حرية برس
أصدرت مجموعة من الشخصيات السورية وثيقة فكرية سياسية تهدف لإطلاق حوار سوري جاد لإنضاج (المشروع الوطني السوري)، طرحوا فيها مجموعة من القضايا أهمها اللحظة السياسية الراهنة، داعين إلى مراجعة المسار السياسي الماضي بشكل نقدي، ونقطة الانطلاق نحو سوريا المستقبل، وقضية التنوع والاندماج الوطني.
وشارك في إعداد الوثيقة كلّ من أحمد برقاوي، جاد الكريم الجباعي، حازم نهار، خضر زكريا، زكي اللبابيدي، عبد الباسط سيدا، عبد الله تركماني، ماجد كيالي، محمود حمزة، ميشيل كيلو، ويوسف سلامة، تحت عنوان “رؤية إلى واقع ومستقبل سورية”.
وفيما يلي نص الوثيقة كاملاً كما اطلع عليه “حرية برس”:
وثيقة فكرية سياسية أعدّها مواطنون سوريون بهدف إطلاق حوار سوري جاد لإنضاج (المشروع الوطني السوري)، وهم: أحمد برقاوي، حازم نهار، خضر زكريا، زكي اللبابيدي، عبد الباسط سيدا، عبد الله تركماني، ماجد كيالي، محمود حمزة، ميشيل كيلو، يوسف سلامة.
أولاً: اللحظة السياسية الراهنة.. المشكلات والفرص
ثانياً: المسار الماضي.. مراجعة نقدية
ثالثاً: سورية التي نريد
أ- نقطة الانطلاق: فكرة جامعة جديدة
ب- الجامعة السورية/الوطنية السورية الجامعة
ج- مبادئ أساسية
رابعاً: قضية التنوع والاندماج الوطني
خامساً: المرحلة الانتقالية والحل المنشود
1- مبادئ أساسية في المرحلة الانتقالية
2- المرتكزات القانونية والتقنية للمرحلة الانتقالية
3- العدالة الانتقالية بوصفها مدخلًا إلى المصالحة الوطنية وبناء النظام الديمقراطي
أولاً: اللحظة السياسية الراهنة.. المشكلات والفرص
فشلت مفاوضات جنيف وجولاتها المتعددة في إقرار السلام والانطلاق في طريق الانتقال السياسي، بحكم سياسات النظام وايران، وسياسات روسيا العسكرية ورهاناتها الاستراتيجية، وخيارات واشنطن الانكفائية، وضعف المعارضة السورية وتشتتها، ما أفقد لقاءات جنيف أي رابط بالتفاوض على حل سياسي، وابتكرت روسيا مقاربات تفاوض التفافية/ تخديرية تجسّدت في لقاءات أستانا وما تبعها من تعزيز الحل الأمني/ العسكري الزاحف، والتهام مناطق المعارضة المسلحة واحدة بعد أخرى، وسط جهد عسكري روسي نوعي يؤكد استحالة الحل السياسي، الذي تعلن موسكو كذبًا تمسكها بحتميته، بينما تدمر فرصه ومقوماته بأكثر الصور منهجية وعنفًا، بالتعاون مع إيران وحزب الله ومرتزقة العراق وأفغانستان وأوزبكستان وباكستان … إلخ، ومساندة عصابات التعفيش الأسدية التي توقفت منذ وقت طويل عن حمل عبء القتال، واقتصر دورها على قتل وإذلال وسرقة السوريين، وتأييد حرب الروس لاختلاق شعب آخر في سورية، بواسطة عمليات إبادة كتلك التي كثيرًا ما مارسها الاحتلال الأجنبي في المستعمرات الثائرة.
تشير مجريات الحوادث أن العالم لا يوافق على انفراد موسكو بالحل، وأنه لا حل في صورة أمر واقع روسي، ولا إمكان لحل روسي بالتحالف مع إيران والتعاون مع تركيا وتجاهل الغرب ومصالحه. الحل دولي له طرفان: روسيا والغرب، وإذا كان يراعي مصالح إيران وتركيا، فإنه لا يمكن أن ينجز معهما وبهما فقط. كذلك، لا حل تمليه انتصارات الروس والإيرانيين، الحل دولي وتمليه القرارات الدولية وموازين القوى بين روسيا وأميركا وأوروبا.
تقف بلادنا اليوم أمام خيارين هما: تفاهم دولي حول حل سياسي يتخطى القضية السورية، لا شك في أن بلوغه سيكون معقدًا ومتشعبًا، من جهة، وبالمقابل، حقبة من الصراع السياسي/ العسكري المباشر بين القوى العظمى، بدأ الاستعداد له يتخلق في التحالف الغربي الذي أعلن عن وجوده بالضربة العسكرية، وبما يدور من نقاشات بين أقطابه حول الحل السياسي في سورية، في مواجهة التحالف الروسي الإيراني، الذي تتعاون تركيا معه، لاعتقادها أنه هو وحده الذي سيقرر حصتها في سورية، مع أنها قد تبدل موقفها إذا ما تغيرت علاقات القوى بين روسيا والغرب، أو جرى تفاهم بينهما، في حين سيزداد احتماء إيران بموسكو، في الوقت الذي تقدم فيه إغراءات جدية للثانية كي تتخلى عن الأولى، وتتزايد رغبة طهران في توسيع انتشارها السوري إلى مناطق خفض التصعيد ،وتلك التي يمسك بها مسلحون إسلاميون ومعارضون، لاعتقادها أن هذا يجعل وضعها السوري متينًا وقادرًا على منحها قوة تفاوضية جدية، وأن انتشارها العسكري الواسع يعزز عوائدها من التسوية الدولية، أما نظام الأسد فهو تابع اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لسيديه الروسي والإيراني، اللذين سيقرران مصيره، ولن يسمحا له بالتلاعب، علمًا بأن إنقاذه اليوم لا يعني إطلاقًا الحفاظ على رئيسه مستقبلًا، وإن إعادة إنتاجه تمثل استحالة يصعب تخطيها بقدرتيهما في ظل انخراط غربي في المعضلة السورية، وفي ظل ما قدمه السوريون من تضحيات تجعل عودة النظام القديم، الذي قوضته الثورة، واستقرار سورية والعرب وبلدان الإقليم مسألة صعبة التحقق.
أما في ساحة المعارضة، فقد “الائتلاف الوطني” وظائفه التي وضعها لنفسه منذ زمن، وفقد القسم الأعظم من تأييده الدولي والإقليمي والعربي، وصار موضوع انتقاد حتى بالنسبة إلى تركيا: الدولة التي تحتضنه، وفشل فشلًا ذريعًا في الحصول على دعم داخلي يحتوي بواسطته تراجعه الدولي والعربي في المكانة والدور، وعجز عن التحول إلى مرجعية ملزمة للفصائل المسلحة، التي وصلت بدورها إلى الانحدار والتفكك، وفقد معظمها ما كان له من علاقة إيجابية بالشعب والثورة. وأصبحت الوظيفة الوحيدة للائتلاف هي منع تكوين تمثيل بديل له يتولى قيادة الساحة السورية، محتجزًا عملية بناء قيادة سياسية لثورة تتعثر، بينما تحتجز الفصائل، في الوقت نفسه، فرص بناء جيش وطني سوري من بين شروط قيامه تلازمه مع نهوض شعبي ثوري وتعبئة وطنية عامة.
