* عبد الحميد صيام
أما وقد حسم السباق الآن للوصول إلى البيت الأبيض بين هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري في أغرب حملة إنتخابية في الولايات المتحدة في العصر الحديث بين أول إمرأة تترشح عن حزبها لانتخابات الرئاسة في تاريخ البلاد وأول مرشح قادم من خارج العمل السياسي تماما، نستطيع أن نتأمل قليلا لنستجلي معالم السياسة الخارجية لكل من المرشحين.
هيلاري كلينتون والتركيز على روسيا والصين
لا بد أن نقر أن لدى المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون تجربة طويلة في السياسة الخارجية، فقد دخلت البيت الأبيض عام 1992 ومنذ ذلك الحين وهي شخصية عامة قريبة جدا من صنع القرار سواء في الكونغرس أو في وزارة الخارجية. إن مقارنة بين كلينتون وترامب في السياسة الخارجية أشبه بمقارنة الطالب كبير السن الذي إنضم إلى صفوف محو الأمية مع الأستاذ الجامعي الذي يدرس مادة العلوم السياسة لأكثر من عقدين.
وتثير كلينتون في خطاباتها مجموعة من الإنجازات التي حققتها كوزيرة خارجية أو بالعمل مع الرئيس أوباما. «لقد صارعت الصينيين في كوبنهاغن حول التغير المناخي، وتوصلت إلى إتفاق وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس وفاوضت روسيا حول تخفيض الترسانة النووية وأقنعت العديد من الدول لتوسيع العقوبات على إيران»، كما جاء في خطابها حول السياسة الخارجية في حزيران/يونيو الماضي.
وعرجت في خطاب القبول الذي ألقته في نهاية مؤتمر الحزب الجمهوري مساء الخميس على عدد من النقاط الأساسية نذكر منها:
– الولايات المتحدة لن تعيش في عزلة. لا أحد يستطيع مواجهات تحديات اليوم بمفرده مهما كان قويا. «سنكون أقوياء معا- وهذا ليس درسا من التاريخ أو شعارا في الحملة الانتخابية ولكنه مبدأ نتبعه للدولة التي نحن فيها والمستقبل الذي نريد أن نبني».
– الولايات المتحدة ستعمل مع المجتمع الدولي في التصدي لأخطار التغير المناخي والعمل على التحول التدريجي نحو الطاقة النظيفة ووقف الاحتباس الحراري الذي يهدد الكرة الأرضية ومستقبل الأجيال القادمة.
– الوقوف بحزم أمام الصين وغزوها التجاري للعالم بما في ذلك الولايات المتحدة.
– متابعة سياسة أوباما في إحتواء برنامج إيران النووي والاستمرار في مراقبة مسلكيتها تجاه تنفيذ الاتفاقية الإطارية التي تم التوصل إليها مع مجموعة الدول الست.
– الاستمرار في دعم إسرائيل وأمن إسرائيل وتقديم المساعدات لها وتعزيز العلاقات الأمنية بين البلدين.
– الاستمرار في تعزيز التحالف مع دول الناتو وخاصة في الوقوف أمام السياسة الروسية التي بدأت تتمدد خارج حدود روسيا كما حدث في أوكرانيا وسوريا.
– سيكون الأمن القومي على رأس إهتمامات كلينتون كونها قريبة من المؤسسة العسكرية وعملت ضمن لجنة العلاقات العسكرية داخل الكونغرس. وقد طرحت خطة أثناء حملتها الانتخابية لهزيمة تنظيم «الدولة» دون تعريض أرواح الجنود الأمريكيين للخطر. «إن خطورة تنظيم داعش تتعدى الشرق الأوسط لتصل إلى أوروبا. إنه تنظيم خطير وغني ودموي وتوسعي ومهني أكثر من أي تنظيم جهادي آخر. وأتعهد أن أشن حربا جوية وبرية مع حلفائنا على «داعش» في سوريا والعراق لأنه يشكل خطرا على أمريكا وإسرائيل». كما تطالب هيلاري أوروبا بإدراج حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية.
– التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية ومحاولاتها لتطوير أنظمة صواريخ نووية قادرة على ضرب المدن الأمريكية ستكون على رأس اهتمامتها وذلك بتعزيز التعاون مع اليابان وكوريا الجنوبية في تطوير شبكة الصواريخ المضادة للصواريخ التي بدأتها بنفسها أيام عملها في وزارة الخارجية.
