تنبيه استراتيجي حول طبيعة تغييرات النظام للقادة الأمنيين

فريق التحرير18 يوليو 2019آخر تحديث :

دون تأكيد من مصادر النظام؛ أشارت عدة تقارير إعلامية صادرة في الأسبوع الأول من شهر آب لعام 2019  إلى إجراء النظام عدة تغييرات  نوعية طالت أهم مراكز القوى الأمنية والتي كان من أبرزها وفقاً لهذه التقارير تعيين رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك نائباً له للشؤون الأمنية، فيما حل بديلاً عنه في هذا المنصب اللواء محمد ديب زيتون الذي كان يشغل مدير إدارة المخابرات العامة؛ و وشملت التغييرات أيضاً، إحالة رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء جميل حسن إلى التقاعد وتعييّن اللواء غسان جودت إسماعيل خلفًا له؛ كما عيّن اللواء حسام لوقا (الذي كان يشغل منصب رئيس شعبة الأمن السياسي) مديراً لإدارة المخابرات العامة؛ وعيّن عوضاً عنه اللواء ناصر العلي، كما شملت التعيينات وضع اللواء ناصر ديب مديراً لإدارة الأمن الجنائي خلفًا للواء صفوان عيسى.

وفي الوقت الذي لا يعلن النظام عن هذه التغييرات عبر قنواته الرسمية؛ تصدرت هذه التغييرات العديد من مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الاعلامية السورية وأخذت مساحة واسعة من الاهتمام والتداول بحكم الترابط الزمني ما بين هذه التغييرات وما يشهده المسرح السوري من عقم سياسي وتأزمات معززة لتنامي الاستعصاء؛ وانحصرت تفاسير ودوافع النظام لتلك التغييرات بين اتجاهات ثلاثة مكملة لبعضها البعض:

الاتجاه الأول: “إجراء روتني”؛ فأوامر النقل والترفيع والتسريح والندب والتمديد ( المعروفة باسم النشرة)  تصدر مرتين سنوياً (بأول السنة وبمنتصفها)؛ ويستطيع من خلالها النظام -إذا ما استثنينا عامل العمر والوضع الصحي والتقييم الأمني- إعادة توزيع مراكز القوة وفقاً لمعاييره  وشروطه؛ ففي التغييرات الأخيرة هناك بعض الضباط قد تجاوز السبعين عاماً من العمر وقد تم تمديد خدمتهم لأسباب عديدة أولها منطق “إدارة الأزمة” (كجميل حسن ومحمد ديب زيتون تم تمديد خدمة كل منهما عشرة سنوات ولابد من احالتهما الى التقاعد) ؛ أما بالنسبة لتعيين غسان إسماعيل مديراً لإدارة المخابرات الجوية فيمكن اعتباره “تدرجاً وظيفياً” حيث كان نائباً لجميل حسن؛ وكذلك بخصوص تعيين حسام لوقا مدير إدارة المخابرات العامة حيث كان معاون مدير هذه الإدارة قبل تعيينه رئيساً لشعبة الأمن السياسي.

الاتجاه الثاني: “رسائل شكلية”: على الرغم من استمرار النظام بانتهاج ذات السياسة الناظمة لمعايير “النشرة” كمعيار الولاء والإطاعة؛ وسلوكه المهني؛ والخبرة في حماية أمن النظام؛ حرص النظام في هذه التغييرات على تصدير عدة رسائل أهمها الآتي:

  1. الإيحاء “بإعادة التوازن الطائفي” بين مراكز القوة؛ فعين في إدارة المخابرات العامة حسام لوقا (شركسي من السفيرة بحلب) وفي الأمن السياسي ناصر العلي (سني من ريف حلب)؛ بينما أبقى المخابرات العسكرية والجوية بيد ضباط علويين.
  2. التقاعد كوسيلة “مشرفة” لمن أوغل بالإجرام من قبل الثورة وبعدها؛ إذ تعد تلك الوسيلة طريقة بيروقراطية للالتفاف على مطالبات وإدانات المجتمع الدولي لهؤلاء “القادة” بحكم ما ارتكبوه من جرائم مثبتة بحق الشعب السوري.
  3. تعزيز “مخيال قدرة النظام” على التحكم بقطاع الأمن والدفاع أمام العديد من الفواعل؛ إذ يطمح أيضاً من وراء تلك التغييرات إبراز مساحة تحكمه أمام “افتراضات الانقسام الافقي والعمودي” لهذا القطاع لصالح الشبكات الروسية والإيرانية.