إزاء ذلك كله، هناك مهمتان رئيستان يتحتم علينا إنجازهما، يعبر عنهما السؤالان التاليان:
1- ما الذي ينبغي فعله لاستعادة ثورة الحرية والحراك المجتمعي السلمي، على الرغم من ظروف التشتت والتمزق التي يعيشها شعبنا، والتراجع السياسي العسكري الذي تعيشه مؤسساته التمثيلية وفصائله، وما الأدوات الضرورية لذلك، والخطط والأساليب التي تعيننا على تحقيق هذا الهدف ؟
2- ما المواقف التي يجب اتخاذها على المستوى الإجرائي، لاعتماد سياسات صحيحة تخدم المستوى الأول وتعبر عنه، وتتكفل بإفشال الخطط القائمة على إنقاذ نظام الأسد، وتدمير وطننا، واستعماره لنصف قرن، باتفاق مع نظام نزعت الأمم المتحدة شرعيته عام ٢٠١٣ بالقرار رقم ٢٦٢/٦٧، ومثلها فعلت جامعة الدول العربية، فيما بعد ؟
في الحقيقة، لا بدّ من إعطاء أولوية مركزية للإطار الفكري/ السياسي الضروري لبناء قيادة وطنية تستطيع استعادة ثورة الحرية كرهان مجتمعي، من دون التخلي عن واجبنا في التصدي السياسي اليومي لما يواجه وطننا من أخطار خارجية معادية، وداخلية تنتمي إلى الثورة المضادة.
لا شك في أن ذلك يبدأ من إطلاق عملية تمكين قوى التيار الديمقراطي لاحتلال مكانة حقيقية في سورية المقبلة، بحيث تكون له القدرة على تمثيل مصالح قطاعات وازنة من الشعب في ساحة السياسة العامة والحزبية، على أن يجري تركيز الجهد في هذه المرحلة على بناء توافق بين مختلف تمثيلات المجال السياسي والحزبي حول انتقال ديمقراطي تدريجي، منظم وممرحل زمنيًا، ما يتطلب ضرورة إعادة إحياء النخب والحامل المجتمعي الديمقراطي، وتوحيدها.
لا يوجد اليوم خيار أفضل من الخيار الديمقراطي، بل ليس هناك أي خيار آخر غيره، إذا ما أخذنا في الحسبان حال الانهيار الذي أصاب قطاعي المعارضة السياسي والعسكري، وبدل تبديلًا جذريًا وضعها، بعد تهميش الفئات التي أطلقت ثورة الحرية، وتشتيت وتفتيت الحامل المجتمعي، الذي نزل إلى الشوارع دعمًا لها. ثمة حاجة للتأكيد أن عملنا يجب أن يستهدف كل سوري بغض النظر عن جنسيته ووضعه الاجتماعي ولغته وعقيدته ومذهبه وعمله … الخ، وأن علينا الانطلاق من حقيقة جوهرية هي أن نقص الاندماج المجتمعي لعب دورًا خطيرًا في ما عاشته الثورة من انزياحات قاتلة، ومكن نظام الأسد من التلاعب بولاءاتنا الدنيا والجزئية، وتحويلها إلى تناقضات أحدثت صدوعًا فككت شعبنا، ونقلت الصراع بينه وبين قتلته إلى احتراب داخله.
لا بدّ أيضًا من متابعة التطورات الدولية، والعمل ليكون لنا دور فيها، من خلال شروعنا في تكوين بيئة سياسية / تنظيمية متقدمة تعزِّز عملية إعادة السوريين إلى رهانات ثورتهم الأولى، بحيث نستطيع إقناع الفاعلين الدوليين والإقليميين أن تحقيق مصالحهم يرتبط بموافقتهم على حقوق شعبنا، وفي مقدمها زوال الأسدية أشخاصًا ونظامًا، وبناء سورية ديمقراطية، حرة وعادلة، لحمتها وسداها المساواة وحكم القانون والكرامة الإنسانية.
ثانياً: المسار الماضي.. مراجعة نقدية
من المهم في كل لحظة إجراء تقويم نقدي للثورة السورية ومساراتها؛ فالثورات التي لا تنتقد ذاتها، وتصحّح مساراتها، تنحرف أو تضيع أو تتبدّد طاقاتها وإنجازاتها. فقد واجهت ثورتنا مشكلات وصعوبات داخلية وعوائق ذاتية وتدخلات خارجية، ما أدى إلى استنزافها، وتبديد قواها، وحرفها عن مساراتها.
أما العوامل التي دفعت إلى ذلك، فيمكن اختصارها في العوامل الآتية:
أولاً، انتهاج النظام العنف المدمر ضدّ شعبه، كما تفعل قوى الاحتلال الأجنبية.
ثانياً، إشراك إيران وميليشياتها الطائفية المسلحة، ثم روسيا، في الصراع ضد شعبنا.
ثالثاً، تخاذل المجتمع الدولي في حماية شعبنا على الرغم من استخدام النظام الطائرات والقصف بالبراميل المتفجرة وبالكيماوي، للقتل وتدمير العمران وتشريد الملايين.
رابعاً، طول أمد الثورة، واستعصاء أحوالها، وتهتّك قواها، ما أدى إلى تفجر التناقضات والانشقاقات والخلافات في صفوفها، وتعذّر توليد مركز قيادي أو مرجعية مؤسّسية لها، في السياسة والعسكرة، لقيادة الشعب وصوغ إجماعاته الوطنية.
خامساً، تلاعب بعض الدول بالثورة، إن بتوظيفها وفقًا لأجنداتها السياسية، أو بدفعها لانتهاج أشكال من الصراع أعلى من قدراتها، كما في محاولاتها صوغ كياناتها وخطاباتها السياسية، بما يمكنها من السيطرة عليها، أو التحكّم في تأثيراتها.
سادساً: استغلال تيار الإسلام السياسي في صوره المتطرفة لظروف وتعقيدات مسار الثورة، ما أدى إلى أخذ الثورة بعيدًا من الأهداف التي رسمتها لنفسها، وغرق قطاع كبير من الديمقراطيين السوريين في رهانات خاطئة على قوى العسكرة والتطرف الإسلامي.
ويمكن تبيّن الديناميات التي أدت إلى هذا الوضع في الجوانب التالية:
1- احتلال الصراع العسكري مشهد الثورة، وانحسار أشكال النضال السلمية والشعبية، ما أظهر الصراع وكأنه بين النظام وفصائل مسلحة، ما سهّل للنظام استخدام القوة المفرطة والأسلحة الثقيلة، واستدعاء أشكال مختلفة من التدخل الخارجي، بعد أن أطلق حله العسكري الأمني في بداية الثورة.
هذا أدى، في المقابل، إلى تصعيد الصراع المسلح إلى مستويات فوق مستوى قدرة الشعب على التحمل، وإلى مستويات لم تكن الفصائل العسكرية مهيأة لها، من ناحية بناها أو إمكانياتها، ولم تنتقل إليها بطريقة متدرجة، بخاصة بحكم انتهاجها سياسة تحرير المناطق. وما فاقم من مخاطر كل ذلك إحلال فصائل عسكرية تتغطى بـ”الإسلام”، مدعومة من الخارج، محل “الجيش الحرّ”، الذي أسسه المنشقون عن الجيش النظامي، وغياب استراتيجية عسكرية واضحة، وتخبّطها، أو فشلها، في إدارة المناطق التي سيطرت عليها، وانتهاكها الحريات فيها، ونمط خطاباتها المستندة إلى مضامين دينية وطائفية متعصبة ومتطرفة واقصائية. وقد ثبت أن معظم تلك الفصائل لم تكن تمثل مصالح السوريين، بقدر تمثيلها مصالح الداعمين، والارتهان لسياساتهم، ثم إنها لم تستطع حماية المناطق التي كانت في حوزتها، ولا الاحتفاظ بها، بل إنها سايرت مسار أستانا، وقامت بانسحابات غير مفهومة من كثير منها، ما يعني أن مسار العسكرة كان هو ذاته مسار استبعاد الشعب من إطار الصراع، وهو ذاته مسار الاعتماد على الخارج والارتهان لأجنداته وتوظيفاته.
