الغوطة الشرقية ليست مجرد بقعة بائسة في سوريا تتصدر العناوين في الآونة الأخيرة، ليست أبداً مجرد مذبحة نشاهدها في نشرات الأخبار ونقول في سرنا “يا حرام” ونغيّر المحطة ..!
الغوطة اليوم هي قضيتنا كسوريين وكثائرين على حد سواء، إلا أن المأساة لم تقتصر على مجرد سماء تمطر الغوطة بالحقد والموت، فهناك آلاف القصص التي تُدفن مع أصحابها، ويغفلها إعلام الغرب الذي يهتم بالأرقام ومشاهد الموت بما يخدم مصالحهم أو يكون “ضربة صحفية” تجعل القارئ الغربي يردد “Oh my God”، ‘Mon Dieu” لكن أيّاً من ردود الفعل تلك أو مناجاتهم للرب لم تمنع النظام من الاستمرار في إبادة الغوطة .. !
أتساءل هل بإمكان هؤلاء المتشدقين بالإنسانية أن يحتمل استيعابهم حديث طفلة منتشلة من تحت الأنقاض لأحد عاملي الدفاع المدني “عمو وين رايحين ؟ عمو أمانة لا تضربني إبرة”، هل يحرك كلام هذه الطفلة المذعورة أي مشاعر إنسانية؟! في الوقت الذي كان من الممكن أن تحيلها صواريخ النظام إلى أشلاء، مازالت هذه الطفلة بكل براءة تخاف من حقنة..! وفي الواقع من الممكن أن تغدو هذه الحقنة حلماً بعيد المنال في ظل خروج عدد كبير من النقاط الطبية عن الخدمة ..!
هل من المفهوم إحساس تلك الأم التي كانت تصرخ وتطالب العاملين في النقطة الطبية أن يقتلوا ابنها ويخلصوه من عذابه ؟!
ماذا عن صورة الأب الذي تم عنونة صورته في أحد الصحف العالمية ب”الوداع الأخير”، هل فعلاً استطاعت صورة أب يحمل طفله مكفناً بين جثث أخرى أن تكون قادرة على شرح المشهد؟!
وبالعودة إلى الصورة العامة نجد الكثير من عبارات التعاطف “الخلبي”، “الغوطة مجزرة العقد”، “الغوطة مأساة إنسانية”، “الغوطة تجدد في أذهاننا المجزرة ضد مسلمي البوسنة”. والختام كان مع الأمين العام للأم المتحدة الذي وصف الغوطة بأنها “جحيم على الأرض”، وهنا أود الرد: “يا صديقي بالحكي ارتوينا وبالفعل متنا من العطش”..َ!
بعد كل ما ذُكر أعلاه مازال المشهد في أروقة مجلس الأمن مهزلة معلنة “فضيحة وكل العالم عليها شهود”..!
تم اعتبار الغوطة الشرقية أكبر مذبحة منذ عام 2011، ولم تمنع هذه الحقيقة بعض الدول من عرقلة قرار مشروع هدنة في سوريا، وعلاوة على ذلك يتابع النظام عهره المعلن متمثلاً بمندوبه الذي توعّد بالتهجير القسري، وبالجحيم الذي يتسع لنا (المعارضين) جميعاً ..!
لا يخلو المشهد من كوميديا سوداء ففي الوقت الذي يستمر به التشدق الوقح بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ولا سيما اتفاقية حقوق الطفل التي تنص في مادتها السادسة بأن لكل طفل حقاً أصيلاً في الحياة، ووجوب أن تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن حياة الطفل ونموه، يأتي الرد صارخاً “مُخرساً” من داخل الغوطة بما يشرح بشكل لا يدعو للشك أنه “انمسحت الأرض” بجميع تلك البنود ..!
لا أظن أن هناك داعٍ لذكر بنود تعتبر كماليات بالنسبة لأطفال يصارعون الموت كحق التعبير ! إن الصور القادمة من الغوطة تحمل إجابة كافية على ذلك ..
كل ما يحصل لم يتعدى بالنسبة لأي سوري في الداخل كونه “ضحك على الذقون”، الغوطة تُقتل على مرأى العالم أجمع ولا أحد يتحرك سوى ب “كيبورده” ليبثنا تعاطفاً مزيفاً ويتابع يومه بشكل طبيعي..
أظن أن الشاعر العراقي “مظفر النواب” أحسن وصف هذا التخاذل والصمت المخزي سابقاً في قضية فلسطين، واليوم يتكرر المشهد في سوريا ليكون كلامه هو الرد الأبقى “تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم لا تهتز لكم قصبة .. فما أشرفكم !”..
عذراً التعليقات مغلقة