مع إعلان المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا منذ يومين عن أمله في عقد جولة جديدة من مفاوضات جنيف بخصوص الأزمة السورية نهاية أغسطس/ آب المقبل، يرى مراقبون ومعارضون سوريون أن هذه المهلة كافية لاستعادة النظام لأحياء حلب الشرقية الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة منذ نحو 4 سنوات خاصة أن قوات النظام أحكمت الحصار عليها بالتزامن مع إعلان دي ميستورا.
ويرى معارضون إن إعلان المبعوث الأممي عن الموعد الجديد للمفاوضات بعد أكثر من شهر منح فعليا فرصة ذهبية للنظام وحليفته روسيا من أجل استعادة قواته مدينة حلب بالكامل بغض النظر عن الوسائل والأسلحة التي سيستخدمها لذلك وذلك حتى يدخل المفاوضات “من مصدر قوة” بعد أن يكون قد استعاد ثاني أهم مدينة في سوريا بعد دمشق وعاصمة البلاد الاقتصادية كما كانت تسمى قبل اندلاع الأزمة في البلاد قبل أكثر من 5 سنوات.
وقال محمد العبود عضو الوفد التفاوضي الممثل للمعارضة في مفاوضات جنيف أن إعلان دي ميستورا بتحديد نهاية أغسطس موعداً محتملاً للجولة الجديدة من مفاوضات جنيف بخصوص سوريا “يتماشى مع توجه روسيا والنظام في استعادة قوات الأخير السيطرة على الأحياء الشرقية في حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة بعد إحكام الحصار على تلك الأحياء منذ عدة أيام بعد سيطرته وقطعه طريق “الكاستيلو” آخر الطرق الواصلة لتلك الأحياء مع خارجها” .
وأضاف العبود وهو دكتور مهندس ومقدم منشق عن قوات النظام في تصريحه للأناضول، “لا يتّهم دي ميستورا بعدم الحيادية إلا أن تصريحات ومواقف الأخير تشير إلى سيره مع رغبات روسيا والنظام السوري، وما سيثبت عكس ذلك هو الشهر المقبل الذي سيكون دليلاً على أنه(المبعوث) حدّد هذا الموعد لإتمام أمور تقنية ولوجستية أم أنه منح مهلة للنظام وروسيا لاستعادة السيطرة على مدينة حلب بالكامل بغض النظر عن الوسائل وفيما إذا سيقومان باستخدام أسلحة سامة أو محرمة دولياً”.
وقال دي ميستورا، الثلاثاء، “نهدف لعقد جولة جديدة من مفاوضات السلام السورية، أواخر أغسطس/ آب المقبل”، وذلك في مؤتمر صحفي، عقب اجتماع ثلاثي جمعه مع الموفد الأميركي الخاص لسوريا، مايكل راتني، ونائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، بمدينة جنيف السويسرية.
ولم تسفر الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف(جرت في مارس/ آذار الماضي)، عن النتائج المرجوة لإنهاء الأزمة السورية، وعلّقت المعارضة مشاركتها بها، بسبب عدم تحقيق المجتمع الدولي لشروطها المتمثلة في تحسين الأوضاع الإنسانية، والإفراج عن المعتقلين وخاصة الأطفال والنساء، وإيقاف روسيا والنظام غاراتهما الجوية.
وعلى الجانب المقابل، استبعد عضو الوفد التفاوضي أن تعقد جولة جديدة للمفاوضات “إلا إذا كان هنالك تغيرا في السياسة الروسية تجاه إيجاد حل جدّي للأزمة السورية، فوفد المعارضة علّق مشاركته في الجولة الماضية كون الأعمال العدائية من قبل النظام وروسيا لم تتوقف وكذلك لم يتوقف القصف الجوي وغيره للمدنيين كما لم يتم إدخال مساعدات إنسانية إلى المناطق المحاصرة، وهذا الأمر لم يتغيّر خلال الفترة الماضية وفي حال لم يتغير خلال الفترة المقبلة حتى الموعد المفترض فمن المؤكد أن الجولة الجديدة لن تعقد”.
واستدرك بالإشارة إلى أن ما تحدث به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مؤخراً حول الاتفاق المزمع أن تعقده بلاده مع موسكو بخصوص سوريا وجدّية هذا الاتفاق في سبيل الوصول لحل سياسي للأزمة المستمرة منذ أكثر من 5 سنوات سيكون أيضاً عاملاً أساسياً في حسم عقد الجولة القادمة من المفاوضات من عدمه.
وعلى الرغم من أن ابراهيم الجباوي المحلّل السياسي والعسكري السوري يتفق مع العبود في كثير مما ذهب إليه إلا أنه يرى أن النظام السوري وإن حاولت قواته التقدم أو استعادة السيطرة على الأحياء الشرقية من حلب إلا أنه لن يتمكن من ذلك خلال الفترة القصيرة التي أمامه وهي شهر تقريباً.
وفي تصريحه للأناضول، قال الجباوي وهو ضابط سابق برتبة عميد قبل انشقاقه عن قوات النظام السوري بعد أشهر من اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011، “من خلال مشاهداتنا لمعارك الكاستيلو ومحاولات النظام للسيطرة عليه التي استمرت أشهراً وهو لا يتجاوز عرضه الكيلو متر الواحد والمنطقة تقريبا خالية من السكان فإن الوضع بالنسبة للأحياء الشرقية من حلب سيكون مختلفا حيث المساحة أكبر والمنطقة سكنية تحوي أكثر من 300 ألف مدني إضافة إلى وجود مقاتلين أشدّاء منعوا النظام من السيطرة على تلك الأحياء لنحو 4 سنوات”.
وأضاف الجباوي “لا أعتقد أن روسيا ستدعم النظام في اقتحام هذه الأحياء خاصة في ظل الحديث عن جولة جديدة من مفاوضات جنيف وما يدور الحديث عنه بخصوص الاتفاق الروسي الأمريكي حول تشكيل قيادة مشتركة للعمليات العسكرية في سوريا بحسب ما رشح بالاعلام”.
وأوضح المحلل المقيم في الأردن، أنه “بات من المعروف أن النظام السوري لا يستطيع أن يتقدم على الأرض مترا واحدا دون الدعم الناري من الطيران الروسي، ودون هذا الدعم لن يستطيع النظام أن يتقدّم في حلب أو غيرها، وانا أعتقد جازما أن موسكو لن تعين النظام في التقدم باتجاه الأحياء الشرقية في حلب للسببين اللذين أسلفت ذكرهما.
واستدرك بالقول إن هذا السيناريو يتحقق في حالة واحدة إذا كان المخطط الدولي أن يبقى الأسد في الحكم وأن يتم السعي لتسوية مع المعارضة ضمن هذا السياق وفي هذه الحالة من الممكن أن يكون مصير مدينة حلب مشابهاً لمدينة حمص التي سبق أن سيطر النظام على معظم أحيائها بعد حصار استمر أشهرا ودمارا طال غالبية مبانيها وتم تفريغ سكانها منها.
حصار حلب واحتمال استعادة قوات النظام السيطرة على أحيائها الشرقية لا تعتبرها المعارضة -في حال تحققها- نصراً عسكرياً سيحسب للنظام فحسب ضمن معارك الكر والفر التي يخوضها الطرفان وباقي الأطراف الأخرى المشاركة في الصراع السوري وإنما تعتبرها “خطاً أحمر” واختبارا حقيقيا لجدية أصدقاء سوريا والأمم المتحدة وجميع الأطراف المعنية في إيجاد حل للأزمة السورية على أساس سياسي وليس على أساس الأقوى من يفرض شروطه، كما يحاول النظام وروسيا تجسيده على الأرض.
منذر ماخوس سفير الائتلاف السوري المعارض في فرنسا والمتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة، قال إن المعارضة “لن تقبل بأن تُحاصر حلب وتتحول إلى لينينغراد جديدة التي حاصرها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية لأكثر من سنتين والناس باتت جثثهم في الشوارع من الجوع والمرض”.
وأضاف ماخوس أن الأمم المتحدة “تقف متفرجة على هذا الحصار الجديد لحلب، ومنذ يومين تمت الدعوة من قبل منسق الشؤون الانسانية الأممي أمام مجلس الأمن إلى هدنة لمدة يومين أسبوعيا لإدخال المساعدات الإنسانية للمحاصرين في المدينة وفي حال لم تتم هذه الهدنة سيكون للمعارضة موقف حاسم ليس فقط من حضور الجولة الجديدة من المفاوضات وإنما من مجمل العملية السياسية ككل التي لا تراهن عليها كثيرا”.
وأضاف بالقول بتصريحه للأناضول أن النظام السوري “يحاصر أكثر من 18 بلدة ومدينة في سوريا وهو يحاول أن يفرض ما يسميها مصالحات تحت تهديد الجوع والمرض للسكان من أجل أن يقول إن الأمور تسير على ما يرام ولا حاجة لحلول سياسية خارجية”.
وأوضح السفير “المعارضة لن تقبل سوى بتحقيق حكم انتقالي يضمن تحوّل سوريا من نظام الفساد والديكتاتورية الموجود إلى دولة مدنية تعددية ديمقراطية ينشدها جميع السوريين”.
واستدرك قائلاً أن ما يذكره “ليس تهديداً أو شروطاً مسبقة أو إنذارا إلا أن هذا المبدأ الذي تسير وفقه المعارضة وتصر عليه ولن ترضى بغير تحقيقه”.
وحول ربط بعض المعارضين إعلان دي ميستورا عن موعد محتمل للجولة الجديدة للمفاوضات في جنيف وإحكام النظام حصاره لحلب، قال ماخوس “ليس لدينا شكوك بنزاهة دي ميستورا ونحن نتفهّم أن تأخر توجيه الدعوة يعود إلى عدم تحقيق تغيير على الأرض بخصوص الأسباب التي علّقت المعارضة مشاركتها في الجولة الماضية قبل أشهر وما تزال قائمة حتى اليوم”.
وأضاف أنه “لا يرى الإشكالية في شخص دي ميستورا بالتحديد وإنما في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي يتوجب عليه أن يصدر قرارا ملزما بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى حلب واحترام الهدنة التي من المفترض مناقشتها وإقرارها، وأيضاً إطلاق سراح المعتقلين الذين يبلغ عددهم نصف مليون إنسان في سجون النظام ويعاملون على أنهم مخلوقات غير بشرية ولا أحد يهتم لأمرهم حالياً”.
وختم بالقول إن “الكرة باتت بملعب الأمم المتحدة وأصدقاء سوريا وحلب ستكون الاختبار الكبير والأخير”.
الأناضول
عذراً التعليقات مغلقة