“لا يوجد شريك فلسطيني للسلام”، تلك هي الحجة التي دائماً ما اتخذها الكيان الصهيوني لتعطيل أو عرقلة أي مفاوضات، مع خبث في التعامل والإيحاء بأن اسرائيل تمد يد السلام للسلطة الفلسطينية، إلا أنها سرعان ما كانت تعمل على إفشالها، فمنذ أن بدأ مسلسل المفاوضات في قرار مجلس الأمن 242، مروراً بإتفاقيات كامب ديفيد، ووصولاً إلى مؤتمر مدريد وإتفاقية أوسلو، والفلسطينيون ينتظرون متى تقطف ثمرة هذه المفاوضات.
خمسون عاماً أو يزيد، ولم ينتهِ التفاوض بعد، ليموت جيل من المفاوضين ويبقى من طال عمره منهم ولا زال الفلسطينيون يفاوضون، بالأمس خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعلن بكلمات متلعثمة بأن القدس هي عاصمة لإسرائيل، ويقول بأن قراره بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل “تأخر كثيراً”، ضارباً عرض الحائط بجميع القوانين والمواثيق الدولية، وعشرات السنين من المفاوضات والإتفاقيات، وهنا يقفز إلى الذهن سؤال مهم وملحّ يحتاج إلى إجابة وخصوصاً في هذه المرحلة، هل ما زال الفلسطينيون ينتظرون جني محصول المفاوضات أم أنهم أيقنوا أن الثمار قد أكل الدود منها وشرب؟، وهل يستجد شيء في قضيتهم التي تعتبر قضية العرب الأولى لم يحصل طوال خمسين عاما؟.
ما أشبه الليلة بالأمس، وبمعنى أدق؛ ما أشبه سوريا اليوم بفلسطين البارحة، بشار الأسد يقول “لا حوار مع الإرهابيين”، فبعد بضع سنين من المفاوضات العجاف بدءاً من جنيف بنسخه الثمانية، ومروراً بأستانا وفصولها السبعة، لينتهي بنا المطاف إلى حدائق ومنتجعات سوتشي حيث الضامن الروسي العادل إلا في معاملتنا، “وهو الخصم والحكم”.
لا زلنا نتسول على أعتاب المجتمع الدولي ومؤسسات كهنته وشياطينه، متحرجين من رفع راية القتال حتى النصر، على الرغم من رفع إصبعي الإنتصار (السبابة و الوسطى) لمعظم قادتنا المفاوضين بصورهم التي ملأت تويتر وفيسبوك في كل جولة مفاوضات جديدة مع نظام الأسد، حينها تفتح شهية المعارضين المشاركين بالمؤتمر على الخطابات الرنانة والكلمات الطنانة، وتغريدات نارية يحسب القارئ أنها لامست نخوة المعتصم، فمن مشكك بنوايا النظام وجديته في التفاوض، إلى موقن بكذبه وعارف بأساليبه، ومع ذلك لا زالوا يفاوضون، ولسان حالهم يقول “سأفسر الماء بعد الجهد بالماء”، ماكينات خطاباتهم لا تنتهي، تصريحات جوفاء لا طعم ولا لون ولا رائحة، أما في أرض سوريا فلا شيء يعلو على رائحة الدم.
سقط خلال جولات المفاوضات اللامتناهية مئات الآلاف من الشهداء، وتشرد الملايين نزوحاً في الداخل ولجوءاً في مختلف بقاع العالم، وتحولت سوريا إلى منطقة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية، ولازال الشعب المنهك تنهش بلحمه قذائف الأسد، وتفتك بأجساده التي ترنوا إلى الراحة والخلاص.
أما نظام الأسد فتجده يمشي بخطوات ثابته مدعوماً بحلفاء مخلصين له “بالمدى المنظور على الأقل”، ماكينته الإعلامية موحدة، لا تزال تعتبر نفسها بأنها صوت الوطن وتقارع الإرهاب، وتدافع عن أبنائه وترابه الطاهر من عبث العابثين، و”جيشه الباسل” كاد بانتصاراته أن يعيد الثورة إلى سيرتها الأولى، وربما يرجع العديد من ساحات التمرد إلى حظيرة الأسد، أو ما يسمى بـ “حضن الوطن”.
ما حدث في فلسطين، واضح للعيان، ولنا في التاريخ عبرة، قتال ثم مفاوضات ثم تقسيم الكعكة بهدوء، والكل فرح بالقطعة التي سيحصل عليها، ولو كنت (أنا) المسؤول عن ملف التفاوض في سوريا، فلن أزيد على قول اليمامة ابنة كليب لزعماء العرب الذين أتوا للمساومة على دم أبيها “أريد أبي حيا”. ولتشتعل بعدها حرب البسوس لأربعين عاماً نكون فيها أحراراً، خيراً من مفاوضات للعبيد نكون فيها صاغرين، (وإن ما كبرت ما رح تصغر).
عذراً التعليقات مغلقة