الاتجاه الثالث: “المرونة أمام متطلبات الحلفاء“: إذ باتت واضحة رغبة موسكو بإعادة تنظيم قطاع الأمن والدفاع وتحسين أدائه، ولا تمتلك دوائر صنع القرار عند النظام إلا إبداء المرونة والتكيف مع هذا التوجه الروسي؛ حيث قامت موسكو بإيفاد عدد من ضباط النظام إلى موسكو لإجراء دورات أركان في اختصاصات الدفاع الجوّي والآليات والمشاة، كما دفعت بإجراء سلسلة من التعيينات في وزارتي الدفاع والداخلية، طالت أكثر من 100 ضابط بمناصب حساسة منذ مطلع عام 2019، كما تمت تنحية عدد من الضباط بذريعة بلوغهم السن القانوني للتقاعد، في حين تمّ تهميش المحسوبين على إيران تحت ذريعة انتهاء أدوارهم العسكرية، وخاصة في الثُكنات المُحيطة بدمشق.

عموماً: إن التوصيف الأكثر موضوعية لتلك التغييرات هي المحاولة لإعادة تشكيل حذرة لمراكز القوة في قطاع الأمن والدفاع بما يخدم فلسفة النظام الحاكم بإبقاء هذا القطاع كأداة تأثير وقوة يتحكم بها ويضمن ضبطها وتوجيهها من جهة؛ ويعطي إيحاء “بتعديل ما” لن يكون إلا شكلياً من جهة ثانية، وهذا الأمر لا يزال خاضعاً لعقبات بالغة الصعوبة وينبغي على المعارضة السورية (سواء الرسمية وغير الرسمية) وكافة القوى الوطنية المطالبة بالتغيير؛ أن تعتمد في تعاطيها مع ملف التغييرات استراتيجية “التمسك بضرورة التغيير الشامل والجذري”؛ وذلك من خلال ثلاثة أدوات رئيسية:

  1. الأداة التفاوضية: عبر إصرارها بأن عملية التغيير هي عملية مرتبطة بالبنية والوظيفة والفلسفة المتحكمة في عمل هذه الأجهزة وينبغي أن تكون موجهات ومحددات هذا التغيير مضمونة دستورياً ويرافقها العديد من الإجراءات المتعلقة بالترابط ما بين هذا الملف والتغييرات القانونية من جهة؛ وما بينه وبين مبدأ العدالة والمحاسبة من جهة ثانية؛ وهذا يتطلب بطبيعة الحال تبني رؤية تنفيذية للتغيير؛
  2. الأداة الحقوقية: وهذا يتطلب تظافر العديد من الجهود الوطنية لمواجهة طموح النظام في الافلات من العقوبة؛ واستمرار العمل في توثيق جرائم وانتهاكات تلك الأجهزة (كبينة وكقادة)؛ وهذا الأمر يتطلب وجود مؤتمر سنوياً للعديد من المنظمات الحقوقية الوطنية وأجندة سنوية متسقة مع هذا الهدف؛
  3. الأداة البحثية والاعلامية: لا تزال المهمة البحثية والاعلامية الأكثر إلحاحاً في الملف السوري محصورة في الدفع باتجاه إحداث القطيعة مع الإرث الماضوي لعمل وفلسفة عمل قطاع الأمن والدفاع، وبلورة سياسات تعيد تصميم الهندسة الاجتماعية فيه وفقاً لمعايير احترافية ووطنية بعيدة عن الأدلجة السياسية والمقاربات السلطوية؛ وانتاج خطط موضوعية باتجاه إعادة بناء هذا القطاع كليةً وقوننة العلاقات المدنية الأمنية.

يغيب النظام قسراً كل أسئلة التغيير الوطنية الدافعة باتجاه استقرار مستدام، ويكتفي بإجراءات بيروقراطية ورسائل لا وزن لها وغير مؤثرة في طبيعة الحركة المستقبلية لهذا القطاع والذي يمضي بتسارع نحو مجمع ميليشياوي بزيّ عسكري “رسمي”؛ وأمام هذا التغييب لا بد من التنويه مجدداً -استراتيجياً-على الضرورة الملحة لتبني المعارضة وقوى الثورة والتغيير لاستراتيجية صادة لمحاولات النظام الطامحة لإفلاته من العقاب وللإيهام بإجرائه تغييرات تضلل المجتمع المحلي والدولي عبر بوابة “تغيير سلوكه”. فجلّ التغييرات التي حصلت والتي ستحصل ستبقى أسيرة محددات تحكمه بالسلطة وإعادة ضبط قطاع الأمن والدفاع وفق ثنائية (المصلحة والمرونة) التي تهيئ له الشروط لإعادة انتاج شبكاته بتغييرات شكلية ولا تتعارض مع ضغوطات حلفائه الرامية لتطبيق منهجيتها في إعادة التشكل.

  • ورقة بحثية صادرة عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
المصدر مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل