ياسر محمد- حرية برس:
صار جلياً أن الوضع في إدلب لن يمضي باتجاه الاستقرار المؤقت المأمول، والذي تشكلت قناعة بإمكانية حدوثه مع توقيع “اتفاق سوتشي” حول إدلب بين تركيا وروسيا في أيلول عام 2018، إلا أن روسيا سرعان ما تنصلت من روح الاتفاق مع الحفاظ على هيكله، واكتفت تركيا بنشر نقاط مراقبة لها في المنطقة، إنما ثبت مع الوقت عدم قدرتها على ضبط الأوضاع أو كبح قصف النظام وحليفه الروسي، وهو ما جعل المنطقة على شفا الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، مع حركة نزوح نشطة مع ضيق الخيارات!.
ومنذ مطلع العام الجاري، صعد نظام الأسد وحليفه الروسي الهجمات والقصف على منطقة “خفض التصعيد” بإدلب وريفي حماة وحلب، بذريعة وجود “منظمات إرهابية”، وفي الأسبوع الأخيروتزامناً مع الجولة 12 من مفاوضات “أستانا”، زادت حدة هجمات النظام على إدلب، ما أدى لسقوط عشرات الشهداء والجرحى ونزوح الآلاف.
وقال فريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري، أمس الاثنين، إن النقاط التي طالها قصف الطيران خلال الأسبوع الماضي فقط، بلغت 20 نقطة، موزعة على 9 نقاط في إدلب و8 في ريف حماة و3 في ريف حلب.
وأضاف تقرير “منسقو الاستجابة” أن استهداف الأرضي بالمدفعية والصواريخ، بلغ 199 نقطة، وتوزعت على الشكل التالي: 43 نقطة في إدلب و51 في حماة و21 في حلب و4 في اللاذقية.
وبلغت حصيلة الشهداء في مناطق الشمال السوري منذ 2 من شباط الماضي حتى اليوم، 312 شهيداً، بمعدل 234 في إدلب بينهم 87 طفلًا، و68 في حماة بينهم 16 طفلًا، و8 في حلب بينهم ثلاثة أطفال، واثنان في اللاذقية، بحسب التقرير.
ومع استمرار التصعيد العسكري على مناطق الشمال السوري، بلغ أعداد النازحين من تلك المناطق، نحو 300 ألف نسمة حتى اليوم، وسط مخاوف من ارتفاع أعداد النازحين نتيجة استمرار العمليات العسكرية.
ولم تجد دعوات الأمم المتحدة لتحييد إدلب، آذاناً صاغية من النظام وحليفه الروسي، كما لم تجد تركيا حتى الآن طريقة لتفادي الهجمات على إدلب، بل على العكس من ذلك، كررت روسيا (الشريك الأساسي في اتفاق تحييد إدلب) دعواتها للهجوم على المنطقة وإعادتها إلى سيطرة نظام الأسد!.
ويوم السبت الفائت، وبعد انتهاء أعمال “أستانا 12” مباشرة، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنه لا يستبعد شن عملية عسكرية شاملة في محافظة إدلب شمالي سوريا، إلا أنه أشار إلى أن هذه العملة “ليست ملائمة الآن”.
وما يزيد الأمور تعقيداً ويهدد اتفاق إدلب الهش بالانهيار، وفق مراقبين، عدم موافقة تشكيلات عسكرية في إدلب على تسيير دوريات روسية في المنطقة وفق ما تم الاتفاق عليه بين تركيا وروسيا في “أستانا 12″، والتأخر في فتح الطريقين الدوليين (حلب- حماة)، (حلب- اللاذقية).
فقد أعلنت “حكومة الإنقاذ” الذراع التنفيذي لـ”هيئة تحرير الشام”، عن رفضها أي مشاركة أو تسيير دوريات روسيّة في المنطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب، داعية الفصائل العسكرية إلى رفض الاتفاق.
وجاء في البيان المنشور اليوم الثلاثاء: “إنّنا إذ نتفاجأ بما تتناقله بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ والاجتماعات السياسيّة الذليلة عن مشاركة هذا المحتل المجرم بدوريات المراقبة في المناطق المنزوعة السلاح، نرفض رفضاً قاطعاً أي مشاركة أو تواجد لهؤلاء القتلة المجرمين تحت أي ظرف أو مسمّى، ونهيب بكل التشكيلات والفصائل العسكريّة المقاتلة في المناطق المحررة بالتصدي بحزم وقوة لهذه المؤامرة ولمن يقف معها أو يؤيّدها”.
وتزامن بيان الإنقاذ، مع إصدار عدد من المجالس المحليّة في مدن وبلدات محافظة إدلب بيانات عبروا فيها عن رفضهم تسيير دوريّات روسيّة في المناطق المحررة معتبرين أنّ روسيّا أبرز حلفاء النظام وشريكة في قتل الشعب السوري.
ومع الاستغلاق الذي وصل إليه “مسار أستانا”، رأى جيمس جيفري المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، أن مجموعة أستانا لم تستطع إقناع “النظام السوري الشيطاني” بالتقيد بالقرار 2254.
حتى روسيا لم تعد -فيما يبدو- مقتنعة بالنتائج المجمدة، وعجزها عن اقتحام إدلب بشكل كامل، وتريد تطوير أفكار جديدة، إذ قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، في تصريحات صحفية، أمس الاثنين، إن هناك حاجة إلى أفكار جديدة لحل الأزمة، وإحداها استمرارية قمة إسطنبول الرباعية التي جرت العام الماضي.
وأضاف لافرينتييف: “حل المشكلة السورية يتطلب أفكاراً مختلفة، وبعض الدول الغربية لم تتخذ أي خطوة في هذا الصدد”، مستطرداً: “روسيا لا تستبعد إمكانية إعادة تشكيل نفس القمة الرباعية التي جمعت بين زعماء تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا العام الفائت”.
إلا أن نحو أربعة ملايين مدني في محافظة إدلب وجوارها، ما عادوا يعولون على الاجتماعات ومسارات التفاوض التي لم توقف آلة القتل يوماً واحداً، إلا أن بعضهم ما زال متمسكاً بالورقة التركية ويراهن عليها كأمل أخير يخفف حدة الموت إن لم يستطع منعه.
Sorry Comments are closed