فرضت وزارة الثقافة الإيرانية على الكتب والوثائق التي تحمل توقيع كتّاب ينتمون للطائفة السنيّة، وضع وسم “عائد لأهل السنة” أو “كتب من وجهة نظر ومصادر أهل السنة”. وشدد الكتاب الإيرانيون من الطائفة السنية في إيران في رسالتهم الموجهة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي على أن الوسم يتعارض مع دعوات علماء الدين الإيرانيين في الوحدة، وتعاليم القرآن الكريم، فضلا عن دستور البلاد.
وكان الرئيس الإيراني وعد السنة في البلاد بإعادة حقوقهم، والمساواة بينهم وبين بقية المواطنين، وأطلق لهم وعودا أخرى تحفظ لهم حريتهم وكرامتهم. وبحسب الأرقام غير الرسمية فإن عدد السنة في إيران يناهز 15 مليونا من مجموع سكانها البالغ 80 مليونا.
وأورد الكتاب السنّة في رسالتهم أنه “منذ سنوات عدّة ووزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّة الإيرانيّة تفرض عبارة خاص بأهل السنّة على جميع كتب المترجمين والكتاب السنة بموجب إجراء غير قانوني”، معتبرين أنّ الإجراء يعتبر نوعا من أنواع التفرقة والعنصريّة.
وأوضح الكتّاب أن هذا الإجراء يتناقض والمادتين الرابعة والتاسعة من الدستور الإيراني، فالمادة الرابعة تؤكّد تعزيز جوهر الأبحاث والإبداع في كافة المجالات العلميّة، والفنيّة، والتقنيّة والإسلاميّة عبر إنشاء مراكز الأبحاث وتشجيع الباحثين، بينما تنصّ المادة التاسعة على رفع العنصريّة وتوفير الإمكانات العادلة للجميع وفي كافة المجالات الماديّة والمعنويّة، وعليه فإنّ إجراء كهذا لا يستند إلى أرضيّة قانونيّة.
ولا يقتصر التمييز في إيران ضد السنة وغيرها من الأقليات على المجال الثقافي حيث يتسع ليغطي كل المجالات وخاصة منها الإقصاء السياسي وأماكن ومدن الإقامة التي توزع حسب الانتماء الطائفي. وكذلك الانخراط في سياسات الدولة الاجتماعية مثل خطط زيادة عدد السكان الإيرانيين.
وكان المرجع الإيراني ناصر مكارم شيرازي قد حذّر من خطر الهجرة التي وصفها بالمشبوهة من إقليم بلوشستان ذي الأغلبيّة السنيّة إلى محافظة خراسان وضواحي مدينة مشهد المذهبيّة الإيرانيّة، ودعا قوات التعبئة (الباسيج) إلى التدخّل ومواجهة هذه الهجرة.
وقال شيرازي إنّ “السنّة بصدد شراء الأراضي والمنازل من الشيعة، وذلك بغية رفع نسبتهم السكانيّة، وفي حال اتساع ظاهرة هجرة السنّة إلى المناطق الشيعيّة، فإنّ ذلك سيتحوّل إلى خطر كبير على النظام”.
ويعرف المرجع الشيعي مكارم شيرازي بمواقفه المتشدّدة تجاه السنة وكذلك الشعوب غير الفارسيّة ضمن ما يسمّى بجغرافية إيران، إذ دعا أيضا إلى منع السنّة من التدريس في الجامعات.
وكذلك إلى قطع الطريق أمام تطلعات أبناء الشعوب غير الفارسيّة، لأن النظر في تطلعاتها يعني أنها سوف تتطلع إلى منصب وكيل وزارة ووزير وحتى رئاسة الجمهورية مستقبلا. وبيّن شيرازي أن “على هذه الشعوب أن تقتنع بالوضع الراهن”. علما أنّ الدولة الإيرانيّة تمنع على الشعوب غير الفارسيّة الدراسة والنشر والطباعة والحديث بلغاتها الأصليّة.
ولا تقتصر عنصريّة مراجع إيران وما يسمّون برجال الدين على مكارم شيرازي، فأحمد علم الهُدى خطيب جمعة مدينة مشهد وعضو مجلس خبراء القيادة، حذّر من توافد المواطنين الأفغان والباكستانيين السنّة إلى مدينة مشهد. وطلب من الأجهزة الأمنيّة التدخّل العاجل لطردهم من إيران.
وحذّر من قبل أحمد سالك مندوب مدينة أصفهان في البرلمان الإيراني من ارتفاع عدد السنّة في إيران، وقال إنّ “الأسر الوهابيّة تتكاثر في إيران تحت غطاء المذهب السنّي”، ووصف هذا التكاثر بناقوس الخطر الذي يدقّ في البلاد.
