أحمد زكريا – حرية برس
تعتبر “الجسور” التي كانت متواجدة في مدينة الرقة وريفها، قبل تدميرها وتضررها جراء القصف والغارات من قبل الطيران الروسي والتحالف الدولي، ذات أهمية كبيرة بالنسبة للرقاويين، كونها تشكل صلة الوصل بين المدينة وأريافها الشمالية والجنوبية.
كما يصف أهالي المدينة تلك الجسور بأنها “قلب الرقة وشريانها النابض”، إلا أنه وبتوقف هذا القلب عن العمل، تغدو الحياة المعيشية والحالة الاقتصادية والحركة التجارية غير مستقرة بل أنها تغدو سيئة للغاية.
“الجسور” في مرمى نيران الروس والتحالف الدولي
“محمد الصالح” الناطق الرسمي باسم “صفحة الرقة تذبح بصمت” قال في تصريح لحرية برس: إن جسور مدينة الرقة وريفها تعرضت لأكثر من عملية قصف وغارات جوية، وفي أواخر 2014 ومع بداية العام 2015، تعرضت لقصف من الطيران الروسي والذي أصاب أجزاءً من جسري “الرشيد والمنصورة” لكن تم ترميم الأضرار واستمرت الجسور بعملها.
ولم يكن تدمير الجسور مقتصراً على الهجمة العسكرية بالطيران الحربي الروسي، بل كانت تلك الجسور على موعد مع الغارات والقصف من قبل طيران التحالف الدولي الذي دمر عدداً منها أيضاً، كما أدت تلك الغارات إلى تضرر شبكات المياه وقطعها عن المدينة بكاملها، جراء استهداف “الجسر القديم” في أوائل شهر شباط/ فبراير 2017.
يقول “الصالح”: إنه ومع بدء التحالف الدولي عملياته العسكرية منتصف 2015، بدأ باستهداف الجسور الواقعة بريف الرقة الشمالي والتي تربط مركز المدينة وريف المركز بالريف الشمالي، بهدف إعاقة التحركات العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ما أدى لدمار ما نسبته 90% من الجسور، وقد حاول تنظيم “داعش” مراراً ترميم الجسور للاستفادة منها بمراحل لاحقة، لكن دائماً ما كان يتم استهدافها بشكل متعمد من قبل التحالف الدولي.
وأضاف:” ركز التحالف الدولي خلال استهدافه مدينة الرقة على الجسور التي تربط مدينة الرقة بشمالها، في حين لم تكن العمليات العسكرية تستهدف الأجزاء الجنوبية، مشيراً إلى أنه وفي حوالي الشهر السابع تم استهداف جسور “المنصورة والرشيد ومعدان” ولم يبق سوى “سد المنصورة، وسد الفرات” للتنقل، إلا أن أحداً من المدنيين لم يتمكن من الاستفادة من تلك السدود للعبور على جانبي نهر الفرات بسبب تلغيم تلك السدود من قبل تنظيم “داعش” بشكل كبير.
“الجسور” صلة الوصل بالنسبة للرقاويين
وأبرز ما يميز محافظة الرقة وجود نوعين من الجسور، أولها التي تقع على نهر الفرات وتشمل جسور “الرشيد، والمنصورة، ومعدان”، والنوع الآخر الجسور المتواجدة عند أقنية الري الزراعية وعددها نحو 50 جسراً.
ويشير “الصالح” إلى أهمية الجسور الواقعة على نهر الفرات كونها تربط بين ضفتي نهر الفرات، كما أنها أداة ربط ما بين ريف الرقة الجنوبي ومركز مدينة الرقة بالمناطق الشمالية، يضاف إلى ذلك وجود سدّين: “سد الفرات وسد المنصورة” واللذين يستفاد منهما في التنقل بين جانبي نهر الفرات.
ويُوصف ريف الرقة الجنوبي بأنه “سلة المحافظة الزراعية”، ومع تهدم الجسور وخروجها عن الخدمة وبقاء تلك السلة في واد وسكان مدينة الرقة في وادٍ آخر نظراً لانقطاع صلة الوصل بينهم، الأمر الذي أثرّ بشكل سلبي على حياة الأهالي اقتصادياً وغذائياً، بحسب “الصالح”.
“البركة” أو العبّارات بديل الرقاويين عن الجسور
وعلى الرغم من تدمير الجسور وانعكاسها بشكل سلبي على حياة الأهالي، إلا أنهم لم يعدموا الوسيلة لإيجاد البدائل التي تمكنهم من عبور ضفتي نهر الفرات، في تحدٍ واضح لكل المخاطر ولظروف المعيشة القاسية.
وفي هذا الصدد يشير “الصالح” إلى لجوء السكان للاعتماد على العبّارات أو ما يطلق عليها “البركة” للتنقل بين جانبي النهر، يضاف إلى ذلك السفن الصغيرة، موضحاً أن “البركات” عبارة عن سفن كبيرة تستخدم لنقل السيارات الكبيرة الحجم، كما أنها مخصصة لنقل بضائع قد تصل حمولتها لنحو 10 طن.
ولفت الانتباه، إلى أن الوسيلة الوحيدة لعبور نهر الفرات هو “سد الطبقة” أو سد “الفرات”، في حين أن “سد المنصورة” لا يزال يشهد عمليات ترميم مستمرة نظراً لوجود أنفاق كبيرة داخل جسم السّد، وبالتالي من المستحيل الاستفادة منه لعبور نهر الفرات، مرجحاً في الوقت ذاته أن تنتهي أعمال الترميم خلال الأسابيع القليلة القادمة.
