* أحمد موفق زيدان
ليس مهماً بالنسبة لي تهنئة مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي بفوز الرئيس الجديد من عدمها، فالواقع هو نفسه منذ عقود، والانتخابات الإيرانية تماماً كمثل الانتخابات السورية، في ظل حكم البعث، اللهم إلا النسبة التي حددها البعث، بينما هنا يحدد المرشد بحسب الإيقاع العالمي والمنطقوي والداخلي من سيفوز يميناً أو يساراً، محافظاً أم أصولياً لا فرق، فللدول سياسات سرية وعلنية، ومن يحكم لسنوات إنما يدير لعبة خيوطها بيد غيره، ولا علاقة له بوضعها ولا بقواعدها، لكنه مع هذا يحاسب على أخطائه وأخطاء من وضع اللعبة.
مرشد الثورة الإيرانية غير المنتخب هو من يصادق على المرشحين المتسابقين إلى الرئاسة، وهذا اللامنطق ينسحب حتى على الغرب والشرق الذي يشيد بديمقراطية كهذه، بينما يجعل من المنطق لا منطقاً، وهو تهجمه على الديمقراطية التركية، فيوجه السهام نحوها، وهي التي أثبتت ريادتها في العالم العربي والإسلامي.
الصورة العامة أمام الناس هي أن إيران تنتخب الرئيس ومجلس البرلمان، وهذه قشرة السياسة الإيرانية، بينما لبُها وأصلها وجوهرها شيء آخر، فثمة مجلس صيانة الدستور، وهي هيئة غير منتخبة تقوم باختيار المرشحين فتجيزهم أو تبعدهم، وهناك الحرس الثوري الإيراني الذي يشكل الدولة العميقة الحقيقية، والذي لا يخضع لسلطة رئيس ولا برلمان، وعلاقته مباشرة مع المرشد، يملك أكثر من %60 من الاقتصاد الإيراني ويقوم على ضبط إيقاع المعادلة السياسية والاقتصادية والخارجية للبلاد، وحين يشذ أياً كان عن الخط العام يواجه بالاعتقال والإقامة الجبرية، كما حصل عام 2009 لقادة ورموز الثورة الخضراء.
أما المرشد شاهد المسبحة الإيرانية فهو منتخب إلى الأبد كعادة الأنظمة الشمولية الديكتاتورية، فالثورة الخمينية آثرت منذ البداية انتهاج معادلة ديمقراطية ضعيفة ممثلة بانتخابات سيرك، مع وجود سياسة قوية يملكها ويتحكم فيها مرشد وأدوات سلطة تتبع للمرشد ذاته، فالرئيس لا يملك حتى تعيين مدير إذاعة وتلفزيون فهي بيد المرشد، وكلنا يذكر كيف تم وقف مقابلة وزير الخارجية جواد ظريف على التلفزيون الإيراني بأمر المرشد.
تتشابه الأنظمة الشمولية والديكتاتورية مهما كانت صورتها ولونها، إذ لا شبيه لمادة حزب البعث السوري الثامنة عن قيادة الدولة والمجتمع، مثل ولاية الفقيه في الدستور الإيراني، والتي تضع الوصاية على الدولة والمجتمع الإيرانيين، فمؤشر الديمقراطية العالمية المعروف بين 0-1 نالت إيران منه %029 أقل من أوكرانيا.
تسعى طهران -كل أربع سنوات- أن تثبت أنها واحة ديمقراطية وتعددية وقوة واقتصادية وعسكرية وسط فوضى، ولكنها تخطئ تماماً، فهذه الفوضى هي من وضعتها وزرعتها ورعتها، وإن كانت تخال أنها قوة عسكرية، فدولة مثل باكستان أقوى منها بأضعاف مضاعفة، وإن كانت تظن أنها قوة اقتصادية، فدول مثل تركيا وماليزيا أقوى منها بمرات، أما إن كانت تخال بأنها ملهمة ديمقراطية، فباكستان وتركيا وماليزيا لا تقارن بها من حيث قوة التجربة وأصالتها وجوهرها، فإن كان لكل دولة سر في قوتها وحضورها فسر قوة وحضور طهران في القدرة على نشر الخراب والدمار والفوضى، وما أحداث العراق والشام واليمن ببعيدة.
المصدر: العرب
عذراً التعليقات مغلقة