ويأتي تحذير سالك من ارتفاع عدد السكان السنّة في الوقت الذي أكّد فيه خامنئي والعديد من المسؤولين الإيرانيين ضرورة رفع عدد السكان في إيران، إذ قال خامنئي إن عدد سكّان إيران يجب أن يبلغ مئة وخمسين مليون نسمة.
معروف أنّ النظام الإيراني يأخذ من معاداته لبعض الدول وخاصّة العربيّة ذريعة لنسب التهم إلى معارضيه بالارتباط بتلك الدول التي يعتبرها عدوة، فيبيح قتل وإعدام المعارضين له. وخلال الحرب الإيرانيّة العراقيّة نسبت تهمة البعثيين إلى المئات من الأحوازيين فأعدموا واليوم تنسب تهم الوهابيّة والسلفيّة إلى العديد من النشطاء الأحوازيين والبلوش والأكراد لإباحة اعتقالهم وإعدامهم.
وقوبلت هذه المواقف العنصريّة بردود أفعال من قبل علماء السنّة في إيران، وفي حديث له مع موقع سنّي أونلاين، أكّد مولوي عبدالحميد خطيب جمعة أهل السنّة بمدينة زاهدان البلوشيّة، رفضه لادعاءات مكارم شيرازي ووصفها بالمثيرة لقلق أهل السنّة. وقال عبدالحميد إن شيرازي طعن في السنّة ويصدّق التقارير التي ترده بسرعة ويطرحها دون التحقق من صدقها.
ورد مولانا غرغيج، خطيب جمعة أهل السنة بمدينة آزاد شهر، على التصريحات المتعلقة بالقلق من ارتفاع النسبة السكانيّة للسنّة في إيران، بالقول إنها تدلّ على قصر النظر والعصبيّة التي ليست في محلّها. وقال السؤال المطروح هو لماذا تتصدر الوفيات المرتبة الأعلى في إيرانيي المناطق السنيّة دون سواها، ولماذا لا نشاهد أي ردود أفعال تجاه ظاهرة انتشار الموت في هذه المناطق؟
وجاء الاعتراف بالعنصريّة المتّبعة من قبل النظام الإيراني تجاه أهل السنّة وكذلك الشعوب غير الفارسيّة مِن أعلى الهرم في الحكومة، إذ أكّد رئيس الجمهوريّة حسن روحاني إقصاء النخب القوميّة والمذهبيّة في إيران، إلّا أنّ انتقاد روحاني لعنصريّة النظام، لم تكلل بأي إجراءات عمليّة ملموسة تساهم في تغيير الوضع الراهن.
ويرى رجل الدين الشيعي الآذري في قم حيدر بيات أنه لا يمكن الوثوق بتصريحات روحاني كونها لا تتجاوز حد التقليل من حدّة التوتّر والسيطرة عليها. ويفيد بيات أنّ التشنّج الحاصل في إيران بين الشيعة والسنة سوف ينتج اختلافات كثيرة مستقبلا من شأنها أن تؤدّي إلى تغيير النظام السياسي في البلاد.
وقام المندوب الكردي الأسبق في البرلمان الإيراني محمّد رئوف قادري، بسبب ارتفاع حدّة الخلافات، بمطالبة حسن روحاني بالإيفاء بالوعود التي قطعها تجاه الشعوب غير الفارسيّة وكذلك الأقليّات الدينيّة والمذهبيّة في إيران. وقال قادري “على روحاني أن يطلب من وزرائه الاستفادة من النخب القوميّة والمذهبيّة في المؤسسات الإيرانيّة”. وأكد أن استمرار سياسة الإقصاء سوف تؤدّي إلى ضربات مؤلمة للوحدة والتآلف بين مختلف الشعوب والمذاهب في إيران. وأضاف قادري أنّ “حكومة روحاني ارتكبت أخطاء كبيرة بتعيينها وزراء ومستشارين لا يملكون الرغبة أبدا في جلب النخب القوميّة والدينيّة”.
يشار إلى أن الدستور الإيراني يحرم أبناء الأقليّات الدينيّة والمذهبيّة من الترشّح لرئاسة الجمهوريّة، فالمادة الـ12 من الدستور تؤكّد أنّ المذهب الرسمي للبلاد هو المذهب الشيعي الجعفري الأثنى عشري. وتفيد المادة الخامسة عشرة من الدستور بأنّ رئيس الجمهوريّة ينتخب من رجال المذهب والسياسة الذين تتوفر فيهم شروط عدّة مثل “أن يكون إيراني الأصل، وذا تبعيّة إيرانيّة، ومديرا ومدبّرا، وذا سيرة حسنة، وتقيا ومؤتمنا، ومؤمنا ومعتقدا بأسس جمهوريّة إيران الإسلاميّة ومذهبها الرسمي”.
- نقلاً عن: العرب اللندنية
عذراً التعليقات مغلقة