2- إخراج الشعب، أو أغلبيته، من معادلات الصراع، ولعل هذا هو التطور الأكثر خطورة الذي شهدته الثورة السورية، وهو أمر ما كان ليحصل لولا اعتماد النظام مبدأ تدمير البيئات الحاضنة للثورة والمتعاطفة معها، وتدفيعها أثمانًا باهظة، إن بتحويلها إلى حقل رماية لبراميله وصواريخه، أو بفرضه الحصار المشدد عليها، أو بتشريد سكانها، وهو ما لم توله المعارضة ما يستحقه من اهتمام، ولم تدرك معانيه ومخاطره. وبديهي أن المعارضة المسلحة تتحمل جزءًا من المسؤولية عن ذلك إن بطريقتها السلطوية في إدارة المناطق التي وقعت تحت سيطرتها، أو برفعها مستويات الصراع العسكري إلى مستويات أعلى من قدرتها، ما حوّل القضية السورية أكثر فأكثر إلى قضية إنسانية أو قضية لاجئين فحسب.
3 – إزاحة الثورة عن مقاصدها أو خطاباتها الأساسية المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، والانتهاء من نظام الاستبداد، في مقابل التركيز على جانب واحد هو إسقاط النظام، وإحلال نظام آخر، مع كل ما ترتب على ذلك من بلبلة وخيارات متناقضة، أضرت بإجماعات السوريين وثقتهم بشعبهم وثورتهم، حتى لم يعد يُعرف ما إذا كانت الثورة سياسية وديموقراطية أو طائفية ودينية.
4- سيطرة اعتقادين واهمين، أولهما، اعتقاد القوى المهيمنة في المعارضة بإمكان حصول تدخل خارجي من أي مستوى لمصلحة الثورة وإسقاط النظام، وقد عزّز هذا الاعتقاد التصريحات الأميركية والتركية بخاصة. وفي الحصيلة، تعرض السوريون، على هذا الصعيد، لإنكار منقطع النظير، إذ لم تفعل الدول المشجعة شيئًا لتجنيب السوريين الأهوال التي تعرضوا لها، حتى على مستوى وقف القصف والتدمير والتشريد، بل إنها سمحت بدخول إيران وروسيا إلى جانب النظام في الصراع ضد شعبه. وفي الواقع فإن هذا الوهم قاد إلى ثلاث مسائل خطيرة، أولاها، التعويل على الخارج والارتهان لأجنداته وإهمال الداخل، وضمن ذلك عدم التعويل على الشعب.وثانيتها، تصعيد العمل المسلح بطريقة غير محسوبة أو مدروسة وبما يفوق الإمكانيات. وثالثتها، انحسار البعد الداخلي للصراع، بتآكل طرفيه الأساسيين (النظام والمعارضة)، لمصلحة القوى الدولية والإقليمية، مع ما صحب ذلك من تلاعبات وتوظيفات في الوضع السوري.
وثانيهما، الاعتقاد بحتمية انتصار الثورة دفعة واحدة (ما يذكّر بمآلات ما يسمى «ساعة الصفر» و «ملحمة حلب» مثلًا)، وما أعقب ذلك من تعسكر وتمذهب وأوهام مؤذية صدرت عن عقليات قدرية ورغبوية لا علاقة لها بالسياسة أو بموازين القوى، علمًا أنه، وفقًا للتجارب التاريخية، لا توجد حتميات، فالثورات قد تنتصر أو تُهزم، كما قد تنحرف عن مقاصدها أو تتم السيطرة عليها، كما يمكن أن تحقق أهدافها بطريقة تدريجية أو جزئية.
بناء على ذلك، فإن كيانات المعارضة السياسية والعسكرية والمدنية الرسمية أخفقت في الحفاظ على سلامة مسار ثورتنا، وهو ما يمكن ملاحظته في المجالات الآتية:
أولاً، عدم التمسك بأهداف الثورة ومقاصدها الأساسية، بوصفها ثورة وطنية ديمقراطية لشعبنا بمختلف مكوناته الدينية والمذهبية والإثنية والمناطقية، وبوصفها ثورة قامت للتحرر من نظام الاستبداد والفساد، وإقامة دولة مؤسسات وقانون لمواطنين أحرار ومتساوين في نظام مدني (لا ديني ولا طائفي ولا عسكري)، يفصل بين السلطات، ويأخذ بالديمقراطية وتداول السلطة والعدالة في الحكم.
ثانياً، فشل الجهد الرامي إلى بناء كيان سياسي جبهوي جامع، تعترف الأطراف التي تشكله ببعضها بعضًا، بمشتركاتها واختلافاتها، وتجتمع على هدف الثورة الأساسي، بغضّ النظر عن الخلفيات الفكرية، وبعيدًا عن العصبيات الأيديولوجية أو الهوياتية أو الدينية، وذلك لمصلحة كيان مغلق، ومرتهن، وغير قادر على تمثيل أغلبية السوريين ولا أغلبية مكونات الثورة السورية.
ثالثاً، غياب التيار الوطني الديمقراطي، أو ضعف تمثيلاته، على الرغم من وجود شخصيات تعبر عنه، إلا أن مشكلتها أنها لم تشتغل ككتلة أو كتيار، بسبب تغليبها خلافاتها الشخصية والسياسية، على مشتركاتها.
رابعاً، طوال الفترة الماضية ظلت أغلبية شعبنا هي المغيّب الأكبر عن كيانات المعارضة، السياسية والعسكرية، وحتى من دون أي أشكال أو شبكات تتوسّط بينهما، سواء في الداخل والخارج، هذا يضعنا أمام مهمة ملحة، تتعلق ببذل الجهد لإنشاء كيانات أو ممثليات شعبية في الداخل والخارج بالآليات الديمقراطية.
خامساً، عدم مقاربة المسألة القومية، خاصة الكردية، بوصفها جزءًا من الثورة الوطنية الديمقراطية في سورية، بعيدًا عن الارتهانات الإقليمية، والتزامًا بحل المسألة الكردية والقومية الخاصة ببقية مكونات الجماعة الوطنية السورية حلًا عادلًا، يضمن الاعتراف بحقوق المواطنة المتساوية للكرد كأفراد، وبحقوقهم الجمعية والقومية، كشعب، في إطار الوطن السوري.
سادساً، عدم اشتغال قوى الثورة والمعارضة حتى الآن على عقد مؤتمر وطني جامع يضم القوى الرافضة للاستبداد، المؤيدة للخيار الوطني الديمقراطي كخيار نهائي لسورية الجديدة، وصوغ برنامج سياسي تتبناه وتلتزمه مرجعيةً تقرر في ضوئها مواقفها الوطنية المشتركة والجامعة، وإن اختلفت قراءاتها السياسية.
هذه مراجعة نقدية موجزة للمسارات التي مرت بها الثورة السورية، الأمر الذي يضع القوى المعنية أمام مسؤولياتها في استنباط الدروس الناجمة عنها، والسعي لترشيد مسار الثورة، بخطاباتها وبناها وأشكال عملها.
ثالثاً: سورية التي نريد
أ- نقطة الانطلاق: فكرة جامعة جديدة
سيظل البعد الحضاري الإنساني صفة مميزة للثورة السورية، على الرغم من كل التشوهات التي لحقت بها، مثل الصور المختلفة للأسلمة وما اقترن بها من صور الاستتباع العسكري والسياسي للأطراف الاقليمية والدولية. فمعظم هذه النتائج السلبية راجع إلى الجهد المنظم لقيادة النظام في دمشق وحلفائه الإيرانيين الذين أغرقوا البلاد بميليشيات شيعية متخلفة لم تلبث أطراف أخرى أن أنتجت ميليشيات سنية لا تقل تخلفًا عن نظيرتها الشيعية، وذلك كله يعني أن (الأسلمة) –مهما كانت صورتها- لا تزيد عن كونها قشرة أريد لها أن تكون بديلًا من المضمون الحضاري والإنساني الذي يميز الثورة السورية.
وعلى الرغم من كل المحاولات الرامية إلى تلطيخ سمعة (الثورة السورية) ودمغها بوصمة الإرهاب من جانب النظام وحلفائه، فقد استطاعت الثورة أن تقدم إنجازات عظيمة، لم ينتبه إليها كثير من المحللين والمراقبين، ومن ثم لم تحظ بما تستحقه من الإبراز والتحليل.
ومن الممكن القول إن الإنجاز الأكبر للثورة السورية سيظل متمثلًا في كشفها عن أن (الفكرة الجامعة) التي فرضها النظام على الشعب السوري بالحديد والنار قد شاخت وماتت، حتى ليتعذر على أي عاقل أن يدعو إلى أن تحكم سورية والسوريين بها من جديد.
وأما الإنجاز الثاني فهو إعادة السياسة إلى الشعب السوري بعد أن كانت حكرًا على السلطة الحاكمة التي هشمت وهمشت الدولة والمجتمع طوال نصف قرن.
ويتمثل الإنجاز الثالث بالإلحاح على ضرورة الانتقال السياسي إلى نظام جديد يتجاوز النظام السوري القائم بكل استبداده وديكتاتوريته. وفي هذا الإطار لا تشير المناقشات المتعثرة حول الانتقال السياسي إلا إلى شيء واحد هو موت الأفكار التي حكم بها النظام سورية من جهة، وإلى تجاوز وعي السوريين عمومًا لهذه الأفكار من جهة أخرى.
ومن المهم أن نبين أن تركيز المناقشات حول مفهوم (الانتقال السياسي) وحول (الدستور الجديد) يشير إلى أن المجتمع الدولي، إلى جانب السوريين، مجمع على أن النظام السياسي السوري وطريقته في الحكم قد أصبحت متناقضة مع الوقائع الجديدة التي خلقتها الثورة السورية. وليس ثمة ما يعوق اليوم تحقيق الانتقال السياسي وصوغ الدستور الجديد إلا المزاد العلني الذي جعل النظام بموجبه سورية رهينة لمصالح القوى الإقليمية والدولية، برجاء إبقائه في السلطة نظير ما يتنازل عنه من سيادة وطنية ومواقع جغرافية.
على الرغم من الصعوبات كلها التي تواجهها فكرة الانتقال السياسي، فإن الجميع يعترفون بالحاجة الملحة إلى استحداث (فكرة جامعة جديدة) تسمح للسوريين بأن يحكموا أنفسهم وفقًا لمثل مستمدة من المبادئ الديمقراطية والحرية السياسية والعدالة الاجتماعية المتوافقة مع القانون الدولي، والمراعية لمواثيق حقوق الإنسان. وهذا يشير إلى ضرورة أن يسرع السوريون إلى استجماع الدلالات والمعاني والوقائع التي أبدعوها في ثورتهم، وصياغة ذلك كله في منظومة فكرية وسياسية تكون قادرة على عقلنة الحياة ضمن أنماطها وقيمها الجديدة. وما هذه المنظومة، في الحقيقة، إلا ما نطلق عليه في هذا السياق مصطلح (الفكرة الجامعة) التي ستتأسس عليها الجمهورية السورية.
وفي ضوء ذلك كله، يصبح من واجب السوريين الانخراط في إنتاج الأفكار التي من شأنها أن ترسم سبل العيش المشترك المفضي إلى مستقبل يتسم بالاستقرار السياسي والاقتصادي والتنمية المستدامة في الصعد كلها. وليس من شك في أن هذا الأمر مشروط بتبني آليتين لا بد منهما في كل عمل سياسي، ولكل توافق اجتماعي، وهما (الحوار والإجماع).
ولذا يبدو أن أي تقدم في الحياة السورية قد أصبح مشروطًا بنجاح الحوار في ما بين السوريين الذي لا بد أن يفضي إلى إجماع سوري واسع نسبيًا، والذي سيشكل ضمانة كبرى لاستقلال سورية ووحدة أرضها وشعبها بمكوناته وأطيافه كلها في وجه كل الضغوط الوافدة من خارج الإقليم أو الساحات الدولية.
ب- الجامعة السورية/الوطنية السورية الجامعة
الجامعة السورية هي تحول جذري صريح من الأيديولوجيات الإمبراطورية –المتمثلة في الجامعة الإسلامية والجامعة العربية والجامعة البروليتارية- إلى إنتاج (مواطنة سورية) أو (وطنية سورية) أو (جامعة سورية) نحاول من خلالها، بوصفنا سوريين، أن نبني وطنًا موحدًا قويًا وعادلًا ومنصفًا وقادرًا على توحيد أبنائه جميعهم بإثنياتهم المختلفة ودياناتهم المتنوعة وطوائفهم المتباينة. الجامعة السورية هي إذن الوطنية السورية الجديدة التي تستهدف تنمية الوعي السوري بذاته بوصفه وعيًا وطنيًا يجمع بين العرب والكرد والسريان والأشوريين والتركمان والأرمن والشركس وغيرهم. ولا يستهدف الوعي السوري التقريب بين الإثنيات ذوات الثقافات المختلفة، واحترامها فقط، بل التقريب أيضًا في ما بين جميع المنتسبين إلى الديانات والطوائف السورية، بما تتخذه الجامعة السورية من موقف محايد منها جميعًا، وبالوقوف على مسافة واحدة منها جميعًا، ومن دون أن تكون معنية بمناقشة أي من الجوانب العقائدية واللاهوتية التي تخص أي دين أو طائفة.
تتميز الجامعة السورية من غيرها من الأفكار والأيديولوجيات المطروحة على الساحة السورية، من جهة أولى بأنها تستهدف ترسيخ الديمقراطية، أسلوبًا في الحكم وطريقة في العيش للمجتمع السوري، وبمعنى آخر إن الديمقراطية هي جوهر الجامعة السورية وماهيتها. ومن جهة ثانية تنطوي الجامعة السورية على قدر كبير من الاتساق مع روح العصر والانسجام مع متطلبات الحياة ومع جملة الوقائع والقيم التي خلقتها الثورة السورية. نعني بذلك أن هذا المفهوم يستجيب بصورة بناءة للمقتضيات الأساسية التي تسمح للسوريين –شريطة النجاح في التوصل إلى صورة من صور الإجماع السياسي حولها – بالشروع في مناقشة أهم المشكلات التي تواجه حاضر الوطن السوري ومستقبله، والعمل بدأب وصبر على استكشاف الحلول الملائمة لها.
ج- مبادئ أساسية
1- الإنسان/المواطن السوري
الإنسان هو معيارُ جميع القيم، وإنَّ احترام حقوق الإنسان هو المبدأُ الرئيسُ المؤسِّسُ للدولة السورية الجديدة، وعليه ينبني مبدأ المواطنة الذي يعني تساوي المواطنين في الكرامة الإنسانيّة وأمام القانون في الحقوق والواجبات من دون أيِّ تمييزٍ بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدِّين أو العقيدة.
أولوية القانون الدولي ومنظومة حقوق الإنسان على القوانين الوطنية، إذ يفترض أن تكون المعايير المعتمدة في البدائل المستقبلية معايير إنسانية عامة، تخرجنا من دائرة السجال حول الخصوصية وما ينجر عنها من نزعات محافظة سلفية وأصولية، ما يعني أن مصادر التشريع مدنية الأساس، لكن تؤخذ في الحسبان المصادر الأخرى؛ فالاحتكام إلى القانون الوضعي لا يلغي حق الأفراد في الاحتكام إلى الأعراف والتقاليد والمرجعيات الثقافية والدينية والأخلاقية، في حيواتهم الشخصية، لأن المجتمع المدني فضاء من الحرية. وهذا وجه من وجوه الاختلاف بين المجتمع المدني الذي يمارس فيه الأفراد والجماعات عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم، وبين الدولة بصفتها “مملكة القوانين”.
مساواة المرأة مساواة كاملة مع الرجل في الحقوق والواجبات؛ وهذه المساواة لا تستقيم إلا بالتساوي في الإنسانية والتساوي في المواطنة، لأن الإنسانية والمواطنة صفتان لا تقبلان التفاوت والتفاضل.
2- الوطنية السورية
الوطنية السورية هي انتماء إلى وطن هو “سورية”، بحدوده الرسمية، حضارته، تاريخه، قيمه ومبادئه، وعليه تشكل هذه الوطنية نسيجًا روحيًا وثقافيًا يستوعب جميع السوريين، من خلال تفاعل وتداخل اجتماعي وسياسي واقتصادي. الوطنية هي رابطتنا الأولى، وجميع الروابط الأخرى هي تحت رعاية هذه الرابطة الجوهرية، وهي مدخلنا إلى العالم، ومدخلنا إلى علاقتنا ببعضنا بعضًا، ومدخلنا إلى مواجهة الأخطار التي تهدِّد مصيرنا. الوطنية السورية هي جسر للتواصل بين أبناء الوطن، وميدان للتفاعل الحي المؤثر مع الخارج، وهي ليست نقيضًا أو بديلًا للانتماء القومي أو الديني أو الطائفي، ولكنها مقدَّمة على غيرها، لأنها تشكل المظلة التي تضمن حماية التنوع الديني والمذهبي والإثني.
لذلك، نؤكد على سمو الرابطة الإنسانية على غيرها من الروابط العرقية والإثنية والقومية، ومن ثمّ سمو الروابط الاجتماعية (الوطنية) على غيرها من الروابط الأولية التي تنسج الجماعات ما قبل المدنية وما قبل الوطنية. بهذا المعنى، فإن العلمانية، منظورًا إليها بمنظار المواطنة المتساوية، شرط لازم لتشكل فضاء وطني عام، وهوية وطنية، ذات نسغ إنساني.
3- الدولة المستقلة والسيدة والمحايدة
استقلال الدولة التام وسيادتها على إقليمها، واستقلال المشروع الوطني الديمقراطي عن سائر التجاذبات الإقليمية والدولية، وللشعب السوري وحده الحق في اختيار نظامه الاجتماعي الاقتصادي ونظام الحكم؛ دولة تقوم على كامل أراضيها ولا تتخلى عن أي جزء محتل منها، وتستخدم الوسائل المتاحة والمشروعة كافة لتحرير أراضيها على اعتبار أن الحقوق الوطنية لا تسقط بالتقادم (استعادة الجولان).
4- الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة الحديثة
التزام المبادئ الفكريّة والسياسيّة والأخلاقيّة التي تتأسَّس عليها الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة الحديثة، خصوصًا مبدأ العموميّة الذي يتجلَّى في الدستور والقانون العام. فالصفة الأساس في الدولة المنشودة هي الوطنيّة/العموميّة، أي أنّ الدولة المستقبليّة هي دولة محايدة إزاء جميع المكونات والانتماءات والأيديولوجيات والأديان، دولة حقوق لا دولة أيديولوجيا من أي نوع، ليست دولةَ فردٍ أو طغمةٍ أو طائفةٍ أو عشيرة أو حزب، بل دولةُ جميع المواطنين، فأيّ نظامٍ سياسيٍّ يستمدُّ شرعيتَه من هيمنة أغلبيّةٍ دينيّةٍ، أو طائفيّةٍ، أو أيديولوجيّةٍ عرقيّةٍ، إنّما يقوّض الديمقراطيّة، وينتهكُ جميع شروط المواطنة المتساوية. وتتركّز الوظيفةُ الأساسيّةُ لهذه الدولة في الحفاظ على طابعها العامّ المشترك، وعلى بقاء جميع مؤسّساتِها مؤسّساتٍ وطنيّة عمومية.
5- الشعب السوري الواحد والحر والسيّد
إنَّ تاريخ سورية هو تاريخ كلِّ التنوُّع الثقافي والسياسي والديني والاجتماعي الغني فيها، وليس تاريخَ عرقٍ بعينه أو دينٍ أو مذهبٍ دون سواه. لكن أمام الدولة السوريّة هناك شعبٌ سوريٌّ، ومواطنٌ سوريٌّ. ومن ثمّ فإنَّ الثلاثيّة المتمثلة بـ: الدولة السوريّة، الشَّعب السوري، المواطن السوريّ، هي أساسُ بناء الدولة الجديدة، ومنطلقُ التعاطي مع أيّ قضايا أو إشكالاتٍ مطروحةٍ على السوريّين. الشعب السوري شعب واحد، تأسّست لحمته عبر التاريخ، وهو حرّ وسيّد على أرضه وفي دولته، ويشكلان معًا وحدة سياسية لا تتجزّأ.
6- النظام الديمقراطي
المعنى العميق للنظام الديمقراطي هو مشاركة جميع المواطنين في القرار السياسي، ولهذا النظام مجموعةٌ متكاملةٌ من العناصر، ومنها مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، ومبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء، وحقُّ المشاركة في الشؤون العامة، واعتبارُ الشَّعب مصدرَ الشرعيّة والسلطات جميعها، واحترامُ حقوق الإنسان، ومبدأ حماية حريّة التفكير والتعبير وحقّ التنظيم، وحريّة الصحافة والنشر، وتأليف الجمعيات الأهلية والنقابات والأحزاب السياسية، وحرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التظاهر والإضراب السلميين، وعدم الاستئثار بالسلطة وتركيزها فى مركزٍ واحدٍ، وتوسيع دائرة اتخاذ القرار في المستويات كافة، فالنظام الجديد يعتمد مبدأ اللامركزية الموسعة، بحيث تقوم على مؤسسات تنفيذية تمثيليّة تدير شؤون المواطنين والتنمية في المحافظات والمناطق المختلفة، بهدف الوصول إلى تنمية مستدامة ومتوازنة وعادلة.
