في البداية يجب أن نرفض أي نوع من المقارنة بين ما قام به الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين من قتل وتهجير وتشريد بحق الشعب الفلسطيني بخاصة أننا نتذكر الذكرى السبعين للنكبة هذه الأيام وبين المأساة السورية على يد احتلال داخلي لم يتسم في أي شكل من أشكال الوطنية، لقد كان مزيجاً رثاً كما يقال بين الفاشية والطائفية انتهى به المطاف إلى ما آلت إليه سورية اليوم أو ما تبقى منها.
بالتأكيد، ممارسات الأسد الهمجية والتي وصلت إلى مستويات تفوق القدرة على التخيل في القتل والتعذيب لأكبر عدد من السوريين كانت فرصة كي يستغلها بنيامين نتانياهو في كل مرة من أجل «أنسنة» سياساته العنصرية التي لا تقل إجراماً ودموية في ما نشهده اليوم من إطلاق رصاص قاتل وأعمى بحق المتظاهرين السلميين المطالبين بحق العودة في غزة.
فالمقارنة هنا يجب أن لا تكون بين من قتل أكثر أو من شرد أكثر، فالجريمة لا تقاس بعدد الضحايا وإنما تقاس بكونها فعلاً مخالفاً للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو ما يجعل المشابهة مثيرة بحدود ما، لا سيما أن كلا النظامين يحظيان برعاية وحماية رسمية في مجلس الأمن الدولي، إسرائيل من قبل الولايات المتحدة وإن كانت تنتقد جرائمها علناً في بعض الأحيان، والنظام السوري من قبل روسيا التي لا تخفي جرائم النظام السوري وإنما تبررها وأحياناً تلفق الأكاذيب من أجل تبرير هذه الجرائم، وهو ما وجدناه في الاستخدام الأخير للنظام السوري للسلاح الكيماوي في الغوطة.
فضلاً عن ذلك، يبدو النظام السوري ممعنا في استكمال فصول «النكبة» السورية بفصولها المختلفة وآخرها التهجير القسري للسوريين من بيوتهم ورفضهم البقاء أو العودة إلى منازلهم تحت طائلة القتل والتعذيب أو الخدمة الإجبارية في صفوف «ميليشيات الأسد» تحت مسمى «الجيش العربي السوري» ولذلك يفضل الملايين من السوريين مرارة اللجوء وقسوتها وصعوبتها على العودة إلى «حضن الوطن» الذي لا يعني بالنسبة إليهم إلا التعذيب والقتل وغياب القانون مع الفقر وغلاء المعيشة وانعدام الفرص واللامساوة والتمييز الطائفي وكل ما تحمله الذاكرة السلبية من ذكريات سبع سنوات مليئة بالمرارة والحزن والألم ويفوقها الألم اليوم أنهم لا يجدون ضوءاً في نهاية النفق وأن الأسد يخرج اليوم ليصبح أكثر دموية وطائفية وأكثر عطشاً للتعذيب وأكثر حقداً على السوريين الذي شقوا عصا الطاعة، وأكثر لا مبالاة بالسوريين اللاجئين للحفاظ على «سورية المتجانسة».
تبدو هذه السياسات كلها شبيه مما سمعنا عنه وقرأنا عنه من سياسات التمييز العنصري الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وبالتالي تبدو المأساة اليوم أن يخير السوريون بين قسوة اللجوء ومرارة العودة إلى الوطن فيختارون اللجوء على الوطن، يختارون البدء من الصفر على العودة إلى ركام بيوتهم ومنازلهم، يفضلون الكرامة على ثمنها الغالي في الغربة على الذل والمهانة في دولة اللاقانون ودولة السجون التي لا تنتهي وأخبار المفقودين التي لا تتوقف.
كما قيت في البداية ان المقارنة مضللة وغير صحيحة لكن يبدو أن السياسات تبدو متشابهة وبالنسبة للضحايا تبدو النهايات أيضا متشابهة إلى حد كبير، وهو ما يدو للمقارنة بين الكثير من المتابعين والسوريين وحتى الفلسطينيين، وهذا إن دلل على شيء فإنه يدلل على انعدام فكرة القانون ليس في المنطقة العربية وحدها وإنما إسرائيل ذاتها التي تتغنى بفكرة القانون على أرضها لكنها الأشد عداء وانتهاكاً لفكرة القانون الدولي وتطبيقاته، وهو موطن المأساة، فمنطقة أميركا اللاتينية التي هي دون المنطقة العربية بما يتعلق بالموارد المادية وأقل غنى تاريخاً وثقافة إلا أنها الأكثر تطوراً بما لا يقاس في ما يتعلق بالالتزام بفكرة القانون وتطبيقها والأكثر دعماً لتطبيقات القانون الدولي على أرضها وخارجها، إنها المنطقة التي طورت الاتفاقية الدولية ضد الاختفاء القسري في حين تعج منطقتنا بهذه الممارسة التي تمتزج فيها طبعا عمليات الاعتقال التعسفي مع عمليات التعذيب مع عمليات القتل خارج نطاق القضاء والقانون، النكبة الفلسطينية وقعت عندما شعرت إسرائيل نفسها وإلى اليوم أنها فوق القانون الدولي و»النكبة السورية» اليوم تجري بسبب حماية روسيا لنظام الأسد وجعله خارج القانون الدولي فضلاً عن انهيار فكرة القانون ذاتها منذ وصول حزب البعث إلى السلطة في 1963 حيث تم إعلان حالة الطوارئ قبل ذلك بعام، وبقيت هذه الحالة معمولاً بها حتى 2012 عندما ألغى بشار الأسد العمل بحالة الطوارئ وبدأ القتل الجماعي بكل أنواعه من تعذيب وبراميل وتجويع وحصار وغيرها من يوميات النكبة السورية التي لن تنس من ذكريات السوريين.
غياب فكرة القانون حول سورية إلى حقل من الغابة الهمجية حيث القتل المستباح وانعدام المسؤولية والمحاسبة وانتهى بنا بسورية إلى ما هي عليه اليوم يخاف أن يعود لها أبناؤها ويتمنى من يقطنها الهجرة منها بأي طريقة وبأسرع وقت، إنها بلد العذاب والنكبة المستمرة ليس ذاك البلد الذي حدثت فيها النكبة لمرة واحدة وانتهت، إنه بلد النكبة المستمرة التي لا تنتهي.
عذراً التعليقات مغلقة