بعد الوصول إلى خط النهاية لابد من معرفة الواصلين وكيف وصلوا، ومن تعثر في الطريق ولماذا. في العودة إلى بداياتها في سوريا، كانت “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عبارة عن مجموعات متناثرة، ولا نستغرب من وجود تخطيط مسبق لوجود هذه المجموعات في أماكن محددة من دون غيرها؛ رغم أن بعض هذه الأماكن كانت محاصرة بشكل كامل من قبل قوات النظام، إضافة إلى وجود فصيلين على الساحة هما “الجيش الحر” و”جبهة النصرة”، ورغم أن الظاهر كان يدل على قبول كل طرف بوجود الآخر والتعاون، إلا أن ما كان يخرج من أقوال وخاصة من عناصر “دولة الإسلام “- الذين في معظمهم قد أصبحوا في مجال القيادة فيما بعد- يؤكد وجود خلاف كبير يصفونه بالعقائدي وخاصة مع “الجيش الحر”، لكن الأظافر في ذلك الوقت كانت قصيرة ولا يمكن خلق عداء لا يمكن التصدي له.
ورغم أن نشأة “التنظيم” تعود إلى عام 2004 بقيادة “أبي مصعب الزرقاوي”، مبايعاً أسامة بن لادن، لكن تواجده ونشاطه كان يقتصر على الأراضي العراقية بعد الاحتلال الأمريكي لها، وبما أن وجود التنظيم في العراق لم يكن مرئياً، لكنه بفعل هجماته على المعسكرات الأمريكية أو حتى العراقية تمكن من تشكيل خطر كبير لا يمكن الاحتياط منه، ومع خروج مساحات كبيرة من قبضة النظام السوري وجد التنظيم فرصة مثالية لتوسيع نشاطه، وحتى أواخر عام 2011 كان التنظيم يتفادى الظهور بشكل علني أمام الناس، وخاصة أن معظم عناصره كانوا من المهاجرين أو بعض من أطلق النظام سراحهم من سجن صيدنايا لذلك كان عددهم قليل، فتركز عملهم في تلك الفترة على جذب الناس من خلال إشباع حاجاتهم ورغباتهم الدينية المفقودة، فكان أول من بدأ يناصرهم الأشخاص ذوو التعليم المتدني فوجدوهم أكثر الناس استجابة للتواصل معهم والقبول بكل ما يتلقونه منهم من دون مناقشة.
وبدأ إصدار الفتاوى أسهل من شرب الماء، و ربما كان أول خطأ يرتكبونه هو التركيز على الأمور الظاهرية وتشكيل هؤلاء المنتسبين الجدد حسب ما يرونه مناسباً لوجودهم في تلك البيئة، لكن ذلك انعكس سلباً على محيطهم بسبب تصرفات هؤلاء ونمو بذور الكراهية لكل من يخالفهم؛ التي زرعوها فيهم.
الخطوة الأولى التي خطاها التنظيم بعد أن استكمل استعداداته عدة وعدداً كانت ابتلاع باقي المجموعات المسلحة التي تتشارك معها الأرض، وكان طبيعياً أن تنحسر هذه المجموعات أمام التنظيم، ليس لضعفها بل لعدم اقتناعها بضرورة قتالهم، فكسب التنظيم بذلك مساحات كبيرة وفصائل جديدة، فأصاب قادة التنظيم الغرور، وبدأت بوادر التمرد تظهر عليهم حتى على قادتهم. ويمكن أن يكون هذا ما أعطى القرار بإنهائه من الدول التي سهلت تمدده وازدياد نفوذه، وخاصة الدول المجاورة لسوريا إضافة لأمريكا.
إلا أن هروب “تنظيم الدولة” إلى الأمام كان على حساب فصائل الثوار، وهذا ما أتاح للنظام السوري استرجاع مناطق واسعة، ثم تركزت كل من الجهتين ( التنظيم _ الثوار) في منطقتين في الشمال الغربي والشمال الشرقي لسوريا، وأصبح كل من يريد التدخل ضد ثورة الشعب السوري يجعل من “داعش” شماعة لتنفيذ مآربه، وخاصة إيران التي تعد حتى الآن الرابح الأكبر من وراء استخدام الناحية الدينية محركاً لشعور الانتقام الشيعي.
الخسائر الكبيرة والمتسارعة التي لحقت “بتنظيم الدولة” أظهرت كم كان التنظيم فارغاً من الداخل، وخاصة القادة والعناصر الذين اعتمد عليهم؛ والدليل على ذلك حجم الخيانات والهروب الجماعي للقادة، فخلّف ذلك صدمة كبيرة لمناصريه الذين وقعوا في المصيدة التي رسمت لهم لتكون محرقة لمكون بشري كبير لم تميز بين النساء والأطفال وكبار السن، ومن نجا منهم لن يكون حاله أفضل بل سيكون عليه أن يتحمل مسؤولية كل ما فعله التنظيم بمجمله، ولن يجد هؤلاء من يبرر لهم جهلهم وعاطفتهم التي قادتهم إلى ذلك.
عذراً التعليقات مغلقة