من معالم استمرار الثورة تحقيق غاياتها. على أيِّ حال: لا أظنُّ أنَّ هنالك ثورة حقَّقت غاياتها كاملة. ما يجري في كلِّ ثورة أنْ كلّما رؤي أنّها انتهت تجدَّدت من تلقاء ذاتها، من دوافعها، من أسبابها، وحتى من نتائجها… الثورة تنتهي بزوال أهلها؛ الزوال الطبيعي لا القسري. الإبادة منهج الضعيف القادر؛ فكرة عقيمة كلُّ من حاول تطبيقها منتهٍ قبل تحقيقها. الثورة كالحياة؛ لا تنتهي إلا بالموت. لعل الموت هو النهاية الوحيدة التامّة. والموت بداية من جهة أخرى، لاسيما إن كان قتلاً. القتل يجرٌّ الثأر. بين الثأر والثورة قرابة متجذِّرة عند العرب.
هل تنتهي…
هل ينتهي…
…
لا ينتهي “هل تنتهي؟”
في الغيبِ دوماً ما يزال هناك أمرٌ يُشتهى
العاقلون بعَقْلهم عَقَلوا الملذَّاتِ الطليقةَ
والعِقالُ نهايةٌ / قيدٌ تناهى في المشاعر لا النُهى
ما ينتهي لا ينتهي ما دام يتلوه الذي يتليْه
ليس زماننا في مَعزِلٍ عمَّا مضى
يا كائني!
ما أنتَ آخِرَ كائنٍ
ما أنتَ أوَّلَ كائنٍ
لا تستلمني!
لا تًقُل لي: “ماضياً كان الذي…
… وقد انتهى”
** *** **
الشاعر السوري أمجد عطري في سطور
من مواليد محافظة حماة السورية في العام 1978.
حاصل على ماجستير التخصّص في الترجمة الإلكترونية والسمعبصريّة من المعهد العالي للترجمة والترجمة الفوريّة في جامعة دمشق.
نُشرت له قصائد في صحف ومجلات ورقيّة وإلكترونية عربية وأوربية باللغتين العربية والفرنسية. وهو يكتب الشعر أيضاً بالمحكيّة الشاميّة.
صدر له: “أسماء الحبِّ الحسنى” / شعر/ عن دار موزاييك للدراسات والنشر – اسطنبول 2019.
عذراً التعليقات مغلقة