كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن اختراق حسابات نشطاء الثورة وهذا ليس تكهنا بل هو واقع مرير عانى منه الكثير ممن لا يمتلكون الحس الأمني الكافي للتعامل مع الخصم، وهنا تبرز قضية كيف ولماذا وأين تخترق الحسابات ليتم الإيقاع بالضحايا والتي كلفت البعض حياتهم.
دمشق
قبيل انطلاق الثورة السورية أقدم الكثير من نشطاء الثورة السورية على إنشاء حسابات أغلبها تحت أسماء مستعارة، وذلك عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” وذلك بهدف تنسيق تجمع المتظاهرين ونقاط التظاهرات المناوئة لحكم النظام السوري، وكان في طليعتهم “تجمع إعلان دمشق” حيث شاركوا منذ انطلاق الثورة السورية، ومن ثم التحق بركبهم أغلب المظلومين حيث كانت أولى مظاهرات الثورة في منطقة الحريقة في دمشق وصرخوا بأول شعاراتهم “وينك يا سوري وينك” ومن ثم “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد” و “الشعب يريد إصلاح النظام” فكان رد القوى الأمنية عليهم بالضرب والاعتقال والإهانة والتوعد بقتل كل من سيشارك في أي تظاهرات مناوئة أو يحرض على السلطة الحاكمة.
امتصاص الصدمة
كان رد النظام عبر وسائل إعلامه بأنه يحترم إرادة الشعب وبأن خروج المظاهرات دون إذن مسبق غير مبرر وسيتبعه ملاحقات قانونية لكل من يتجاوز تلك القوانين، وأن السلطة ماضية في منح التصاريح الرسمية للمظاهرات على حد زعمهم، ولكن النظام اعتقل كل من طالب بذلك بل صعد عملياته الأمنية من خلال مراجعة الصور المرئية وجلب أصحابها وإهانتهم وتغييب الكثير منهم.
التصعيد الأمني
أدت زيادة الضغط على الشعب وتململ الكثير من الحالة الأمنية وتجاهل مطالب الشعب المحقة ورفض كل الحلول الهزلية إلى توسع نقاط التظاهر لتمتد إلى محافظة درعا، ومن ثم لتنتقل إلى باقي المحافظات السورية وبسرعة مربكة للنظام، رافق هذا التحرك تدخل قوى الأمن الداخلي مدعمة بحماية الجيش في أول حملة تصعيد حقيقة لتعتقل كل من يتم الإمساك بهم في المظاهرات، وأعقبه إجراء للتحقيق والتعذيب وقتل البعض أثناء التحقيقات من أجل الحصول على معلومات تساهم في اعتقال المتظاهرين، ولم تكتف السلطة بهذا التصعيد بل أقدمت على استدعاء قطاعات عسكرية ضخمة لتلحق بالمؤسسة القمعية، وتم ذلك وكانت في طليعة المحافظات السورية درعا.
زج الجيش في قمع المظاهرات السلمية
أقدم الجيش وبشكل فعال على تنفيذ المهام التي أوكلت إليه من القيادة، وذلك عبر قمع كافة نقاط التظاهرات وحدث ذلك عبر مظاهره في مدينة درعا، حيث استهدف المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي وقتل على إثر تلك الحملة عشرات من المدنيين العزل مما ساهم في رفع روح التحدي والإصرار والمضي قدما في قضية التمرد على النظام السوري.
الحرب الإعلامية ضد الثورة
بعد أيام من انطلاق التظاهرات أقدم عناصر من المخابرات الجوية على تحميل عدد من سيارات الإسعاف ببنادق آلية من طراز “كلاشنكوف” وبعض المسدسات ووضعها في المسجد العمري، ومن ثم غادروا المكان ليدخل عناصر من النظام ممن يدعون ممارسة مهنة الإعلام وقاموا بتصوير تلك الأسلحة وزعم أن السلطات قامت بالقبض على إرهابيين دون أن تعرض صورهم ومن ثم ليتم تسويقها على أن الجيش مضطر للرد على من وصفهم بالإرهابين ولديه أدلة جنائية بأنهم يحملون السلاح ويخططون لقتل من وصفهم بالمؤيدين وأنهم قد يستهدفون المسيرات الداعمة للنظام، وذلك من أجل تحريض الحاضنة الاجتماعية للتمترس خلفهم في مواجهة مخاطر تحيط بالوطن تقودها كل من قطر وإسرائيل محاولة زعزة أمن الوطن بحسب دعاية النظام.
