زينب سمارة – حرية برس:
نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أميركيين إن الأمير “خالد بن سلمان” سفير السعودية في واشنطن لن يعود إلى العاصمة الأميركية، التي غادرها يوم الخميس 11 أكتوبر/تشرين الأول، إلى بلاده، بهدف العودة بإجابات بخصوص قضية مقتل جمال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول.
وأضاف المسؤولون إن “السفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، الأمير خالد بن سلمان، قد غادر واشنطن الأسبوع الماضي عائداً إلى الرياض دون أي خطط للعودة، وإنه ليس من الواضح متى سيتم تعيين سفير جديد، أو من سيكون ذلك السفير.
والأمير “خالد ابن سلمان” هو الأخ الصغير لولي العهد “محمد بن سلمان”، كما قامت السفارة السعودية بإلغاء فعالياتها الاحتفالية باليوم الوطني، والتي كانت مجدولة بتاريخ 18 أكتوبر.
ونقلت صحيفة نيويورك الصادرة من واشنطن، إن السعودية كانت يوم الاثنين في طور التحضير لتوضيح جديد لمصير الصحفي السعودي المعارض، لتخرج بادعاء مقتل خاشقجي داخل السفارة السعودية باسطنبول، قبل أسبوعين، خلال الاستجواب، ما زاد الموقف السعودي صعوبة، وفقاً لإفادة مصدر (رفض الكشف عن اسمه) على دراية كافية بخطط المملكة السعودية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، كرر “ترامب” مراراً خلال مؤتمر صحفي له، إن “خاشقجي” قد كان ضحية عناصر مارقة.
إن هذا التغير في الرواية السعودية يخالف تفاصيل أخرى للجريمة تم الإعلان عنها مؤخراً، بما في ذلك الأدلى على كون “خاشقجي” قد قتل وقد قطعت أعضاؤه، إضافة إلى ما تناقلته شخصيات رسمية تركية حول وجود طبيب تشريح بين الـ15 عميل سعودي الذين سافروا إلى اسطنبول وغادروها يوم اختفاء خاشقجي، وأن الطبيب قد شوهد حاملاً عظمة خلال مغادرته السفارة.
بغض النظر عن مدى صحة هذا الادعاء، فقد بدا أنه محاولة لتخفيف وقع الأزمة السياسية التي تواجه المملكة السعودية على إثر اختفاء “خاشقجي”، كما إن من شأن هذه الرواية تهدئة والتخفيف من نقد إدارة “ترامب” التي رفضت التنازل عن صفقة أسلحة مع المملكة السعودية تقدّر ببلايين الدولارات، إضافة إلى نيتها المعلنة لحضور منتدى استثماري سعودي الأسبوع القادم، كما قد تساعد على تخفيف غضب تركيا ذات النظام الاقتصادي المتأرجح عن طريق تقديم الرياض قروضاً مالية بفائدة بسيطة.
أما أصدقاء “خاشقجي” إلى جانب عدد من المحامين المختصين في مجال حقوق الإنسان وبعض أعضاء الكابيتول، فقد نفوا هذه الرواية جملةً وتفصيلا، مشيرين إلى أن المسؤولين السعوديين قد أنكروا مقتل “خاشقجي” لمدة أسبوعين، بما في ذلك تأكيدات ولي العهد “محمد بن سلمان” الأسبوع الماضي، وتصريحات الملك نفسه يوم الاثنين.
وفي تغريدة على تويتر، قال السيناتور “كريستوفر مورفي” النائب الديموقراطي عن ولاية كونيتيكت، إن تداول النظرية السخيفة حول مقتل خاشقجي على يد “عناصر مارقة” هي نظرية قد تتبناها السعودية لحل هذه القضية، مضيفاً إنه لمن الغريب استخدامهم لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية كمسؤول علاقات عامة لتمرير هذه النظرية إلى الجمهور المتابع.
وكان “ترامب” قد أجرى مكالمة هاتفية مع الملك “سلمان” يوم الإثنين، واستمرت المكالمة لعشرين دقيقة، لكن “ترامب” قد نقل لوسائل الإعلام عدم معرفة الملك “سلمان” بما حصل مع “خاشقجي” وهو كاتب في صحيفة “واشنطن بوست” وناقد لسياسات ولي العهد.
وقال “ترامب” خلال مؤتمر صحفي له قبيل زيارته لمناطق في جورجيا وفلوريدا اللتان دمرتا بفعل إعصار مايكل “لقد تبادر لذهني أن من قام بالعملية هم قتلة متمردون، لا أحد يدري!”، وقال أيضاً إنه قد أخبر الملك سلمان بأن العالم يراقب الأحداث، ويتناقل الأخبار وإنه من المهم إخماد ذلك بحل القضية، وقد نقلت دائرة الأخبار السعودية جانبا آخر من المحادثة بين الزعيمين، حيث أثنى “ترامب” على التعاون بين الدولتين التركية والسعودية في التحقيق في قضية اختفاء “خاشقجي”.
وقد قال مسؤولون أتراك إن “خاشقجي” قد قتل وقطعت أعضاؤه بعد اختفائه في السفارة السعودية باسطنبول قبل أسبوعين، وفي مطلع هذا الأسبوع، يوم الاثنين تحديداً.
بدوره أفاد مصدر مطلع وعلى دراية بخطط الحكومة السعودية (رفض الكشف عن اسمه) إن “خاشقجي قد قتل عن طريق الخطأ خلال الاستجواب الذي جاء بناء على طلب مسؤول في المخابرات السعودية وهو من أصدقاء ولي العهد”، مضيفاً إن “الأمير محمد بن سلمان قد أصدر موافقته على قرار الاستجواب أو إجبار خاشقجي على العودة إلى السعودية مكرهاً، لكنه هذا الشخص قد أضاف إن مسؤول المخابرات السعودي المذكور قد بالغ في محاولات إثبات قدراته الاستخباراتية واضطر لإخفاء فشله في أداء مهمته”.
بدوره وصف صديق خاشقجي (عزام التميمي) رواية “العناصر المارقة” بالكارثية مؤكداً إنها ستؤثر حتماً على مصداقية الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، قائلاً قد سرب الأتراك معلومات كثيرة حتى أصبح من الصعب تصور أنهم سيرضون بأقل من الحقيقة لأخبارها للعالم” بحسب تميمي الذي التقى خاشقجي في موعد غداء بلندن قبل يوم واحد من اختفائه.
كان لاختفاء خاشقجي أثر واسع، فقد ذهل الإدارة الأمريكية، وشوش المواطنين السعوديين، وأنعش سمعة “ترامب” العالمية، وهدد أولوليات في صلب السياسة الخارجية لإدارة “ترامب” التي أرسلت وزير الخارجية “مايك بامبيو” إلى الرياض أمس الإثنين للقاء الملك سلمان.
وتعليقاً على هذا قالت “هيذر ناورت” المتحدة الرسمية باسم وزارة الخارجية، إن “تحديد ما حصل لجمال خاشقجي أمر في غاية الأهمية بالنسبة للرئيس”.
وعلى إثر حادثة خاشقجي، قامت جهات دبلوماسية وجهات بكسب تأييد في واشنطن بفك علاقتها بالحكومة السعودية، فقد تخلت يوم الإثنين كل من مجموعة جلوفر بارك صاحبة العقد المقدر ب 150 ألف دولار للشهر الواحد مقابل تمثيل المملكة العربية السعودية، ومجموعة BGR صاحبة العقد المقدر ب 80 ألف دولار شهرياً، عن علاقتهما بالمملكة، وفقا لأشخاص على دراية بموقف المجموعتين، إضافة إلى مجموعة هاربر التي سارت على خطاهما الأسبوع الماضي.
وقد أعرب مستشارون مقربون من الأمير “محمد ابن سلمان” عن صدمتهم من الإدانة العالمية لهم بالتسبب باختفاء خاشقجي، وقد عملت هذه الإدانة على بناء قناعة لدى الأوساط الغربية بأن الأمير الذي مول حرب اليمن وأوصلها إلى نقطة المأساة الإنسانية، والذي فرض حصاراً على قطر، والذي اعتقل مجموعة من القامات السعودية مقابل المال، والذي استغرق أسبوعين للخروج بتفسير منطقي لمصير خاشقجي، لا يستحق أن يكون أميراً.
