مستودعات قديمة لتخزين الحبوب تتحول إلى قاعدة عسكرية في أقصى بلدة ربيعة العراقية على الحدود مع سورية، إلى الغرب من مدينة الموصل. عبارة قد تتصدر عناوين نشرات الأخبار في الأسابيع المقبلة. فالمنشأة المتهالكة القديمة تحولت إلى موقع عسكري مشترك للقوات الأميركية في العراق والوحدات الكردية الخاصة التابعة لقوات البشمركة، غالبيتها تلقت تدريبات مكثفة، طوال العامين الماضيين، على يد مستشارين أميركيين تم اختيارهم من كليتي زاخو وقلاجولان العسكريتين في إقليم كردستان العراق. وللخطوة أبعاد سياسية واستراتيجية ترتبط بمواجهة مشروع التوسع الإيراني في الشرق الأوسط. فالحدود بين العراق وسورية لجهة محافظة الحسكة السورية المقابلة لمدينة ربيعة العراقية بطول 70 كيلومتراً أغلقت تماماً، قبل أيام، وباتت تحت سيطرة الأكراد والقوات الأميركية. هذا ما يمكن تأكيده حتى الآن وفقاً لمصادر عسكرية كردية وأخرى عراقية تحدثت لـ”العربي الجديد” حول الموضوع، وذكرت أن الحدود أغلقت فعلاً وباتت تحت السيطرة. ووصفت الخطوة بمثابة ضربة موجعة للمشروع الإيراني المعروف باسم “طريق طهران ــ دمشق” الذي يمر عبر العراق ووصل إلى مراحل متقدمة، بعد فرض مليشيات “الحشد الشعبي” وقوات عراقية حكومية سيطرتها على أجزاء واسعة من المدن التي يمر بها.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن مشروع الطريق الإيراني الذي كان من المفترض أن ينتهي إلى الحسكة حيث الوحدات الكردية المقربة من إيران ونظام بشار الأسد، بات بمثابة “الميت سريرياً”. فالقوات الأميركية تُحكم سيطرتها من الجو وتشارك على الأرض بوحدات قتالية إلى جانب البشمركة، عبر تنظيم دوريات مستمرة على طول الشريط الحدودي الممتد من ربيعة إلى بلدة بارة العراقية أقصى بلدات قضاء سنجار، والتي تقابلها بلدة الهول في الحسكة، وهي مسافة تبلغ تحديداً 70 كيلومتراً، وفقاً للمصادر ذاتها.
وتجوب الدوريات المشتركة أو المنفردة للبشمركة، وبإشراف مباشر من حكومة كردستان العراق، على طول الشريط الحدودي. وانتهت أخيراً من بناء أبراج مراقبة وثكنات عسكرية وحفر خندق في بعض المناطق التي قد تشهد تسللاً بين الجانبين العراقي والسوري. وهذا يعني أن مليشيات “الحشد الشعبي” التي تمثل في النهاية المشروع الإيراني، سواء سيطرت على تلعفر أو محور غرب جبل سنجار أو لم تسيطر، لن تتمكن من الوصول إلى الحدود السورية من جهة الحسكة، حيث توجد القوات الأميركية والبشمركة الكردية.
ويعتبر الطريق الذي تمهد إيران لجعله شريان إمداد نظام الأسد، هو محور اهتمامها من خلال تحركات الحرس الثوري في العراق ومليشيات “الحشد الشعبي”. ويبدأ من بلدة قصر شيرين الإيرانية الحدودية مع العراق ليدخل عبر محافظة ديالى شرق العراق، وتحديداً مدينة كلار. ويستمر الطريق بعدها إلى بلدات كفري وطوزخورماتو، ثم إلى سلسلة جبال حمرين، وصولاً إلى تلول الباج في محافظة نينوى، ثم الحضر، ومنها إلى عين شمس شمال غربي تلعفر التي تبعد 60 كيلومتراً عن أولى المدن السورية.
ويبلغ طول الطريق 380 كيلومتراً بوقت مقدّر لعبور السيارات عليه بنحو خمس ساعات فقط من الحدود الإيرانية مع مدينة كلار بمحافظة ديالى إلى الحدود العراقية مع سورية، عبر محور تلعفر. وهو طريق أقل مسافة من طريق الأنبار السابق، المغلق حالياً منذ ثلاث سنوات والبالغ 523 كيلومتراً بنحو سبع ساعات ونصف، كما أنه أكثر أمناً بالنسبة للإيرانيين.
وفيما يتعلق بالجزء المتبقي من الحدود العراقية السورية والبالغة مساحتها 81 كيلومتراً، والتي تتجاور فيها مع منطقة البعاج التي لا تزال تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وتقابلها دير الزور التي يسيطر عليها التنظيم أيضاً، قال العقيد في قوات البشمركة، سعيد السنجري، لـ”العربي الجديد” إن “المنطقة تعتبر ثقبا أسود، فهناك التنظيم من جهة والعشائر من جهة ثانية، لذا لن يخاطر الإيرانيون أو المليشيات بالاقتراب منها، كما أن الأميركيين يزحفون نحو المنطقة تلك تدريجياً مع العشائر العربية السنية والقوات الكردية”، بحسب قوله.
وأضاف السنجري، الذي تحدّث عبر الهاتف من معبر ربيعة العراقي-السوري المغلق، أن احتمالات تحوّل العراق إلى جسر بري بين سورية وإيران باتت ضعيفة جداً الآن. وتابع أن الوجود العسكري بدأ مبكراً، والآن اكتمل، والهدف هو بسط القانون وعدم جعل الحدود بين العراق وسورية ملفا سياسيا. وأعرب عن اعتقاده بأن الأتراك مرتاحون جداً لذلك، لا سيما أن الخطوة ستمنع تمدد حزب “العمال الكردستاني” وتمنع وجوده بالقرب من حدودها.
في هذا السياق، أكد القيادي في التحالف الوطني الكردستاني، حمة أمين، رداً على سؤال لـ”العربي الجديد” حول الموضوع أنه “لن يتمكن أحد من العبور إلى الحسكة من دون المرور بقوات البشمركة المدعومة من الولايات المتحدة التي لديها قوات هناك”، وفق قوله.
ومن جانبه، قال عضو لجنة كتابة الدستور في إقليم كردستان العراق، الأستاذ بجامعة صلاح الدين، الدكتور عبد الحكيم خسرو، لـ”العربي الجديد” إن “المرجح هو أن تكون قضية الحدود العراقية السورية ملفا دوليا لا محليا بسبب خطورتها”. وأضاف أنه “كانت الاستراتيجية المشتركة لمليشيات الحشد وحزب العمال الكردستاني هي الوصول إلى تلعفر ثم جبل سنجار باتجاه سورية، ليكون الطريق (بين إيران وسورية) جاهزا ومباشرا، لكن الآن باتت آمال هذا المشروع مبددة تماماً”، وفق وصفه. وبيّن أن قوات البشمركة تتقدم للسيطرة على مناطق حدودية أخرى بعد تحرير مدينة البعاج العراقية المحاذية لدير الزور السورية، مؤكداً أن “وضع الحدود تحت إشراف دولي في هذه الفترة هو الحل الأمثل لمنع استخدامها ورقة من بعض الأطراف”.
معركة الموصل: قتال الشهر الأخير
وفي ما يتعلق بمعركة الموصل، رجحت مصادر عسكرية عراقية أن تنتهي القوات المشتركة التابعة لبغداد والمدعومة من قبل “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن، من حسم المعركة كلياً خلال شهر واحد من الآن. وذكرت المصادر أن إعلان تحرير الموصل يتوقف عليه عدة مشاريع وخطوات سياسية، مشيرةً إلى أن الولايات المتحدة تسعى للتعجيل بالحسم، وهو ما بدا واضحاً من خلال كثافة القصف الجوي والصاروخي على مواقع تنظيم “داعش” في الأحياء العشرة المتبقية من الموصل والواقعة في الجزء الجنوبي الغربي.
وتمكنت القوات العراقية من فرض سيطرتها على مناطق جديدة في غرب الموصل، في إطار عملية الالتفاف وتطويق منطقة المدينة القديمة التي تحاول القوات الأمنية العراقية تنفيذها انطلاقاً من أربعة محاور. وبين منزل وآخر وعبر النوافذ، تتبادل القوات العراقية إطلاق الرصاص مع عناصر تنظيم “داعش” في أزقة المدينة القديمة التي شهدت، على مدى أكثر من شهر، قتالاً ضارياً بدا واضحاً على بنايات المنطقة التي تعرضت لدمار كبير. ونجحت القوات العراقية، خلال يومين فقط، من انتزاع السيطرة على حي الصحة وأجزاء من حي التنك المجاور. وقال المتحدث باسم قوات “مكافحة الإرهاب” العراقية، صباح النعمان، لـ”العربي الجديد” إن هذه “القوات تقدمت من محورين نحو السيطرة على أحياء الصحة والتنك من أجل الالتفاف حول مركز المدينة القديمة”. وأضاف أن “قطعات الفرقة الثانية تمكنت من انتزاع السيطرة على حي الصحة بعد قتل العشرات من عناصر تنظيم داعش”، مؤكداً أن “عملية السيطرة على المدينة القديمة ستعجل من انهيار داعش وحسم المعركة خلال الأيام المقبلة”.