الحرب الإلكترونية
استحدث جيش الأسد جهازاًَ مختصاً في الحرب الإلكترونية وأسماه “الجيش السوري الإلكتروني” وكان منوطاً بهذا الجيش قيادة الحملات الإلكترونية ضد الثورة السورية، وبدأ بعدة حملات وذلك من خلال اختراق العديد من حسابات الناشطين والمعنيين بالثورة السورية، محاولاً جمع أدلة للإيقاع بالناشطين وكل من يتواصل معهم، وحيث قام عناصر هذا الجيش بانتحال صفة الناشطين وإرسال معلومات وشعارات طائفية من أجل جلب المزيد من التأييد عبر ترويجهم لمظلومية فئة معينة، ومن ثم انتقلوا إلى المرحلة الثانية والمتمثلة بالإيقاع بالنشطاء فاعتقل الكثير منهم وذلك عبر التواصل من خلال الحسابات المخترقة والوهمية، ولم يكتف النظام من تلك العملية بل أجبر بعض المعتقلين لديه على استخدام حساباتهم والتواصل من خلالها وجمع المتظاهرين في نقاط متعددة ليسهل على المنظومة الأمنية اعتقال أكبر كم من النشطاء والمعارضين، ونجح مرحلياً في ذلك، كما رافقه اختراق قادة الحراك الثوري عبر انتحال صفة قادة بارزين وذلك وفق خطة محكمة بحيث يقوم بنسخ كل ما ينشره الناشط من نصوص ورسائل نصية ومصورة ومرئية ومن ثم يقوم بإنشاء حساب وهمي يحمل ذات الاسم، وينتقل ليبدأ بحملة إضافة الأصدقاء السابقين للناشط ومن ثم يتم إغلاق الحساب الحقيقي ويبدأ ببث أفكاره. سأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك كان “الجيش الالكتروني” يقوم بكتابة نفس المنشورات السابقة ويحذر بأن الحساب السابق تم تهكيره وبأنه غير مسؤول عنه وذلك من خلال تقديم طلب صداقة للأشخاص الثوريين، ومن ثم يتواصل معهم من أجل نشر الحساب الجديد وإلغاء كافة الحسابات السابقة، وينتقل إلى الخطوة الثانية لينشر الكثير من الأحداث الحقيقية التي تدور في فلك الثورة مطمئناً جمهور الناشط المخترق وينتقل بعدها بسرعة فائقة إلى مرحلة إسقاط رموز الثورة وذلك عبر إستراتيجية التشويه، مستعيناً ببرامج متنوعة ومنها الفوتوشوب تبدأ بفضح من تعامل معه المعني بالحساب وذلك عبر رصد مضمون محادثاته بالكامل حيث يركز في قضية التشويه على الطعن بأمانة القادة سياسياً كمرحلة أولية ومن ثم ليتطور الأمر لتصل إلى القضية العسكرية، وهنالك العشرات ممن أوقع بهم في شرك تلك الفخاخ وأسقط قادة كبار وذلك عبر ترويج بعض أصدقاء الضحية لتلك المنشورات التي ساهمت في إضعاف وتشتيت هدف الثورة، والملاحظ بأن الغالبية العظمى تنشر الخبر السيء وكأنه مصدر مسؤول دون الأخذ بعين الإعتبار أنه لربما تكون تلك الأدلة والوثائق مزورة ولربما يكون صاحبها معتقلاً وحسابه قد خرج عن نطاق السيطرة، وقد ساهمت تلك الاستراتيجية في بناء أول شرخ داخل المكون الثوري تبعه عدة شروخ ما زالت الثورة تعاني من ارتداداتها إلى يومنا هذا، والتي تمثل “المعاول الهدامة” ممن يوصفون بالطابور الخامس أسوة بفيلقهم الخامس المستحدث لقوات رديفة من بقايا المصالحين في الجبهة الجنوبية والذين بدورهم يتبعوا لروسيا دون الخضوع إلى سلطة الأسد، وأمام هذا المشهد المهول من حجم التناقض في صفوف الثورة يخرج بعض المصلحين ليعيد مسار البوصلة فيشهد حملة تصعيدية قاتلة ومن الحاضنة الثورية مروراً بأول شرخ والمتمثل بابن الداخل والخارج ومن ثم ينتقل إلى الساحتين السياسية والعسكرية.
مآلات الثورة السورية
إن عملية الإصلاح في هذا الوقت وأمام تخلي المجتمع الدولي عن الوفاء بتعهداته مرورا بأصدقاء سوريا وصولاً إلى تحولهم إلى أصدقاء للنظام السوري، تحتاج وقفة حقيقية مع الذات ومراجعة شاملة لمسار الثورة السورية وإعادة بناء جسور الثقة داخل المكون الثوري وإبعاد كافة الشخصيات التي خدمت النظام بعلم البعض منها وجهل من تبقى، وتصحيح شامل لمسار الثورة السورية، وهذا يتطلب البحث عن المثقفين والنافذين داخل مجتمعاتهم ووجهاء المجتمعات ليشكلوا نواة مجتمعية صلبة تكون ركيزة لإنشاء مشاريع ثورية مستدامة، والبحث عن الكفاءات العلمية والوطنية والقضائية لتشارك في بناء سوريا المستقبل بعيداً عن كافة الأجندات غير الوطنية، ويجب أن تنطلق من الداخل السوري لتتكامل مع الخارج وتتناغم وتحقق عوامل الإنتصار، فجسور الثقة هي أهم ما يمكن التعويل عليه في سوريا المستقبل.
Sorry Comments are closed