7- السلم الأهلي
التأكيدُ على حُرمَة الدِّماء والممتلكات الوطنيّة العامَّةِ والخاصَّة خارج إطار الدّفاع عن النفس، ونبذُ العُنف بصوره وأشكاله كافة، وإدانتُه الصَّريحةُ القاطعةُ، وتجريمُه وطنيًّا، وإدانةُ التحريض على العُنفِ، أو تسويغه أو تبريره، أو التَّرويج له، أو الدِّفاع عنه، والتّأكيد على التزام الوسائل السياسيّة السِّلميَّة في العمل الوطني العام، وحمايةُ النَّسيج الوطني الواحد من الفتنِ الطائفيّةِ المصنّعةِ والحقيقيَّة، ومن الدَّعوات العُنصُريَّة، ومن كُلِّ ما يُهدِّدُ سلامة الوطن، وتضامن أبنائه، ووحدةَ ترابه.
8- العدالة وتكافؤ الفرص
العدالة تركيب فريد من المساواة والحرية، فلا مساواة بلا عدالة سوى المساواة الصفرية، ولا حرية بلا عدالة سوى للأقوياء والمتسلطين، ممن يمارسون حرية مطلقة (الاستبداد وحده يساوي بين الرعايا مساواة مطلقة، على أنهم لا شيء). وفي المركز من فكرة العدالة تأتي العدالة الاجتماعية بوصفها طريقًا ضروريًا لتقريب الهوة الواسعة بين الفئات الاجتماعية، مع ما تستلزمه من دور حقيقي للدولة في دعم الفئات الهشة في المجتمع.
دولة ذات بنية قانونية ووظيفية تتيح فرصًا متساوية أمام الجميع، وتقوم المفاضلة لشغل الوظائف فيها على مبدأ الكفاءات لا الولاءات، بما يضمن تعزيز الروافع الاجتماعية والوظيفية على أساس تنافسي نزيه يقود إلى الاستثمار في القوى البشرية والمادية، والمستند إلى العلم والتعليم وبناء العقول وتهيئة الكوادر البشرية، ومن ثمّ توطين العقول والتقانة والتهيئة لتنمية اقتصادية وبشرية وثقافية متكاملة.
9- الجيش والأمن الوطنيان
دولة تبني جيشًا وطنيًا على أسس مهنية ووطنية بعيدًا من الولاءات الطائفية والإثنية، يتحدَّد فيها دوره بالدفاع عن الشعب والأرض وكيان الدولة؛ دولة تُدمج فيها الأجهزة الأمنية في مؤسسة واحدة محددّة المرجعيات والمسؤوليات بدقة وخاضعة للمساءلة القانونية على المستويين الشخصي والاعتباري، ويخضع عملها للمراقبة البرلمانية والشعبية، وتنحصر وظائفها بما يضمن حرية المواطن ومنعته وقوته والتي هي الأساس لحرية الوطن ومنعته وقوته واستقلاله.
10- دولة إيجابية في محيطها الإقليمي، وفي العالم
دولة إيجابية في محيطها الإقليمي وفي العالم، تقوم علاقاتها مع محيطها العربي على أساس تكاملي يحقق المصالح الأخوية المشتركة، على اعتبار أن سورية جزء من محيطها العربي وحاضنتها العربية، ويتحدد أفقها الاقتصادي والسياسي ضمنها بخصوصيات هذه الحاضنة؛ دولة تقوم علاقاتها الإقليمية والدولية على مبدأ تحقيق مصالح شعبها بالدرجة الأولى، وتُنشأ هذه العلاقات على أساس من المصالح المشتركة، وعلى مبدأ الندية والاحترام المتبادل، وعلى احترام المواثيق والعهود الدولية، وتلتزم حكومتها با ورثته من اتفاقات وعقود لا تخل بسيادتها ولا تضر بمصالح شعبها، وتعتمد مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة.
رابعاً: قضية التنوع والاندماج الوطني
ثمة ضرورة لتجسيد الاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي والديني، من خلال بناء دولة تقوم في التشريع والممارسة على احترام التنوع والاختلاف وتعزيزه بوصفه مصدر غنى وطني، ومن ثمّ ضمان الحقوق الثقافية والاجتماعية للجميع، ضمن برامج وطنية عامة تعزِّز مفهوم المواطنة الجامع ووحدة المجتمع، والتركيز على المشترك الثقافي كما على جماليات الاختلاف وكونها منبعًا للإبداع والتجديد.
لا تفيد في بناء الوحدة الوطنية، لا عمليات الصهر والتذويب والتمثل، بالإكراه والقسر، ولا عمليات الإقصاء والاستبعاد والتهميش، ولا تتأسس الحقوق القومية المشروعة واقعيًا إلا على الحقوق المدنية والحريات الأساسية ومبدأ المواطنة وسيادة القانون وعمومية الدولة؛ أي على نسيج اجتماعي وطني متماسك محكوم بحقيقة التنوع والاختلاف وبمبدأ الحرية.
إن الروابط الوطنية التي أنتجتها تجربة تاريخية مشتركة يزيد عمرها على قرن من الزمن، وعززها الكفاح من أجل الاستقلال، ومن أجل المساواة والحرية والعدالة، ومناهضة الدكتاتورية والنظام الشمولي التسلطي في سورية، تسمح بالنظر إلى السوريين بوصفهم يشكلون شعبًا واحدًا ونسيجًا وطنيًا متماسكًا على قاعدة الحقوق المتساوية.
1– تشكّل الدّولة الوطنيّة الديمقراطية الحديثة الإطار السياسي والحقوقي الأرقى لتنظيم الحياة العامة في سورية، وسورية المستقبل هي لجميع السوريين على نحو متساو وعادل من دون تفاوت أو تفاضل، والانتماء إلى سورية هو القاسم المشترك بين السوريين، وليس هناك سوري أكثر سوريّة أو أقل من سواه.
2- أيّ نظامٍ سياسي يستمد شرعيتَه من هيمنة أغلبية دينية، أو طائفية، أو أيديولوجية عرقية، إنما يقوّض الديمقراطية وينتهكُ كلَّ نزوعٍ نحو المساواة.
3– تاريخ سورية ليس تاريخ عرق بعينه أو دين أو مذهب دون سواه، بل هو تاريخ كل هذا التنوُّع الثقافي والسياسي والديني والاجتماعي.
4– أمام الدولة السورية المستقبلية هناك شعب سوري، ومواطن سوري: وهذه الثلاثية (الدولة السورية، الشعب السوري، المواطن السوري) هي أساس ومنطلق التعاطي مع أي قضايا أو إشكالات مطروحة على السوريين.
5- حق تقرير المصير: حق تقرير المصير مبدأ اساسي من مبادئ حقوق الإنسان، بما هي حقوق أفراد وحقوق جماعات وأمم وشعوب، وهو ضمانة موضوعية سياسية وأخلاقية للتطور الديمقراطي الذي يوجب أن يكون الانتماء الوطني (=القومي) اختيارًا حرًا لا جبرًا أو اضطرارًا، وهو متصل أوثق اتصال بمبادئ الحرية والمساواة والعدالة، أو لا يكون؛ فلا يجوز تعليقه أو تجزئته في ظل نظام ديمقراطي مستقر، ولا يخضع لاعتبارات أيديولوجية بل ينبغي أن يكون مبدأ من مبادئ العقد الاجتماعي، تعبر عنه المبادئ الدستورية، التي تسن على أساسها التشريعات والقوانين، وتتخذ الإجراءات والتدابير، ولا يجوز أن تبت به سوى هيئة تشريعية منتخبة انتخابًا صحيحًا تستجيب لمطالب المواطنين، وهي التي تقرر مشروعية هذه المطالب، سواء تعلق الأمر باللامركزية الموسعة أو الحكم الذاتي أو الفدرالية على أساس جغرافي. وهنا يصبح الأمر مرهونًا بإرادة المواطنين والمواطنات الكرد وإجماعهم أو ميل أكثريتهم إلى هذا الخيار أو ذاك.
