أحمد زكريا – حرية برس
“تمرد الميليشات الإيرانية” على قوات نظام الأسد والميليشات التابعة لتلك القوات، وحالةٌ من التوتر والاستنفار العسكري، هو العنوان الأبرز لما تشهده مدينة “البوكمال” بريف دير الزور الشرقي وعدد من المناطق الأخرى بالريف ذاته.
وأرجعت مصادر إعلامية وشبكات توثيق تعنى بتغطية الأوضاع الميدانية في المنطقة الشرقية سبب تلك التطورات إلى اندلاع اشتباكات بين ميلشيا تابعة لنظام الأسد وميلشيا “فاطميون” التي تتبع لإيران، الأربعاء الماضي، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بين الطرفين، ما دفع بالنظام لفرض حالة من حظر التجوال في عموم المدينة على خلفية تلك المواجهات الداخلية.
خلاف على تقاسم المسروقات والنفوذ
الناشط الإعلامي “علي الديري” قال في حديثه لحرية برس: إن الاشتباك الذي دار في مدينة البوكمال بين تلك الميليشات أدى لمقتل نحو 25 عنصراً من الميليشات التابعة لنظام الأسد، مرجعاً السبب إلى خلاف على النفوذ وتقاسم المسروقات في الريف الشرقي لدير الزور.
وأضاف “الديري” أن هذه المواجهات ليست الأولى من نوعها بل سبقها اشتباكات اندلعت، قبل أسبوع، في بلدة “بقرص” بريف دير الزور الشرقي بين قوات النظام و”مليشيا لواء القدس” الإيرانية حول فتح “المعابر المائية، مؤكداً أن الاشتباك الأبرز حدث في مدينة “البوكمال”.
بداية الشرارة من “الميادين”
وكشفت شبكة “فرات بوست” الإعلامية لحرية برس عن أن بداية تلك الأحداث كانت من مدينة “الميادين” بالريف الشرقي لدير الزور، بعد أن دارت مواجهات بين ميلشيا الدفاع الوطني ودرع الأمن العسكري من جهة و ميليشا لواء القدس الإيرانية من جهة أخرى أدت لمقتل 5 عناصر من كلا الطرفين عند الفرن الرئيسي.
وقال “صهيب الجابر” المتحدث الرسمي باسم شبكة “فرات بوست”: إن الأحداث انتقلت إلى مدينة البوكمال بعد قيام عناصر من ميلشيا تابعة لنظام الأسد بالسيطرة على أجزاء من أحياء “الجمعيات، والمساكن، والصناعة” والتي تتبع حسب التقسيم للميلشيات الإيرانية، مشيراً إلى تطور الأمور واندلاع اشتباكات بين تلك الأطراف أسفرت عن سقوط قتلى من الطرفين بينهم ضابط إيراني.
وتابع “الجابر” قائلاً: مع تسارع الأحداث عقب تلك المواجهات وصلت تعزيزات من الحشد الشعبي العراقي والحرس الثوري الإيراني من مدينة “الميادين والقائم” وقامت باستعراض عسكري في مدينة “البوكمال” وبدأت السيارات تجوب شوارع المدينة، ومن ثم قامت الميليشيات الإيرانية بالهجوم على مقرات الميليشيات التابعة للنظام وقتلت أكثر من 25 عنصرًا منهم، في حين ردت تلك الميليشيات باستخدام “الهاون” وقصف “حي الجمعيات” الذي يعتبر المقر الأكبر للميليشيات الإيرانية.
ولفت “الجابر” الانتباه، إلى أن سبب تجدد الاشتباكات بين تلك الأطراف هو طلب قيادات الحرس الثوري الإيراني من قوات الأسد الانسحاب من المدينة بشكل كامل، مرجحاً أن تتصاعد الأمور مع إصرار الميلشيات الإيرانية على خروج الميلشيات التابعة للنظام من مدينة “البوكمال”.
تعدد المرجعيات زاد من حدة الخلافات
“جلال الحمد” مدير “منظمة العدالة من أجل الحياة” تحدث لحرية برس عن تلك التطورات في مدينة “البوكمال” مبيناً أن كافة الميليشيات المتواجدة في عموم محافظة دير الزور لا سلطة لنظام الأسد عليها كون كل ميلشيا لها مرجعية خاصة بها تتبع لها، الأمر الذي يزيد من حدة المواجهات فيما بينها.
وقال “الحمد”: منذ أن بدأت الميليشات الإيرانية تتواجد في دير الزور فإن نظام الأسد لا سلطة له عليها، في حين أن القوى العسكرية المتواجدة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في دير الزور لا يوجد مرجعية واحدة لها، فعلى سبيل المثال الميليشات الإيرانية لها مرجعية والقوات والميليشات التابعة للنظام لها مرجعية والقوات الروسية لها مرجعية، وهذا كله سبب في العديد من الاصطدامات فيما بينها خصوصاً بين الميلشيات، باستثناء القوات الروسية وجيش النظام حيث لم يتم تسجيل أي مواجهات فيما بين عناصرها الأساسيين.
