شكل الانسحاب المفاجئ وغير المتوقع للقوات الأمريكية من المناطق التي كانت تحت حمايتها، ضربة موجعة للأكراد، خاصةً أن المنطقة بدأت تشهد تصاعداً في الأحداث، وظهر الأمر كما لو أنه تنفيذ صفقة متفق عليها بين أمريكا وتركيا وفرنسا وإيران وروسيا.
تدّعي أمريكا أن إنسحابها جاء بعد إتمامها مهمتها في القضاء على تنظيم ’’داعش‘‘، إلا أن المشهد لا يدل على ذلك، خصوصاً أن الانسحاب جاء في وقت بدأت تتجه فيه التحركات الدولية، وتحركات نظام الأسد وتصريحاته، إلى تلك المنطقة.
ويتوهم البعض أن الانسحاب قد يكون تحضيراً لشيء أكبر أو أسوأ، وهذا قد يكون وارداً في حال كانت أمريكا قد سحبت كامل قواتها، إلا أن الأمر حتى الأن لا يبدو انسحاباً كاملاً، بل ربما اقتصر على سحب بعض الجنود من مواقع ليست ذات أهمية، خلافاً لما ادعته روسيا ونظام الأسد، فاكتسب الأمر غموضاً لا يمكن معه الجزم بوقوع الحدث من عدمه، ويمكن القول إن الرئيس دونالد ترامب نفسه لا يستطيع إنهاء الجدل حول ذلك.
ولو سألنا أنفسنا ماذا كانت تعمل أميركا في الشمال، وماذا استفادت أو ماذا خسرت من وجودها هناك، ربما نستطيع أن نتفهم سبب الانسحاب إن وجد.
إذا كان ترامب يتذرع بخوفه على الاقتصاد الأمريكي والنفقات الكبيرة للقوات الأمريكية، فهنا يجب أن نتساءل ما إذا كانت الولايات المتحدة هي من تدفع هذه النفقات. وإن كان الجواب كذلك بالفعل، فهل يحدث هذا من دون مقابل؛ حيث أنه لا وجود لمثل هذا الاحتمال في سياسة الدول الرأسمالية.
وبالنسبة إلى زيارة الرئيس السوداني عمر البشير، فهل لعبت دول الخليج دوراً في هذه الزيارة؟ قد تظهر زيارة البشير لرأس النظام السوري إعادة لتفعيل العلاقات بين النظامين، ولكن مع دولة مترنحة داخلياً ومنعزلة خارجياً كالسودان، ومع رئيس منبوذ دولياً كالبشير، يمكن أن تكون الزيارة وسيلة لجس نبض الشارع الدولي، وتمرير بعض الرسائل إلى بقية الدول الخجولة من المبادرة.
أما من وجهة نظر آخرين، يتعلق الأمر بدول الخليج ورغبتها في سحب البساط من تحت تركيا، خاصةً بعد توتر علاقاتها مع السعودية، وطموحات تركيا بالتوسع، ولذلك بدت الحاجة ملحة لتشكيل محور مواز لقوة تركيا بإمكانيات عربية.
يربط البعض أمر الانسحاب بالتوغل الإيراني شرقي سوريا، خاصةً في ظل المباشرة التي تنتهجها ’’إسرائيل‘‘ ضد أي محاولة من قبل إيران لتوفير أسلحة فتاكة لمليشياتها في وسط وجنوب سوريا، وهذا ما قد يدفع إيران لتحويل مسارها ونشاطها إلى شمالي البلاد.
ولكن لماذا قد تتنازل الولايات المتحدة عن مواقعها لصالح عدو سياسي كإيران؟ ربما كان الأمر فخاً يستهدف وقوعها في مواجهة مباشرة مع تركيا، باعتبار أن الخروج من سورية ليس وارداً في جدول إيران، فمشروعها ليس اقتصادياً كبقية الدول، بل هي جاهزة للتخلي عن مصالح عدة في سبيل السماح لها بملء أي فراغ تتركه روسيا أو أمريكا.
وحتى الآن لا يوجد سيناريو واضح، فالخيارات مفتوحة، و قد نرى تعاوناً روسياً كردياً، أو ولادة جسم جديد متفق عليه ليكون بديلاً عن الأكراد، لكن من الواضح أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين روسيا وأمريكا وتركيا ستتضح معالمه خلال الأشهر القادمة.
عذراً التعليقات مغلقة