بدوره قال “جيرالد فيرستين” مسؤول العلاقات الحكومية ومسؤول السياسات والبرامج لدى مؤسسة الشرق الأوسط وسفير الولايات المتحدة السابق لدى اليمن، على ما ذكر سابقاً حول عم أهلية ولي العهد للحكم، قائلاً إن “كثراً في واشنطن قد توصلوا لاستنتاج بأن ليس على الولايات المتحدة الأمريكية التعامل مع هذا الرجل”.
وقد عمم وزير الطاقة السعودي بتصريح له يوم الأربعاء الماضي، ذكّر فيه صحفيي واشنطن بأن المملكة السعودية قد كانت مصدر الطاقة للعالم لمدة طويلة، وتسائل عمّا إذا كان المجتمع الدولي سيحترم ويعترف بما قدمته المملكة السعودية له حتى الآن.
في غضون خمسة أيام من اختفاء خاشقجي بتاريخ 2 أكتوبر، ادعى مسؤولون استخباراتيون أتراك بشكل سري، إنهم قد تمكنوا من الحصول على دليل على أن الصحفي قد قتل داخل السفارة، لكن هذا الدليل لم يخرج إلى النور، لتتوقف تلك الادعاءات بعد زيادة مفاجئة في التواصل عالي الدرجة بين تركيا والسعودية.
وقد كانت هناك تخوفات لدى الاستخابارت الأمريكية ومسؤولين دبلوماسيين، من أن الأتراك قد استخدموا حجة الدليل كمحاولة ابتزاز واستغلال للحصول على قروض من السعوديين.
وقال مسؤول أمريكي كبير سابق الأسبوع الماضي، إن الاستخابارات الأمريكية كانت قد اعترضت سابقاً محاولات اتصال بين مسؤولين سعوديين لمناقشة خطط لإعادة خاشقجي إلى أراضي المملكة السعودية ومن ثم احتجازه، مضيفاً إن هذه الاختراقات قد عرضت الأسبوع الماضي على أعضاء مجلس الشيوخ كمواد سرية ومصنفة من المستحيل السيطرة عليها.
ومن غير المحتمل تماما محاولة تسليم خاشقجي دون علم القادة السعوديين بذلك، أما بالنسبة لإدارة ترامب، فإن قضية خاشقجي تهدد أهم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، فقد كرر ترامب أنه لا يريد إضاعة ما يقدر ب 110 بليون سيكسبها في صفقات أسلحة مع السعوديين، وأنه يريد التأكد من نية الرياض زيادة إنتاجها من النفط حتى لا تسبب العقوبات المفروضة على النفط الإيراني ارتفاعاً مفاجئة لأسعار النفط.
وقال “ترامب” في وقت سابق إن هذا المرحلة لن تؤثر على العلاقات الأمريكية السعودية، التي تعتبر حليفاً مقرباً في الشرق الأوسط، لكن ترامب قد كان يواجه في الوقت ذاته ضغوطات من بعض أعضاء الكونغرس لفرض عقوبات على المملكة العربية السعودية.
لطالما كانت علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالسعودية علاقة تتسم بالتوازن الدقيق، إذ تؤخذ فيها الاعتبارات الاقصادية بالحسبان، كالنفط وصفقات السلاح وتأثيرها على سجل السعودية بشأن حقوق الإنسان.
كان وزير المالية الأمريكي، ستيفت مانوتشن، قد أعلن نيته حضور مؤتمر للمستثمرين في الرياض هذا الشهر والذي من المتوقع أن يكون الأمير محمد أحد المتحدثين فيه، وعلى الناحية الأخرى، قامت شركات أمريكية عديدة كانت قد عقدت النية لحضور المؤتمر، بما في ذلك صحيفة نيويورك تايمز، بالانسحاب من المؤتمر منذ إعلان اختفاء خاشقجي بالطريقة المتداولة.
يذكر أن خاشقجي قد انتقل للعيش في واشنطن بعد أن بدأ الأمير سلمان بقمع حركات مكافحة الفساد في البلاد، ومحاولاته إخماد صوت المعارضين، ومنهم خاشقجي، وهو أحد أشهر الشهخصيات الإخبارية الإعلامية في المملكة السعودية وأحد المقربين من عدد من الملوك والأمراء.
عذراً التعليقات مغلقة