حصلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية على وثائق ومقابلات توفر أول دليل علني على أحد أكثر المعارك دموية التي واجهها الجيش الأمريكي في سوريا ضد قوات موالية للنظام السوري بما في ذلك مرتزقة روس. ويُشير التقرير الذي نشرته الصحيفة إلى أن هذه المعركة حدثت في السابع من فبراير/شباط بالقرب من محطة غاز كونيكو في مدينة دير الزور، ودامت هذه المعركة لأربع ساعات.
ووصفت الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة المقاتلين بأنهم “قوة مؤيدة للنظام” وموالية للرئيس السوري بشار الأسد. وتضمنت بعض الجنود والميليشيات الحكومية السورية، لكن مسؤولين عسكريين وأمريكيين سابقين قالوا إن الأغلبية هم مرتزقة روس شبه عسكريون، وعلى الأرجح جزء من مجموعة فاغنر، وهي مجموعة غالباً ما يستخدمها الكرملين لتنفيذ أهداف لا يريد المسؤولون أن تكون متصلة بالحكومة الروسية.
وكشفت هذه الوثائق عن مقتل ما بين 200 _ 300 جندي من القوات الموالية للنظام السوري، في حين تراجع الآخرون تحت وطأة الغارات الجوية الأمريكية، فيما تعرّض 40 جندي أمريكي للإصابة.
ومن جهته وصف البنتاغون هذه المعركة بأنها دفاع عن النفس، وقال مسؤولون أمريكيون أنه في أسوأ الأحوال من الممكن أن يورط هذا الاشتباك البلدين (الولايات المتحدة وروسيا) في صراع دموي. وكان المسؤولون العسكريون الأمريكيون قد حذّروا مراراً وتكراراً من تزايد أعداد القوات، لكن المسؤولين العسكريين الروس قالوا إنهم لا يسيطرون على المقاتلين الذين يتجمعون بالقرب من النهر، رغم أن أجهزة المراقبة الأمريكية التي كانت تراقب البث الإذاعي قد كشفت عن أن القوات البرية تتحدث باللغة الروسية.
وقال وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس أمام أعضاء مجلس الشيوخ في شهادة أدلى بها الشهر الماضي: “لقد أكدت لنا القيادة العسكرية الروسية العليا أن المقاتلين لم يكونوا روس”.
وشرح التقرير الذي أعده “توماس جيبونز نيف” مراسل صحيفة نيويورك تايمز وأحد عناصر مشاة البحرية سابقاً، تفاصيل المعركة مشيراً إلى أن يوم السابع من فبراير بدأ مع القليل من التلميح للمعركة التي كانت على وشك التكشّف. حيث كان يوجد حوالي 30 جندي من قوات دلتا وقيادة العمليات الخاصة المشتركة يعملون جنباً إلى جنب مع القوات الكردية والعربية في موقع صغير بالقرب من محطة غاز كونيكو، بالقرب من مدينة دير الزور. حيث بدأت القوات السورية عند الساعة الثالثة الاتجاه نحو مصنع كونيكو، مزودة بأكثر من 500 جندي و27 مركبة بما ذلك دبابات وناقلات جند. وفي الوقت نفسه، كان ضباط عسكريون ومحللون استخباراتيون أمريكيون يراقبون المشهد من مركز العمليات الجوية الأمريكية في قاعدة العُديد الجوية في قطر، وفي البنتاغون أيضاً، وتم وضع الطائرات في المنطقة في حالة الاستعداد، بحسب ما قاله مسؤولون أمريكيون.
وفي الساعة الثامنة والنصف مساءً توغلت ثلاث دبابات روسية الصنع من طراز T-72 تزن حوالي 50 طناً ومسلحة ببنادق من عيار 125 ملم داخل ميل من مصنع كونيكو. وفي تمام الساعة العاشرة والنصف قامت القوات السورية والمرتزقة الروس بضرب الموقع الاستيطاني في كونيكو، حيث تظهر الوثائق أنه تم إصابته بخليط من نيران الدبابات والمدفعية الكبيرة وقذائف الهاون.
في ال15 دقيقة الأولى، اتصل المسؤولون العسكريون الأمريكيون بنظرائهم الروس وحثوهم على وقف الهجوم. وعندما فشل ذلك، أطلقت القوات الأمريكية طلقات تحذيرية على مجموعة من المركبات ومدافع الهاوتزر. ثم وصلت الطائرات الحربية الأمريكية في أسراب، بما في ذلك طائرات دون طيار، طائرات مقاتلة F-22 الشبح، مقاتلات F-15E سترايك ، قاذفات B-52 ، طائرات من طراز AC-130 وطائرات هليكوبتر من طراز AH-64 Apache. وخلال الساعات الثلاث التالية، قال مسؤولون أميركيون إن عشرات الغارات ضربت قوات العدو والدبابات والمركبات الأخرى، كما أطلقت قذائف صاروخية بحرية من الأرض.
وبحسب الوثائق، بعد أربع ساعات من المعركة بدأ مقاتلو النظام السوري والمرتزقة الروس بجمع قتلاهم والتراجع.
من قاد الهجوم ؟
مايزال عدد قتلى هذه المعركة موضوع جدل. ففي البداية، قال المسؤولون الروس إن أربعة مواطنين روس فقط _ولكن ربما العشرات – قد قُتلوا. وقال ضابط سوري أن حوالي 100 جندي سوري لقوا مصرعهم، إلا أن الوثائق التي حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز قدّرت أن 200 إلى 300 من “القوة الموالية للنظام” قد قتلوا.
وتشير نتائج المعركة والكثير من آلياتها إلى أن المرتزقة الروس وحلفائهم السوريين قد أخطأوا في شن هجوم بسيط على موقع عسكري أمريكي. فمنذ غزو العراق عام 2003 قامت القيادة المركزية الأمريكية بتحسين كمية المعدات واللوجستيات والتنسيق والتكتيكات المطلوبة لخلط الأسلحة التي يتم إطلاقها من الجو والبر.
يقول مسؤولو الاستخبارات الأمريكية إن مجموعة فاغنر موجودة في سوريا للاستيلاء على حقول النفط والغاز وحمايتها نيابة عن حكومة الأسد. وقال المسؤولون إن المرتزقة يكسبون حصة من عائدات الإنتاج من حقول النفط التي يستردونها.
ينسق المرتزقة بشكل فضفاض مع الجيش الروسي في سوريا، على الرغم من أن قادة فاغنر قد تلقوا جوائز من الكرملين، ويتم تدريب مرتزقتهم على قواعد وزارة الدفاع الروسية.
لا أن قوات الحكومة الروسية في سوريا تؤكد أنهم لم يشاركوا في المعركة. لكن في الأسابيع الأخيرة، وفقاً لمسؤولين عسكريين أمريكيين فقد قاموا بتشويش اتصالات الطائرات الأمريكية الصغيرة والمقاتلة مثل النوع المستخدم في الهجوم.
وقال الجنرال “توني توماس” قائد قيادة العمليات الخاصة في الولايات المتحدة، مؤخراً: “في سوريا الآن، نحن في بيئة البيئة الأكثر عدوانية على كوكب الأرض من خصومنا”، مشيراً إلى الحرب الإلكترونية: “إنهم يختبروننا كل يوم”.
Sorry Comments are closed