هل سنرى أرضنا؟ هل سنعود إلى منازلنا من جديد؟ هل سنلتقي مع أفراد عائلاتنا بعد فترة من الزمن؟
هذه الأسئلة لا تغيب عن البال، وهذه المشاعر الحزينة تراود الشاب الحمصي الذي يهجر هذه الأيام من منزله في ريف حمص الشمالي، وبعينيه تعلق الدمعات.
ربما يعرف الإجابات القاسية، لكنه يريد بصيص أمل، فلقد رأى وسمع ما حصل بالمهجرين من قبله، وأيقن أن العودة باتت حلماً صعب التحقيق.
وفيما يقاسي المهجَّرُ هذه المشاعر والأحزان، يواجه واقعاً أكثر إيلاماً، إذ يمنع من دخول أرضٍ سورية اعتقد أنها ستكون ملاذاً يعوضه عن قسوة التهجير، فكانت الصدمة القاتلة.. إذ أنه يحتاج لإذن دخول الى أرض تعتبر سورية، ومن يفرض هذا الشرط هو قوات أجنبية، وبصمت مخجل من فصائل سورية أيضاً!
يبدو الحدث مجرد كابوس، لكنه واقع، يزيد جرعات القهر التي ابتلعها مرغماً عند خروجه من أرضه ومنزله الذي تربى به، مخلفاً وراءه ذكريات طفولته، وتراباً عشق رائحته، وها هو اليوم يحتاج إلى إذن لدخول أرض سورية كان يمني النفس أن تكون بديلاً ولو مؤقتاً عن بلده المحتلة من قوات نظام مجرم هجره وشرد عائلته وقتل أحبابه، ليجد نفسه غير مرغوب فيه في أرض بلاده من قبل قوات أجنبية تدعي أنها جاءت لمساعدته، تحت شعارات الأخوة والصداقة!
لا أحد كأهالي حمص يعرف ما هو التهجير وما هي مرارته، فأهل حمص تذوقوا مرارته عندما أخرجوا من بيوتهم في أحياء حمص القديمة وحي الوعر غصباً، وكان تهجير أهالي حمص فاتحة جرائم التهجير في سوريا، وذلك في شهر أيار/ مايو من العام 2014، ليصبح شهر أيار الشهر الأسود عند “الحماصنة”.
ففي ذلك الشهر أجبر أهالي حمص القديمة على الخروج من بيوتهم إلى ريف حمص الشمالي ومدينة إدلب، وفي نفس الشهر من العام 2017 أخرج أهالي حي الوعر منه إلى مدينة إدلب وريف حلب الشمالي، وفي هذه الأيام، في نفس الشهر من العام الجاري 2018 يهجر أهالي ريف حمص الشمالي من أرضهم إلى أرض سورية أخرى، يهجرون من موت إلى موت أخر.
وعند ركوب الحافلات الخضر، وهو اللون الذي يرمز الى الحياة والخصب والتجدد، والذي حوله نظام الأسد الى لون الشؤم لدى السوريين، تمر ذكرياتنا أمامنا، نودع هذه الذكريات، ولكن بقلوب مليئة بالأمل، رافضة للتهجير.
نودع ملاعب طفولتنا ونحن نحلم بها وبدفء شوارعها وحنايا حاراتها، نودعها ونعلم أنها أيضاً تنتظرنا، كما ننتظر العودة إليها مهما طال الزمن، ومهما بعدت المسافات، على أمل أن تبقى صامدة ونبقى صامدين إلى أن نرجع يوماً للأرض التي ولدنا بها، عشقناها وما زلنا نحتفظ بكل الحب لها.
نودع أرضنا وتجول في الذاكرة كلمات الأغنية التي شدت بها فيروز:
سنرجع يوماً إلى حينا ونغرق في دافئات المُنى.. سنرجع مهما يمر الزمان وتنأى المسافات ما بيننا.
عذراً التعليقات مغلقة