فراس علاوي*
على مر أعوام الثورة شهدت الساحة السورية تدخلات شتى من جميع الدول الإقليمية الدولية , سواء تدخل سياسي داعم للنظام أو للمعارضة أو عسكري داعم للنظام .
الشكل الأكثر وضوحاً لهذا التدخل كان التدخل الروسي الإيراني , فقد جاء هذا التدخل باكراً حيث حصل النظام على دعم الحكومتين الإيرانية والروسية مبكراً , فقد سخرت إيران سياستها الخارجية للدفاع عن النظام في جميع المحافل , كذلك فعل الروس الذين استخدموا الفيتو لأكثر من مرة في مجلس الأمن دفاعاً عن النظام.
الوجود العسكري الإيراني سبق الوجود الروسي بل ربما قدم الروس بطلب إيراني بعد فشلهم في الحفاظ على نظام الأسد رغم دعمهم اللا محدود له , الوجود الروسي الإيراني كان يشبه التحالف الاستراتيجي على الأرض لكنه على ما يبدو كان تحالف مصلحي مؤقت , إذ سرعان ما بدأت الخلافات تظهر على السطح خاصة بعد إخراج فصائل المعارضة من حلب بعد التدخل الروسي والإيراني الواضح والصريح فيها.
هذه الخلافات والتي بدأت عبر وسائل إعلام الطرفين عن طريق محللين عسكريين واستراتيجيين , حيث يتهم الإيرانيون الروس بأنهم لا يقدمون الدعم الكافي للقوات الايرانية والفصائل على الأرض , أما الروس فيتهمون القوات الإيرانية وقوات النظام وحلفائهم من المليشيا بأنهم لا يستطيعون الصمود أمام هجمات المعارضة وأنهم يعتمدون بشكل كلي على الطيران الروسي.
بعد ما حصل في حلب بات الروس يتصرفون وكأنهم سلطة انتداب مما أثار حفيظة الإيرانيين , فبعد الحديث الروسي عن سوريا الواحدة غير المقسمة وعن الحل السياسي , أرسل الإيرانيون بقاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني ليظهر في شوارع حلب في رسالة للروس بأنهم موجودون وأن الأرض لهم , كذلك شهدت المؤسسة العسكرية والأمنية للنظام صراع خفي بين الضباط وقادة المليشيا حيث عمل كلا الجانبين الروسي والإيراني لتنصيب ضباط مؤيدين لهم في مراكز حساسة كان آخرها تشكيل الفيلق الخامس من قبل الروس ليحل مكان المليشيا المدعومة من إيران , لتكون القشة التي قسمت ظهر البعير في مؤتمر الآستانة حين ظهر الخلاف جلياً حول دعوة الأمريكان ونوعية فصائل المعارضة المشاركة فيها ومن ثم تهميش الدور الإيراني مقابل الدور التركي .
يعود الخلاف الروسي الإيراني إلى الاختلاف في أسباب التدخل لكلا البلدين , ففي حين يرى الروس في سوريا نافذة يطلون منها على العالم ليستعيدوا مكانتهم التي خسروها دولياً خاصة بعد هزيمتهم السياسية في العراق وليبيا والعقوبات الغربية عليهم , لذلك فهم يسيرون بطريقين متوازيين , الأول يوطد نفوذهم في سوريا والشرق الأوسط حتى لو احتاج الأمر تدخلاً عسكرياً , الثاني استخدام هذا النفوذ للضغط على المجتمع الدولي لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية تعيد روسيا للواجهة الدولية , وهو ما يبدو أن الروس قد نجحوا فيه حتى اللحظة هذه السياسة لا تستلزم ثوابت محددة , بل تتغير حسب المعطيات فهم لا يتمسكون بأي شرط يؤثر على مصالحهم السياسية وتثبيت نفوذهم حتى لو كان التضحية بحلفائهم بما فيهم الإيرانيون وبشار الأسد وهم يرون أيضاً مصلحتهم في تقييد النفوذ الإيراني والحد منه وهو ما التقى مع السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب التي قد تشهد تحالفاً مصلحياً بين الأمريكان والروس للحد من المشروع الإيراني في الشرق الاوسط كذلك يبحث الروس عن مكاسب اقتصادية تستطيع من خلالها دول الخليج دق اسفين في العلاقات الروسية الإيرانية من خلال استمالة الروس وتحفيزهم باتفاقيات اقتصادية ضخمة تنقذ الاقتصاد الروسي المتهالك .
أما الإيرانيون فيعود تدخلهم في المنطقة وفي سوريا إلى استراتيجية إيران التوسعية وأحلامها الإمبراطورية وإلى مشروع طائفي يمتد من طهران إلى دمشق مروراً ببغداد مدعومة بجناحي مشروعها في لبنان حيث يدها اليمنى المتمثلة بحزب الله اللبناني وفي اليمن متمثلة بجماعة الحوثي , هذا الحلم الإمبراطوري الطائفي يرى بقاء نظام بشار الاسد الضامن الوحيد لتحقيقه ولذلك فهم يخوضون صراع وجود في المنطقة من أجل تثبيت مشروعهم .
من هنا يبرز الخلاف الروسي الإيراني , فالإيرانيون لا مانع لديهم من تقسيم سوريا بل وتحويلها لى كانتونات صغيرة شريطة الإبقاء على نفوذهم وعلى نظام بشار الأسد وعلى الطريق الذي يمر من سوريا إلى حزب الله اللبناني وبالتالي بقاء مشروعهم التوسعي على قيد الحياة , فيما يرى الروس في سوريا ورقة ضغط على المجتمع الدولي وعلى اللاعب الأمريكي بصورة خاصة لاستعادة الدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفياتي سابقاً.
خلاف المصالح قد يجعل من الخلاف السياسي واضحاً وقد يتبعه خلاف استراتيجي فيما بعد بين الحليفين الذين جمعتهما مصالح مؤقتة
عذراً التعليقات مغلقة