شـاهد عيان – قصة قصيرة للأديب السوري لؤي علي خليل
ليست هذه المرة الأولى التي يزورنا جارنا (أبو ضرار)، فنحن نسكن العمارة نفسها منذ عشرين عاماً، لكن زيارته اليوم ليست كزياراته السابقة؛ البلد يغلي، والثورة دخلت شهرها الثامن عشر.
ألحّت عليّ (مريم) ألا أتكلم أمامه في السياسة، وأن أضع التلفاز على القناة الحكومية الرسمية، بدلاً من قناتَي الجزيرة والعربية، رَجَتْني أن أُوافِقَه على كل ما يقوله، وألا أجادله في شيء، حتى لا أختفي وراء الشمس كما تقول، ولم تتركني حتى أقسمتُ أمامها أن أُلبّي طلباتها كاملةً بلا نقصان.
جاء (أبو ضرار) قبل مغيب الشمس، دخل البيت واثقاً مرفوع الرأس، جلس على الكنبة التي تتصدّر الغرفة، وقبل أن أحرك دفّة الكلام بادرني بسؤاله:
_ هل قرأت الخبر المنشور اليوم عن النفق؟
_ أي نفق؟
_ النفق الذي حفره المسلحون تحتنا!
_تحتنا!
_ هل تتخيل أنهم حفروا نفقاً تحت حيّنا!
_ تحت حيّنا!!! هل رأيته بعينك؟
_ لا، قرأت عنه اليوم.
_ أين قرأت عنه؟
_ في جريدة البعث الرسمية! ألا تصدق الجريدة الرسمية؟
_ ……
لم أستطع أن أعلّق؛ وعدت مريم ألا أفعل!! هززت برأسي فتابع أبو ضرار كلامه.
_ النفق يمتد من أول دوار (باب مصلى) حتى أول (الزاهرة)، يقولون إنهم وجدوا داخل النفق أسلحةً رشاشةً محليّة الصنع وأموالاً طائلة..
وقبل أن يكمل (أبو ضرار) حديثه قُرع جرس الباب، جاء جارنا (أبو أحمد) بائع الغاز، ما إن جلس حتى أعاد (أبو ضرار) حديثه من جديد:
_ اليوم قال لي أحد أصدقائي الضباط إنهم عثروا على نفق طويل حفره المسلحون تحت الشام كلها، من (القابون) حتى (باب شرقي)، وقال لي إنه سار واقفا على قدميه في ذلك النفق، ورأى بعينيه عدة غرف في الداخل، كل غرفة فيها مكيّف، وفيها أسلحة كثيرة أمريكية الصنع!!
قُرع جرس الباب مرة أخرى، تفاجأت بابن عمي (سعيد) يزورني من غير موعد، فانضم إلى مجموعتنا الصغيرة. وعندما استقر على الكنبة اضطر (أبو ضرار) أن يعيد كلامه من جديد:
_ صدقوني يا شباب أمس كنت عند أحد أصدقائي الضباط فأخذني لأرى بنفسي النفق الذي كتبوا عنه في الجرائد، كان نفقاً كبيراً جداً، تخيّلوا سرنا فيه بالسيارة مدةً طويلةً ولم ينته، يمتد من (حرستا) في طرف (الشام)، من جهة طريق حلب إلى (القدم) من جهة طريق الأردن، رأيت في داخل النفق أفران خبز لإطعام المسلحين، وبرادات كبيرة للتخزين، وسيارات جيب رباعية الدفع، وأسلحة كتب عليها (صناعة إسرائيلية)..
وقبل أن يكمل (أبو ضرار) كلامه قرع جرس الباب من جديد..
* * *
* “شاهد عيان” – قصة قصيرة من مجموعة “بين رصاصتين – مدونة الحرب” للأديب السوري لؤي علي خليل – إصدرات الدار العربية للعلوم ناشرون – 2018
لؤي علي خليل في سطور:
ــ أديب وأكاديمي سوري من مواليد دمشق في العام 1969.
ــ يحمل شهادة الدكتوراه في الأدب الأندلسي من جامعة دمشق في العام 2001، ويعمل أستاذاً في جامعة قطر.
ــ يكتب القصة القصيرة والرواية والدراسات الأدبية النقدية.
ــ صدر له العديد من المؤلفات منها: (الدهر في الشعر الأندلسي) دراسة في حركة المعنى – هيئة أبو ظبي الثقافية، أبو ظبي – 2010، و (العجائبي والسرد العربي) النظرية بين التلقي والنص – الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2014، و (حمزة والهدهد) – رواية للفتيان – أبو ظبي – 2013، ورواية (هسيس الملائكة) – الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2014، و (دم العصافير)، مجموعة قصصية، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت – 2017، و (بين رصاصتين) – مجموعة قصصية، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت – 2018، و (وجوه القلعة) نصوص قصصية – دار ميسلون – 2017.
ــ شارك في العديد من المهرجانات الأدبية والمؤتمرات العلمية والأدبية، ونال العديد من الجوائز الأدبية منها: جائزة سعاد الصباح للدراسات النقدية، 1994، الكويت، وجائزة البتاني للقصة القصيرة، 1996، سوريا.
عذراً التعليقات مغلقة