ياسر محمد – حرية برس
تعقدت المواقف وتسارعت ردود الأفعال بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سحب جميع القوات الأميركية من سوريا (شرق الفرات) فوراً، وشروع تلك القوات بالرحيل فعلياً كما أعلنت وزارة الدفاع (البنتاغون)، وصدرت أبرز المواقف عن حلفاء واشنطن الأوربيين (فرنسا وبريطانيا)، وتركيا، وروسيا، و”إسرائيل”، وكذلك “قسد” التي بدت أكبر المتضررين من هذا الانسحاب، وفيما يلي نستعرض أبرز المواقف:
الموقف الأوروبي
استنكرت حليفتا واشنطن الرئيستين في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، فرنسا وبريطانيا، قرار الرئيس الأميركي بالانسحاب من سوريا فوراً، وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، اليوم الخميس، إنه “لم يتم محو داعش بشكل كامل بعد ولا القضاء على جذوره”، مؤكدة مواصلة فرنسا مهامها القتالية ضد التنظيم، حيث توجد قاعدة فرنسية قرب هجين في ريف دير الزور تشارك في ضربات مدفعية ضد عناصر التنظيم وتجمعاته بين الفينة والأخرى.
من جانبها اعتبرت بريطانيا أن “تنظيم الدولة” لا يزال يمثل تهديداً حتى وإن كان لا يسيطر على أراضٍ. وأشارت الخارجية -في بيان أمس الأربعاء- إلى أن هذه التطورات في سوريا لا تشير إلى نهاية التحالف العالمي، وقال وزير الدولة توبايس إلوود إنه يخالف الرئيس الأميركي بشدة، وأضاف في تغريدة على تويتر أن “تنظيم الدولة تحول إلى أشكال أخرى من التطرف، وأن تهديده ما زال قائماً”.
ترحيب واستعجال روسي
رحبت روسيا بالقرار الأميركي، واعتبرته يصب في مصلحة “تحقيق تسوية” سورية، إلا أنها طلبت توضيحات حول “المرحلة الجديدة” التي أعلن عنها ترامب، ولم يتضح أي من تفاصيلها.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أمس الأربعاء، إن “موسكو تود أن تفهم ما تعنيه الولايات المتحدة بالمرحلة الجديدة من الحملة في سوريا”.
وأضافت المتحدثة أن “الولايات المتحدة قالت إنها انتقلت إلى مرحلة جديدة، لم يعرف بعد عن ماهية هذه المرحلة الجديدة، لا توجد تفاصيل”.
وكانت موسكو دائماً تتهم واشنطن بالوجود “غير الشرعي” في شرق سوريا، وتطالبها بالانسحاب، لأن وجود القوات الأميركية “يعرقل التوصل إلى حل سياسي” وفق زعم موسكو.
قلق “إسرائيلي”
حاول رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التهوين من تبعات قرار ترامب المفاجئ بسحب قوات بلاده من سوريا، وقال أمس الأربعاء، إن ترامب ووزير خارجيته مايك بامبيو، أبلغاه الثلاثاء بقرار الانسحاب من سوريا، وأضاف نتنياهو، في بيان: “الانسحاب من سوريا قرار أمريكي بالطبع، لكننا سندرس تبعات هذا الانسحاب، وتأثيره على أمن إسرائيل”.
فيما قال مندوب “إسرائيل” الدائم بالأمم المتحدة داني دانون، إن “ما يقلق إسرائيل يتمثل في الوجود الإيراني القائم في سوريا”.
أما الإعلام “الإسرائيلي” فقد اعتبر القرار “صفعة لإسرائيل”، ورأت القناة الإسرائيلية العاشرة أن القرار الأمريكي يشكل “صفعة مؤلمة” لإسرائيل، وأضافت: “ترامب ادعى تحقيق النصر على داعش.. لكن من وجهة نظر إسرائيل، فإن المنتصر الوحيد من هذا القرار هي إيران، كما خسرت تل أبيب البطاقة التي كانت تواجه بها القيادة الروسية”، وهي الوجود الأمريكي.
وتناولت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الخطوة تحت عنوان “غضب من انسحاب ترامب: انتصار لإيران وهزيمة لإسرائيل”. كما وصفت صحيفة “يسرائيل هيوم”، المقربة من نتنياهو، القرار الأمريكي بـ”الخطأ الكارثي”.
وكانت كيان الاحتلال يراهن على الوجود الأميركي في مواجهة مشروع التمدد الإيراني في المنطقة.
تركيا.. المستفيد الأكبر!