6- واحدة من آليات الاندماج الوطني تتمثل بإلغاء جميع السياسات والمراسيم والإجراءات التمييزية المطبقة بحق جميع المواطنين ومعالجة آثارها وتداعياتها وتعويض المتضررين، وإعلان القطيعة مع الإجراءات العنصريّة والسياسات الإنكارية تجاه الكرد وغيرهم، واستعادة عمومية الدولة وإعادة بناء الثقافة والهوية الوطنيتين على أسس ديمقراطية، وإعادة إنتاج مبدأ المواطنة في العلاقات الاجتماعية والسياسية.
خامساً: المرحلة الانتقالية والحل المنشود
أدى التردّد الدولي في إيجاد حل حقيقي للأزمة السورية إلى دخول سورية في نفق مظلم، وتحولها إلى ساحة صراع إقليمي ودولي. وأدى خيار السلطة العسكري الأمني إلى إطالة أمد الصراع واجتذاب الساحة السورية للتطرف والجهادية.
نؤكد هنا على حل الأزمة السورية حلًا سياسيًا يتيح للشعب السوري أن يقرر حاضره ومستقبله:
1- مبادئ أساسية في المرحلة الانتقالية
أ- أهداف المرحلة الانتقالية
- تأسيس هيئة حكم انتقالي، ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، ومؤسسات مساعدة لها: الحكومة الانتقالية، المجلس العسكري الأمني الانتقالي، المجلس الدستوري الأعلى الانتقالي، مجلس القضاء الأعلى الانتقالي… إلخ.
- إنهاء الصراع المسلح في سورية.
- إنهاء أي وجود أو تدخل أجنبي في سورية.
- توفير بيئة سياسية حيادية.
- بناء آليات مراجعة ومحاسبة ومراقبة، تتضمن:
- المجلس الدستوري الانتقالي الأعلى.
- مجلس القضاء الأعلى الانتقالي.
- عدالة انتقالية ومصالحة وطنية.
- تعزيز دور المجتمع المدني والمرأة.
- حرية الصحافة والإعلام.
- عملية حوار وطني، ومراجعة دستورية وتشريعية، خاضعة للموافقة الشعبية: دستور جديد، وقوانين جديدة للانتخابات والإعلام والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
- البدء بالترميم وإعادة الإعمار للمجتمع السوري، بما فيها عودة جميع اللاجئين.
- انتخابات حرة ونزيهة، على جميع المستويات: الرئاسية والبرلمانية والمجالس المحلية.
ب- الدعم المطلوب، إقليميًا ودوليًا للمرحلة الانتقالية
لا يمكن حل الأزمة السورية -اليوم- من دون الدعم الإقليمي والدولي؛ فما عناصر ومعاني الدعم المطلوب؟
- الإقرار بأن النقطة المركزية في الحلّ هي تحقيق انتقال سياسي في سورية، عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية.
- سلامة وحرمة أراضي سورية، ومنع تقسيمها لأي سبب كان.
- انسحاب جميع القوات الأجنبية.
- إيقاف الدعم العسكري لجميع الأطراف.
- المساعدة في عودة اللاجئين والنازحين، وتعويضهم.
- المساعدة في إعادة الإعمار والترميم.
ج- عقدة رأس النظام
نرى أنه يجب على بشار الأسد أن يرحل لأسباب عدة:
- ارتكاب الأسد جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب: فهناك معلومات وصوَر كافية عما جرى، ولا يزال، من تعذيب مُمنهج، وقتل في سجون النظام، واستخدام آلاف البراميل المتفجرة، وتسببها في قتل وجرح وتهجير عشرات آلاف المدنيين، واستهداف المنشآت الصحية والخدمية والتعليمية، وإلحاق الأذى المقصود بها، وكلها تُعدّ جرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم حرب؛ وهي فظائع كافية لإدانة الأسد، ولتحضير الأسس القانونية لمحاكمته، وأركان نظامه، يومًا ما، كما ينبغي أن تكون هذه الجرائم موانعَ أساسية من أي تطبيع محتمل مع الأسد، أو قبوله في مرحلة انتقالية.
- وجود الأسد يعني استحالة تحقيق إجماع وطني سوري: يحتاج السوريون -بعد الكارثة التي حلّت بهم- إلى شكلٍ من أشكال الإجماع الوطني على شخصيات ومؤسسات حاكمة، وهذا غير ممكن في ظل استمرار الأسد في موقعه، خصوصًا أن نسبة كبيرة من الشعب السوري ترى أنه المسؤول الرئيس عن الكارثة، كذلك، فإنّ غياب الأسد عن المرحلة الانتقالية سوف يجعل ممثلي النظام السوري، في هيئة الحكم الانتقالي، متحرِّرين من سطوة أجهزته الأمنية، وأقرب بالضرورة إلى التوافق مع الآخرين في الهيئة؛ لتحقيق إنجاز حقيقي على مستوى التوافق الوطني، والتقليل من المعيقات خلال المرحلة الانتقالية.
- وجود الأسد يشجّع استمرار العنف وحالة عدم الاستقرار: فمن جهة أولى، لن تهدأ أنفس كثيرٍ من السوريين، في ظل استمرار الأسد حاكمًا، أو جزءًا من الحكم، وستظل هناك محاولات دائمة لاستخدام العنف في سبيل إطاحته، وقد يكون هذا العنف عشوائيًا، وموجهًا بشكل طائفي؛ ما يمنع تحقيق الاستقرار؛ ومن جهة ثانية، ليس في قدرة الأسد، بعد الذي حصل في السنوات الماضية، أن يحكم، أو يشارك في الحكم، من دون أن يستمرّ في ممارسة الاعتقال والتعذيب والقتل، وهذا أيضًا مصدر لاستمرار العنف وعدم الاستقرار.
- الشعب السوري في حاجة إلى ثمن لتضحياته: يحتاج الشعب السوري إلى الاقتناع والاطمئنان أن تضحياته ومعاناته، خلال السنوات الماضية، ليست بلا قيمة أو بلا نتيجة مرضية، وهذه القناعة وحدها التي تفتح طريق المصالحة الوطنية، وتستبعد ظواهر الحقد والكراهية والانتقام؛ فالثمن المرضي هو رحيل الأسد والحلقة الضيقة المحيطة به.
- وجود الأسد يعني استحالة محاربة الإرهاب: من دون رحيل الأسد، بعد 46 عامًا من استيلاء عائلته على الحكم، ورحيل الحلقة العائلية الضيقة للنظام المحيطة به، والمسؤولة -معه- بشكل أساسي عمَّا حلَّ بسورية في السنوات الأخيرة، من قتل وتعذيب وتهجير وتدمير، لا يمكن تحقيق أيّ تقدّم في عملية اجتثاث الإرهاب، ولا يمكن التسليم بإمكانية تحقيق أيّ حلٍّ سياسي في سورية ما لم يرحل.
- وجود الأسد يقدِّم صورة شائنة عن عدم احترام العالم لحقوق الإنسان: إن استمرار الأسد في الحكم، أو كجزء منه، يقدِّم صورة سيئة للعالم أجمع، وليس للسوريين فحسب؛ لأن استمراره يعني احتقار مبادئ حقوق الإنسان، وأن امتلاك القوة العسكرية هو أساس الحكم والعلاقات الدولية، وليس الحقوق والقانون الدولي الإنساني والشرعية الشعبية والدولية، كما يقدِّم لجميع شعوب العالم صورة صارخة من صور إفلات المجرمين من العقاب؛ ما يؤدي -حكمًا- إلى فقدان الثقة بمنظومة حقوق الإنسان كلها.