ويبعد “جسر المنصورة” نحو 30 كم عن مدينة الرقة، وفي حال تم ترميمه وإصلاحه فإنه سيخفف الكثير من الأعباء عن الأهالي ريثما يتم ترميم باقي الجسور، بحسب “الصالح”، الذي أكد أن ترميم الجسور هو أهم مطلب للأهالي بعد المياه، وفي حال تم ترميم الجسور فإنها تسهل من عودة النازحين من أهالي الرقة المنتشرين في أرياف الرقة وفي المخيمات.
الجسر “الجديد” والجسر “العتيق”
يرتبط موضوع “الجسور” ارتباطاً وثيقاً بذاكرة أهالي الرقة كونها تنقل صورة الماضي والحاضر بالنسبة لهم التي تعتبر متأصلة وراسخة في عقول وقلوب كل الرقاويين، ويعد الجسرين “القديم والجديد” من أهم تلك الجسور على الإطلاق.
وتفيد مصادر محلية، بأن “الجسر الجديد” تم بناؤه في ستينيات القرن الماضي، في حين أن “الجسر العتيق” فتم بناؤه في العام 1942، وله مكانة كبيرة في قلوب الأهالي منذ قديم الزمان.
“أبو مايا” عضو شبكة “اعلاميون بلا حدود” والتي تغطي أخبار الرقة وريفها، قال لحرية برس: بالنسبة للجسور فهي كثيرة في عموم الرقة وأغلبها تربط أرياف الرقة بالمدينة، والكل تضرر من قصف التحالف الدولي الذي سعى من خلال قصفه الجسور لعزل الريف عن المدينة.
وتابع: يوجد في المحافظة 5 جسور هامة ومنها: “جسر تشرين” و “جسر المنصورة” ويربط الريف الغربي بالمدينة، بالإضافة إلى “جسر الجلاب” الذي يربط الريف الشمالي بالمدينة وخصوصاً “تل أبيض”، مضيفاً أن أهم الجسور على الاطلاق هي “الجسر القديم” و“الجسر الجديدة” والذي هو مدخل ومخرج المدينة للمحافظات السورية الأخرى.
ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والأساسية
بعد تدمير الجسرين ارتفعت أسعار الخضروات وأسعار أي شيء يدخل الرقة، فعلى سبيل المثال أغلب الخضروات تأتي من منطقة “الكسرات” التي تبعد 4 كم عن المدينة، إلا أنه وبسبب تدمير الجسور يضطر التجار وأصحاب السيارات للذهاب إلى مدينة “الطبقة” التي تبعد 50 كم عن محافظة الرقة، وبذلك يضطر التجار لرفع أسعار كافة السلع، بحسب مصادر محلية.
يقول “أبو مايا”: إن موجة الأسعار طالت أجور نقل البضائع والمدنيين عبر ضفتي نهر الفرات، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الزوارق المائية والعبّارات.
ووافقه بالرأي “محمد الصالح” الذي أشار إلى أن غالبية المواد الغذائية ومواد الحديد والاسمنت، جميعها تأتي من ريف الرقة الجنوبي باتجاه مركز المدينة، وحتى حركة المرور، وبالتالي فإن تعطل الجسور يؤدي لرفع التكاليف وأسعار كافة المواد.
قلق يراود أصحاب “العبّارات”
وبات من الملاحظ أن نقل المدنيين بين ضفتي نهر الفرات بات المهنة الرئيسة لغالبية السكان في محافظة الرقة، نظراً لانتشار البطالة وقلة فرص العمل، وهذا الأمر جعل أصحاب تلك العبارات المائية و”البركات” لا يرغبون بترميم الجسور، كون الأمر سيتسبب لهم بخسائر فادحة.
وكشف “الصالح” أنه وبالفترة الحالية هناك حالة تملل بين أصحاب السفن التي تنقل السيارات، وفي حال تم إصلاح الجسور فإنها ستسبب لهم بمشكلة اقتصادية كبيرة، كون كل مركب تبلغ تكلفته 50 مليون ليرة سورية، وفي حال تم إصلاح الجسور فإنه لن يكون لهم أي دور وستتعطل مصالحهم، على حد تعبيره.
بينما أشار “أبو مايا” إلى أن عمليات الترميم قد تتأخر بالفعل، مرجعاً السبب إلى عدم توافر الإمكانيات والقدرات والخبرات والموارد، لافتاً إلى أن مليشيا “قسد” حاولت مراراً وتكراراً إصلاح ما دمره التحالف إلا أنه وحتى تاريخ اليوم ما تزال الجسور-التي بناها الفرنسيون في وقت سابق- مُدمرة.
في حين، قال “الصالح”: إنه حتى اليوم لا شيء واضح بالنسبة لعمليات ترميم الجسور، كما أن مجلس الرقة المدني الخاضع لقسد يعمل على اصلاح “الجسر القديم” ولكنه لم ينتهي من عمليات الترميم كونها تحتاج إمكانيات مادية وهندسية وهي غير متوفرة، وفي حال تمت انجاز عمليات الترميم فإنها ستكون لتنقل المشاة المدنيين، وبعض الدراجات النارية، والسيارات الصغيرة.
عذراً التعليقات مغلقة