منطقة استراتيجية هامة
وأشار “الحمد” إلى أن سبب هذه الاشتباكات، هو الرغبة في مد النفوذ والحصول على أكبر قدر ممكن من مناطق السيطرة على حساب القوى العسكرية الأخرى التي هي شكلاً حليف لها، مضيفاً أنه وبالنسبة لمدينة البوكمال ومحافظة دير الزور عموماً فإن لها خصوصيةً بالنسبة للنظام ولحليفه الإيراني لأنها تقع على الحدود السورية العراقية، كما أن محافظة دير الزور تشكل خط وصل ما بين المناطق السنية في العراق والمناطق السنية في سوريا لذا فهناك رغبة إيرانية بالسيطرة عليها منذ سنة.
وتابع: إن الميليشات التابعة لإيران وحزب الله وغيرها من الميليشات تريد أن تفرض سيطرتها وسطوتها على المناطق الحدودية، وفي نفس السياق الذي تحدث به الاشتباكات في مدينة دير الزور ومناطق أخرى تحدث في مدينة البوكمال ومحيطها، وما جرى مؤخرا في البوكمال ليس جديدًاً أو مفاجئاً على الاطلاق فهناك اشتباكات تحدث في مدينة البوكمال بين فترة وأخرى بين تلك الميليشيات.
ولفت إلى أنه لا يمكن تحديد من هي تلك الميليشات التي تتواجد في عموم محافظة دير الزور، كون عددها ليس بالقليل، كما أن هناك ميلشيات جديدة تأتي باستمرار لمدينة البوكمال وتفتح لها مكاتب أو مقرات في المدينة، سواءٌ تابعة لإيران او لحزب الله.
وأوضح “الحمد” أنه حتى الآن فإن هذه الاشتباكات بين ميلشيات إيران وميلشيات النظام ماتزال “موضعية” ولم تتطور أكثر مما هي عليه الأن، مضيفاً أنه عندما تكون هناك اشتباكات كبيرة يتم عقد اجتماعات ما بين مرجعية تالك الميليشيات لاحتواء تلك الاشتباكات وايقافها.
“داعش” يستغل قتال الميليشات فيما بينها لشن هجماته
وبالتزامن مع تلك الاشتباكات ما بين الميليشات التابعة لنظام الأسد وإيران، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، يوم الجمعة الماضي، على قرى “السيال وحسرات والبكعان” غربي مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي، بعد اشتباكات مع قوات النظام والميلشيات الداعمة لها، كما شن التنظيم هجوماً على منطقة “هريبشة” ومدينتي “القورية والعشارة” في الريف ذاته.
وفي هذا الصدد قال الناشط الإعلامي “علي الديري”: إن تنظيم داعش استغل هذا الخلاف وعبر نهر الفرات وقام بالسيطرة على عدة قرى هي (السيال، وحسرات، والبكعان) ثم انسحب منها في صباح اليوم التالي جراء القصف الجوي.
في حين قال “صهيب الجابر” الناطق باس شبكة فرات بوست: إن تنظيم “داعش” استغل الوضع بهجوم على معقل ميليشيا “لواء فاطميون” في ريف البوكمال وأسر أربعة عناصر منهم ودمر دبابة وقتل ثلاثة عناصر آخرين وانسحب إلى البادية.
بينما رأى “جلال الحمد” مدير “منظمة العدالة من أجل الحرية” أن تنظيم داعش يشن هجمات مباغتة انطلاقاً من بادية دير الزور وهي بادية كبيرة جداً، وبالتالي فإن داعش يعرف كيف يتحرك في هذه البادية كونه وخلال فترة سيطرته على محافظة دير الزور عمل كثيراً على توفير مخابئ وأماكن يستطيع اللجوء إليها في بادية الزور، لذا فهو يشن هجمات انطلاقاً من تلك البادية.
وأضاف: ليس من السهل على قوات الأسد وميلشياتها التابعة لها ولإيران أن يشتبكوا معه في هذه البادية لأنه لا يوجد الأعداد الكافية لديهم لمثل هذه المعركة، لذا فإن التنظيم يشن هجمات على “البوكمال والميادين” وما حولها، وغالباً ما تكون تلك الهجمات الليلية يستخدم فيها داعش عدد قليل من العناصر يسميهم “الانغماسين” ويقومون بالتسلل واستهداف حاجز أو نقطة معينة تابعة للنظام، وسط اشتباكات تدور بين الطرفين لعدة ساعات ومن ثم يقوم هؤلاء الانغماسيون بالانسحاب.
عذراً التعليقات مغلقة