رأى محللون ووسائل إعلام عربية وأجنبية، أن تركيا هي المستفيد الأكبر من قرار ترامب، وذهب بعضهم إلى القول بأن القرار جاء بتوافق مع الأتراك، إلا أن مسؤولاً أميركياً كبيراً، قال أمس الأربعاء، إن الرئيسين ترامب وأردوغان لم يناقشا في اتصالهما الأخير موضوع الانسحاب، بل أبلغ ترامب نظيره التركي بالقرار.
وربطت تركيا بين قرار الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من سوريا، وبين شن عملية عسكرية ضد “قسد” وميليشياتها شرقي الفرات.
وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، اليوم الخميس: “أمامنا الآن منبح وشرق الفرات ونعمل بشكل مكثف في هذا الخصوص”، وكانت تركيا أعلنت الأسبوع الماضي، بدء عملية عسكرية ضد “قسد” المدعومة من قبل أمريكا في شرق الفرات.
“قسد”: طعنة في الظهر
أصدرت ما تسمى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بياناً، اليوم الخميس، قالت فيه إن القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا سيكون له أثر سلبي على الحملة ضد “تنظيم الدولة”.
وأضاف البيان أن “المعركة ضد الدولة في مرحلة حاسمة وتتطلب دعماً أكبر لا الانسحاب”، مهدداً بأن “الانسحاب الأمريكي سيسمح بعودة الدولة الإسلامية للظهور”.
وأوضح بيان “قسد” أن “الانسحاب من سوريا سيوجد فراغاً سياسياً وعسكرياً في المنطقة وسيترك شعوبها بين مخالب القوى والجهات المعادية”، دون إيضاح تلك الجهات وإن كان نظام الأسد واحداً منها!.
ويُجمع محللون ومراقبون على أن “قسد” والميليشيات الكردية هي الخاسر الأكبر من الانسحاب الأميركي، وهو ما عبر عنه بالفعل قياديون في “قسد”، فقد نقلت وسائل إعلام عربية عن القوات الكردية قولها إن الانسحاب الأميركي يمثل “طعنة في الظهر، وخيانة لدماء آلاف المقاتلين”.
ونقلت وكالة أنباء “هاوار” الكردية عن “آلدار خليل” المسؤول بحركة “المجتمع الديمقراطي” قوله إن قوات الحماية الكردية بمنطقة شرق الفرات ستدافع عن الأكراد أمام هجمات تركيا أو أي جهة أخرى، بالاعتماد على قوتها الذاتية.
وكانت الولايات المتحدة تدعم وتحمي الميليشيات الكردية الانفصالية التي انفصلت عملياً بمنطقة شرق الفرات، وأعلنت إنشاء إقليم “روج آفا”، حيث قدمت واشنطن الدعم السياسي والعسكري لقوات “قسد”، ما تسبب بخلافات عميقة مع حليفها في حلف شمال الأطلسي (تركيا).
لكن المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون سوريا، جيمس جيفري، عبر في أكثر من مناسبة عن أن الدعم الأميركي للأكراد مؤقت، وقال للصحفيين عقب اجتماع فريق العمل المشترك الثالث التركي الأمريكي في العاصمة التركية أنقرة، بداية الشهر الجاري، إن دعم واشنطن للمقاتلين الأكراد تكتيكي ومؤقت، وأضاف: “الولايات المتحدة تجري تدقيقاً أمنياً من خلال وفائها بالتزامها بمغادرة المسلحين الأكراد منبج، وعدم وجودهم ضمن المجالس المحلية والموظفين العسكريين المحليين هناك”.
تخبط داخلي ودولي
واللافت أن النظام لم يصدر أي بيان أو تعليق رسمي، لحد اللحظة، على القرار الأميركي، كما لم يصدر موقف رسمي عن منصات المعارضة المختلفة.
وقد تباينت مواقف السوريين، وكذلك المحللين، حول مستقبل المنطقة وتأثير هذا التحول الكبير على مسار الأحداث في سوريا عسكرياً وسياسياً، إذ يستعد نظام الأسد مدعوماً بحليفيه الروسي والإيراني للانقضاض على المنطقة، إما بتحالف مع “قسد” أو بدونه، وتذهب معظم الآراء إلى أن “قسد” قد تجد نفسها مضطرة لإبرام اتفاق مع النظام، لمواجهة التهديدات التركية وفصائل المعارضة.
كما تتأهب تركيا لمهاجمة “قسد” والانفصاليين في أي لحظة، وتريد فصائل المعارضة في الشمال السوري استغلال الظرف لاستعادة بعض تلك المناطق شرقي الفرات وحرمان نظام الأسد وحلفائه من السيطرة على ما يصل إلى نحو 30 بالمئة من مساحة سوريا، ما يجعل إدلب ومناطق “درع الفرات” جزراً معزولة يسهل الانقضاض عليها مستقبلاً.
عذراً التعليقات مغلقة