أما القضية الفلسطينية فعدا عن تكرار ما تردده كلينتون دائما من إلتزامها بالسلام وحل الدولتين فموقف كلينتون يكاد يتماهى مع الموقف الإسرائيلي في إدانة ما يسمى بـ»الإرهاب والتحريض والعنف الفلسطيني». وتتفاخر دائما كلينتون بمدى دعمها اللامحدود لإسرائيل «أما بالنسبة لدعمي لإسرائيل فلا أحد يستطيع أن يزايد عليّ. فمنذ عام 1999 وأنا أدعو إلى نقل سفارتنا من تل أبيب إلى القدس، العاصمة الأبدية والموحدة لدولة إسرائيل. والأكثر من الدعم الاقتصادي لإسرائيل علينا أن نطالب الرئيس عباس بوقف التحريض والأعمال الإرهابية وتفكيك كافة الشبكات الإرهابية. على الفلسطينيين أن يحضروا إلى طاولة المفاوضات وهم يعلمون أنهم يفاوضون إسرائيل الدولة اليهودية إلى الأبد».
ترامب سياسة خارجية دون معالم واضحة
إن أكثر ما يوصف به ترامب أنه شخص «لا يمكن التنبؤ بخطوته التالية». وقد إعتبر البعض أن هذه ميزة له لا مثلبة عليه تحت شعار «دع خصومنا يضيعون وهم يحاولون أن يتنبأوا بخطوتنا التالية». لكن المشكلة التي يحاول المحللون أن يجدوا لها مبررا هو عدم الانسجام في أحاديثه والتناقض واللاواقعية والجهل بمجريات الأمور مما أعطى هيلاري كلينتون فرصة كبيرة لمهاجمة سياسته الخارجية بناء على جهله التام بأبجدياتها. فهوم يقول الشيء ونقيضه ولا يستمر على موقف أو مبدأ.
لقد إختار ترامب خمسة أشخاص لتقديم المشورة له في السياسة الخارجية ومنهم اللبناني وليد فارس المتطرف اليميني الذي جاء من خلفية حزب الكتائب والذي صنف على أنه «خبير في مكافحة الإرهاب». كما إختار جيف سيشنز كبير مستشاريه في السياسة الخارجية، وهو من أكثر الجمهوريين محافظة وتعصبا وتأييدا لإسرائيل وأحد الذين تحمسوا للحرب على العراق ونزل في الشارع مع المتظاهرين المؤيدين للحرب.
لكن يتوقع المراقبون أن يبدأ الحزب الجمهوري بعد أن أصبح ترامب المرشح الرسمي الآن أن يتدخل فيما يقول بهدف ترشيد خطابه السياسي وتجنيبه المطبات التي ما فتئ يقع فيها نتيجة جهله. وهذه بعض النقاط التي يمكن للمتابع أن يستجليها من سياسته الخارجية:
– «أمريكا أولا»- شعار يقول إنه سيتحكم في كل سياساته الداخلية والخارجية.
– يقول ترامب إنه جديد على السياسة لكنه يعرف أن السياسة الخارجية القائمة على عدم توقع الخطوة التالية أفضل من سهولة التنبؤ. إن عنصر المفاجأة مهم جدا في العمل العسكري. كل الخيارات ستبقى على الطاولة ولن يستبعد خيار إستخدام الأسلحة النووية ضد «داعش» إذا وجد ذلك ضروريا.
– يؤمن بالمفاوضات والتوصل إلى صفقة على طريقة «الأعمال التجارية». كما هو النجاح في الأعمال التجارية يمكن ذلك أن يساعده في التوصل إلى صفقات في السياسة الخارجية.
– موقفه من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تغير كثيرا. فبعد أن كان يقول «أنا محايد ولا أحتاج أموال اليهود» عاد واصطف تماما داخل الموقف الإسرائيلي ولم يعد يطرح فكرة حل الدولتين الذي تبناه الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش عام 2002.
– يعتقد ترامب أن العالم يستغل الولايات المتحدة في كل المجالات العسكرية والاقتصادية وتكاد البلاد تنزلق إلى مستوى دولة من دول العالم الثالث. ويؤكد أنه في حال انتخابه سيغلق العديد من القواعد العسكرية غير الضرورية ويطالب الدول التي تحتضن قواعد عسكرية أمريكية أن تدفع أموالا مقابل حمايتها مثل اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية والسعودية. كما وعد ترامب بتقليل الإلتزام الأمريكي في حلف الناتو وسيطلب من الأوروبيين مضاعفة مساهماتهم في ميزانية الناتو.
– الصين هي عدو الولايات المتحدة الأول وتسلب منها مليارات الدولارات وليس روسيا. على الصين أن تنهي وجود كيم إل أون، رئيس كوريا الشمالية بطريقة أو بأخرى لأن الصين تتحكم فيها تماما.
– الإرهاب الإسلامي سيبقى على رأس أولويات ترامب. وهذا الموقف سيؤثر على قراراته المتعلقة بشروط الهجرة والتأشيرات والزيارات، وقد تتأثر به دول ذات جاليات إسلامية كبيرة مثل فرنسا.
* نقلاً عن: “القدس العربي”
عذراً التعليقات مغلقة