في فيلمه الشهير يجيب محمد سعد على سؤال المذيعة حول ما أودى به ليصير مجرماً؛ يجيبها بثقة: «واحد مصاحب علي علوكة واشرف كخة (بلطجية)؛ عايزاني أطلع إيه؟ طيار!».
نظرية «اللمبي» ليست بالجديدة، فمقولة آينشتاين المأثورة: «المقدمات ذاتها، تؤدي منطقياً إلى النتائج ذاتها»، تعد من بديهيات المنطق. ولكننا كسوريين لطالما انتظرنا نتائج مختلفة، برغم أنّه ليس لدينا وقت لإجراء التجارب، وفي كل يوم كنا نخسر المزيد من المناصرين والحلفاء.
منذ وصول الحراك الثوري السوري إلى أوجِه، وفقدان الأسد سيطرته على معظم أنحاء البلاد؛ ونحن نرى البلطجية يسارعون لتصدر المشهد، في رفع السلاح، على الشاشات وفي إدارة «المؤسسات» والهيئات، مع انسحاب مستمر للشرفاء الذين فضلوا الوقوف على الحياد وعدم تلويث أيديهم وسط المعمعة.
وعلى الرغم من أنّ «حارتنا ضيقة ونعرف بعض» إلا أننا سكتنا عن الكثير من التجاوزات؛ ظنّاً منّا أنها أمور طبيعية تحدث في الثورات، ويمكن معالجتها فيما بعد، أو أن الحال قد يصلح، ولطالما رجونا الله أن يهدي «القادة» بحقّ الدماء المسيّلة، وأحياناً أخرى نعضّ على الجرح خوفاً على سمعة الثورة.. والثوار.
إلا أن حال السوريّ بلغ من السوء حداً لا يطاق، فقد بات من المعتاد أن تسمع فصيلاً قام بـ«تشويل» الناشط الفلاني، أو الاعتداء على طبيب تجرأ على رفع صوته في الحصار، فضلاً عن حوادث الخطف وسرقة الممتلكات العامة والخاصة تحت بند «الغنائم»، وحتى القصف العشوائي والاعتداء على المظاهرات أو مقتل أحدهم إثر التعذيب في سجون إحدى الفصائل. والأمثلة هنا كثيرة؛ لا تقتصر على ممارسات فصائل بعينها، بل تمتد إلى الفساد والمحسوبيات في كافة الأصعدة من السياسي إلى الإغاثي والخدمي … إلخ، والفشل الفاضح بإدارة المناطق المحررة، ليصل الحال ببعض السوريين إلى الترحّم على أيام النظام وأجهزته الأمنية!
اليوم وبعد سبع سنوات، أخطر ما يواجه الشعب السوري هو التسليم لمحاولات تطبيع الفساد، والاستسلام أمام تسلّط ونفوذ هؤلاء المنتفعة؛ الذين باتوا شركاء حقيقيين للأسد في حصار وقتل الثائرين وتطبيق ما سوّق له النظام منذ البداية: «إرهابيون ومخرّبون، وأنه لا وجود لبديل قادر على قيادة البلاد والنهوض بها».
علينا أن نعترف بمسؤوليتنا جميعاً في وصول الفاسدين إلى السلطة، وأن نمتلك الجرأة على المكاشفة والنقد الذاتي، وأن نحمّل أنفسنا أولاً المسؤولية بدل التنصل وتراشق الاتهامات أو الدخول في مهاترات فارغة.
وعلينا أن نؤمن بقدرتنا على صنع الفارق وإحداث التغيير، فصيحات الحرية التي زلزلت عرش آل الأسد كفيلة بإطاحة من هو أعتى وأمرّ.
الطريق أمامنا ليس ممهداً بالياسمين، فأمراء الحرب وتجار الآلام اكتسبوا خبرات متراكمة في تحصين عروشهم ووأد خصومهم وكيل التهم لهم، ولن يتنازلوا عن مصالحهم بسهولة، لكن الكلمة الفصل تبقى للشعب وحده.
في المقابل، علينا الدفع بمن حسنت سيرتهم لشغل أماكنهم الحقيقية والتصدي لمسؤولياتهم، على أن يتم تعيينهم في عمليات انتخابية دورية؛ سياسيون قادرون على بناء شراكات مع الدول الداعمة، هيئات تنفيذية يشغلها ذوو الكفاءة والاختصاص، جيش موحد يقوده ضباط منشقون، جهاز قضاء مستقل يعيد للناس حقوقهم ويرد المظالم، وجهاز رقابة فعّال يكون ميزان حق، وسيفاً على رقاب جميع المرتكبين.
ويجدر بنا العمل الفوري على رأب حالات الشقاق العائلية والقبلية والمناطقية، والتي كانت سبباً رئيساً في إضعافنا وتراجعنا ولا زالت أكبر خدمة نقدمها للنظام وحلفائه، وإيجاد أرضيات مشتركة يتم على أساسها الانطلاق لبناء وطن حر يرد لنا كرامتنا ويكفل حقوقنا، وطن كما حلَم به الشهداء والثوار الأولون.
حذار من استمرار السكوت وتأجيل الاستحقاق، أو فلنتوقع سنوات من الذل والحصار والتخلف؛ فالمعجزة الإلهية لن تحدث، و «الحجّي» لن يصبح طياراً؛ إلا بشهادة من دكاكين سرمدا أو المزيريب…
عذراً التعليقات مغلقة