وأعلن مصدر عسكري عراقي أن “خطة القوات العراقية المشتركة تهدف إلى تحقيق عملية الالتفاف وتخطي منطقة الموصل القديمة بعدما تباطأت العمليات العسكرية فيها نتيجةً للمقاومة العنيفة التي أبداها عناصر داعش في المنطقة، بالإضافة إلى قيام هؤلاء باستخدام المدنيين كدروع بشرية”، بحسب قوله. وأضاف المصدر أن “قيادة العمليات المشتركة في الموصل بصدد إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية من مناطق شرق الموصل إلى غربها، من أجل دعم العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش العراقي في مناطق شمال غربي الموصل”. وأكد “قرب انطلاق عملية عسكرية واسعة من المحور الشمالي بمشاركة قوات الفرقة التاسعة والفرقة 16 التابعتين لقوات الجيش العراقي، بهدف انتزاع السيطرة على مناطق حاوي الكنيسة ومشيرفة و17 تموز، الواقعة شمال الجانب الغربي لمدينة الموصل، وهو ما سيحقق هدف تطويق المدينة القديمة”، وفق تعبيره.
وذكر النقيب في قوات الشرطة الاتحادية، محمد فاضل، لـ”العربي الجديد” أن “الشرطة الاتحادية تخوض معركة صعبة للغاية من منزل لآخر مع مقاتلي داعش داخل الحي القديم، حيث تدور معارك في بعض الأحيان من مسافات قريبة جداً داخل المنزل الواحد مع عناصر التنظيم الذين حفروا ممرات وأنفاقا بين جدران المنازل المتراصة في المدينة القديمة”. وأوضح أن “قوات الشرطة الاتحادية لجأت إلى ذات الأسلوب الذي يقاتل به عناصر داعش، ونشرت مئات القناصين وكثفت من الاعتماد على سلاح القصف بالمدافع وقذائف الهاون، بالإضافة إلى استخدام الطائرات المسيّرة لاستهداف عناصر داعش وقياداتهم بين أزقة المدينة القديمة”.
وتحاول القوات الأمنية العراقية تضييق الخناق على مسجد النوري الذي أعلن منه زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي، عام 2014، قيام “دولة الخلافة” في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في العراق وسورية. وستعتبر السيطرة عليه انتصاراً رمزياً كبيراً للقوات الأمنية العراقية.
ومع استمرار العمليات العسكرية في مناطق غرب الموصل تتزايد معاناة السكان المحاصرين في مناطق غرب الموصل، والذين يقدّر عددهم بربع مليون شخص لا يزالون محاصرين داخل المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” في ظروف إنسانية بالغة القسوة. ويعاني المدنيون المحاصرون في مناطق غرب الموصل من انعدام الغذاء والماء واستمرار القصف العشوائي الذي أودى بحياة المئات منهم، والذين لا تزال جثثهم تحت أنقاض المنازل التي دمرها القصف، وذلك بحسب مصادر محلية.
وبعث السكان المحاصرون بنداءات استغاثة للمنظمات الدولية والحكومة العراقية لإيقاف القصف العشوائي على مناطق حاوي الكنيسة و17 تموز والمشاهدة في القسم الغربي لمدينة الموصل، مؤكدين مقتل العشرات من المدنيين في القصف. وقال مصدر طبي في الموصل لـ”العربي الجديد”، إن “المركز الطبي الميداني في جنوب الموصل يستقبل أكثر من 50 مصاباً من المدنيين بشكل يومي بسبب القصف العشوائي المتبادل في غرب الموصل، بينما تعذّر على المئات منهم الوصول إلى المراكز الطبية لتلقي العلاج”، بحسب تأكيده. وذكر المصدر الطبي أن “جثث المدنيين تملأ شوارع حي الثورة في الجانب الأيمن من الموصل، والذين قضوا نحبهم بعد استهداف قناصة تنظيم داعش بعضهم، أو بسبب القصف العشوائي بقذائف الهاون والمدفعية والقصف الجوي من قبل القوات الأمنية العراقية. ولا يزال هناك عشرات المنازل مهدمة على رؤوس ساكنيها”، على حد تعبيره.
- المصدر: العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة