وأنا أستمع للسورية الأصيلة مريم في الفيلم الفرنسي الوثائقي حول سوريا “صرخة مكتومة” وهي تقول في نهاية الفلم وبحرقة مخنوفة في الحلق سوف (تشاهدون الفلم وتتأثرون وقد تبكون قليلاً ومن ثم تذهبون وقد نسيتم الموضوع)؛ قادتني هذه الصرخة لأعود للتاريخ، فوجدت أنه لطالما هبت شعوب كرتنا الأرضية بمظاهرات تنديد واستنكار وأحياناً تأييداً لقضايا أخوتهم في الإنسانية عندما كانت تعاني عبر المسّ بها وبحرياتها وحقها في العيش الإنساني الكريم.
حتى عندما كانت الحرب الباردة في أوجها فإن شعبي القطبين خرجوا بمظاهرات نصرة للمظلومين حول العالم، فقد تابعنا عشرات بل مئات المظاهرات المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني بالعيش في دولة مستقلة، كما شاهدنا ما يماثلها نصرة لشعب جنوب إفريقبا وزعيمه مانديلا ضد نظام التفرقة العنصرية، وفي قضايا كثيرة مماثلة خرج الناس للشوارع. إلا الدم السوري المسال والمباح لم يخرج لنصرته أحد وبقي وحيداً مراقاً فوق الأرصفة والشوارع، وبقيت النساء السوريات يصرخن وحيدات وأنينهن يستصرخ جدران المعتقلات دون أن يكون لهذا الأنين أو الصراخ صدى لدى شعوب العالم ومحبي الحرية والسلام والمدافعين عن حقوق الإنسان.
والباحث خلف هذا الصمت بل التخاذل تجاه دمنا المهدور وعرضنا المغتصب يصل إلى أن الإعلام والميديا هي وراء ذلك، فقد لعب الإعلام دوراً سلبياً في نقل صورة مغايرة لما يجري على الأرض، فبدلاً من أن تشاهد شعوب الأرض ثورة شعبٍ خرج من أجل نيل حريته المسلوبة منذ ما يزيد عن خمسين عاماً، كان المواطن في دول العالم شرقها وغربها وشمالها وجنوبها يشاهد حرباً ما بين قوى ظلامية (داعش والنصرة) وبين دولة تدافع عن كيانها وشعبها منعاً من الإنهيار.
هذه الصورة الإعلامية البعيدة عن الحقيقة في الواقع لايعود الفضل فيها لإعلام النظام الذي هو بكل المقاييس بعيد كل البعد عن مقومات الإعلام البدائية، بما يتصف به من تبعية وكذب، بل كان الفضل لضعف إعلام الثورة أولاً ومن ثم للميديا الغربية الصهيونية التي راعها الشعب السوري بثورته وبدأت تتحسس على رأسها من أنه لو أنتصر وتحولت سوريا إلى دولة ديمقراطية حرة فإن ذلك يعني خروج سوريا عن السيطرة الغربية الصهيونية الإمبريالية. إضافة لذلك فإن قناتي الجزيرة والعربية التي تداران من دولتين عربيتين نفطيتين كانتا أبعد ما تكونان عن الحرية والديمقراطية ودعم شعب عربي يطالب بهما، حيث لعبتا دوراً سلبياً في الثورة السورية عبر بث الأخبار الكاذبة وعبر تعويم شخصيات تبين فيما بعد أنها شخصيات عميلة ولا تقف مع ثورة الشعب، كما أنهما ساهمتا في تحويل الثورة السلمية إلى صراع مسلح. وساعدها بذلك الإندفاع الشعبي العفوي العاطفي نحو الثورة دون أن يكون على الأرض قيادات واضحة ووازنة تملك مصداقية، مما مكّن الميديا الصهيونية وميديا النظام بأن تصنع من شخص كالعرعور رمزاً للثورة، علماً أنه أبعد مايكون عن الشعب السوري ومتطلباته.
كل هذه الأمور يضاف إليها ومع الأسف المهاجرون الهاربون والذين خاطروا بحياتهم وحياة عائلاتهم وخاضوا البحار للوصول إلى شواطئ الأمان هرباً من نظام القتل، حيث أن نسبة كبيرة من هؤلاء كانوا يذكرون أثناء التحقيقات معهم في الدولة المضيفة أن هروبهم سببه المجموعات الإرهابية المسلحة، دون ذكر لأفعال النظام وإجرامه وأهواله.
هذه الأمور مجتمعة يضاف إليها التفجيرات التي حدثت في عدد من الدول الأوربية والتي تبناها تنظيم “داعش” الإرهابي جعلت المواطن العالمي أينما كان ينكفئ عن التعاطف بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث بات يصدق الروايات الإعلامية المضادة للثورة.
وعليه صار لزاماً على القوى الثورية من ترويج إعلامي مكثف لنقل المشهد الحقيقي لما عاناه شعبنا سواء من النظام أو من التنظيمات الإرهابية ولعلّ صرخات وأنات أخواتنا السوريات التي سمعها العالم في فيلم “صرخة مكتومة” تستصرخ شعوب العالم ويخرج لنصرتنا حتى ننال حريتنا وكرامتنا .
عذراً التعليقات مغلقة