2- المرتكزات القانونية والتقنية للمرحلة الانتقالية
أ- أساس الحل السياسي ومنطلقه
يرتكز جوهر الحل السياسي المنشود على رحيل الفئة الحاكمة (رئيس الجمهورية وعائلته وقادة الأجهزة الأمنية ووزير الدفاع ورئيس الأركان، وعدد من القيادات العليا في الجيش والأمن)، وتولية مناصبهم إلى من يليهم ممن لم يتورطوا في مجازر ضد الشعب السوري. ويمكن بعدها وضع تصور للمرحلة الانتقالية بالتشارك بين جسم معارض توافقي وقوي وحكومة النظام؛ إذ يتيح هذا الأمر حدوث تغيير في تفكير وأهداف معظم السوريين، وستخف العقبات أمام حدوث توافق سياسي عبر التفاوض، ومن دون رحيل الفئة الحاكمة ستبقى آفاق الحل السياسي موصدة سواء من خلال مؤتمر جنيف أو غيره.
ب- محدِّدات أولية لبدء الحل السياسي
1- التفاوض المباشر بين الجسم المعارض المعني وحكومة النظام بحضور ممثلين عن مجموعة العمل الدولية حول سورية، ويكون الطرفان مفوضين بصلاحيات كاملة.
2- المرجعية القانونية للاتفاق: إعلان جنيف في 30 حزيران/ يونيو 2012، قرار مجلس الأمن رقم 2042 الصادر في 14 نيسان/ أبريل 2012، قرار مجلس الأمن رقم 2043 الصادر في 21 نيسان/ أبريل 2012، قرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر في 27 أيلول/ سبتمبر 2013، قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015، والقرار 362/67 في 15 أيار/ مايو 2013.
3- الغاية هي وضع برنامج تنفيذي وجدول زمني وآليات واضحة لمرحلة انتقالية، ويكون الاتفاق الذي يبرمه الطرفان ملزمًا للجميع من دون الحاجة إلى أي إجراءات مصادقة، وتكون الدول الخمس دائمة العضوية ضامنة للاتفاق.
ج- توفير علامات الثقة بالحل السياسي
1- إعلان فوري لوقف إطلاق النار بوجود آلية دولية فاعلة لمراقبة التزام جميع الأطراف.
2- العمل على دفع القوى والجماعات المسلحة غير السورية للخروج من سورية بمساعدة الدول الخمس الدائمة العضوية.
3- الإفراج عن المعتقلين كافة في سجون النظام السوري، وتحرير المختطفين من جانب أي مجموعات تابعة للنظام أو المعارضة.
4- إلغاء ووقف جميع المطالبات الأمنية باعتقال الأشخاص بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية.
5- إتاحة وصول الإغاثة إلى المحتاجين في المناطق كافة، والسماح للمنظمات الإغاثية الدولية بالعمل داخل سورية من أجل إيصال المساعدات الإغاثية للمحتاجين.
د- المرحلة الانتقالية
1- بالتوازي مع ما سبق يتم الإعلان عن بدء المرحلة الانتقالية بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من شخصيات مدنية وعسكرية من النظام والمعارضة، ويمكن أن يكون دستور عام 1950 ناظمًا لعمل الهيئة، أو الدستور الحالي بعد تعطيل المواد الخاصة برئيس الجمهورية وعدد من المواد الأخرى ذات الصلة، أو إعلان دستوري يجري التوافق عليه.
2- تتولى هيئة الحكم الانتقالي إدارة البلاد، وتعلن حال تشكيلها أن هدفها هو إقامة نظام سياسي ديمقراطي تعددي تكون فيه الكلمة للشعب عبر صناديق الانتخاب ويتساوى فيه جميع المواطنين بالحقوق والواجبات بغض النظر عن الجنس والمذهب والقومية والمنطقة، كما تقوم تدريجيًا بخلق مناخ ملائم في جميع المناطق، يتيح للسوريين العودة إلى الحياة الطبيعية وعودة المهجرين.
3- تؤلِّف هيئة الحكم الانتقالي عددًا من الهيئات والمجالس الضرورية لمساعدتها في عملها، وهي: مجلس عسكري أمني مؤقت، هيئة قضائية دستورية عليا، لجنة المصالحة الوطنية.
4- تقوم هيئة الحكم الانتقالي، بعد عام ونصف على الأكثر، بالتجهيز والإشراف على انتخابات لجمعية تأسيسية وفق قانون انتخابي عصري وعادل، وتجري الانتخابات تحت مراقبة دولية تضمن حريتها ونزاهتها في جميع المناطق، وتكون من مهمات هذه الجمعية إعداد دستور سوري عصري خلال مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر من انتخابها. وتُعلن هيئة الحكم الإنتقالي عن انتخابات برلمانية فور الانتهاء من الاستفتاء على الدستور المقدم من الجمعية التأسيسية خلال ثلاثة أشهر بحد أقصى، والإشراف على الانتخابات الرئاسية بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات البرلمانية، وهنا تنتهي المرحلة الانتقالية.
3- العدالة الانتقالية بوصفها مدخلًا إلى المصالحة الوطنية وبناء النظام الديمقراطي
للعدالة الانتقالية في الحالة السورية معنى خاص، يضاف إلى معانيها العالمية، وذلك بحكم تعقيد الوضع السوري ومستوى العنف الممارس من النظام والتدمير الذي خلقه في المستويات كافة، سواء قبل الثورة أو بعدها، وبحكم وجود انتهاكات من أطراف أخرى ظهرت كردة فعل على سياسات النظام، لكنها أقل عددًا ومستوى بوضوح.
إن العدالة الانتقالية هي حجر الأساس لبناء نظام تعدّدي ديمقراطي يرسي دولة القانون والمؤسسات، وهي الضامن الرئيس للقطع مع الماضي وتجنيب البلاد أيّ نزعة للانتقام أو التشفّي؛ فالمسألة تتجاوز مجرّد العدالة لتشمل إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن. إنها برنامج للتحول السلمي لمجتمع تعرض للاستبداد الشامل والتخريب الطائفي والعرقي والانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان إلى مجتمع تسودة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، من خلال عملية إزالة آثار حقبة الاستبداد وإعادة التوازن داخل المجتمع، بوصفها الدافع لتلاحم الجميع من أجل بناء الدولة الجديدة.
يهدف أي برنامج لتحقيق العدالة الانتقالية عادة إلى وقف الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، التحقيق في الجرائم الماضية، تحديد المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ومعاقبتهم، تعويض الضحايا، منع وقوع انتهاكات مستقبلية، الحفاظ على السلام الدائم، المصالحة الوطنية. ولتحقيق هذه الأهداف من المهم التحقيق في الجرائم بموجب القانون الدولي الملزم لدول العالم كافة، ومحاسبة المسؤولين عنها وفرض عقوبات عليهم.
إن المصالحة الوطنية هي أحد أهداف العدالة الانتقالية، ويمكن أن يكون للجان المصالحة الوطنية دور فاعل في تفكيك النظام القديم وإعادة الوئام والسلم ضمن المجتمع؛ من هنا ينبغي النظر إلى العدالة الانتقالية ليس كآلية لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان فحسب بل وكآلية للتغيير نحو تحقيق الاندماج الوطني وبناء النظام الديمقراطي.
Sorry Comments are closed