* ساري الساري
يعيب منتقدو الرئيس ترمب عليه أنه رجل اقتصاد وليس رجل سياسة، ويتناسى هؤلاء أن الاقتصاد أبو السياسة وأمها و(أخوها)، ويعيبون عليه أيضاً أنه متسرع ومتهور باتخاذ القرارات، والرد الطبيعي على هذا القول: أن تكون متسرعاً وتتخذ قراراً متهوراً أفضل من أن تصمت وتوهم الغير أنك ستتخذ قراراً، كما في حالة الرئيس الأسود أوباما، و”الأسود” هنا لا تحمل لدينا أي دلالة عنصرية إنما للدلالة على الأيام السود والكوارث الإنسانية التي عاشها العالم في ظل فترة حكمه، وعلى الرغم من أنها كانت أياماً سودا إلا أنه كان يتخللها الكثير من الخطوط الحمر وهذا “للأمانة التاريخية”.
ويعيبون عليه أيضاً أنه مهادن لروسيا، وفي هذا الاتهام سذاجة لا تخفى، فمن نافل القول أن رئيساً للولايات المتحدة لا يمكن وليس بمقدروه أن يتبع لدولة أخرى وخصوصاً دولة عظمى مثل روسيا، وهذا ما يتعارض مع شعار ترمب:Make America Great Again فأنه من غير الطبيعي أن يسمح ترمب لروسيا أو غيرها أن تتمدد على حساب مصالح الولايات المتحدة إذا كان ترمب فعلاً يريد أن يعيد أمريكا دولة عظمى من جديد، وعلى ما يبدو أنه جاد في كل تصريحاته السابقة والدليل الأكبر أن أبرز شعارات حملته الانتخابية قد ذكرها في خطاب تسلم الرئاسة وأنه يمضي قدماً نحو تطبيقها على أرض الواقع.
ورغم انطلاق موجة الاحتجاجات ضد الرئيس ترمب في أكثر من ولاية أمريكية، فإن من التوقع أن يتجاهل ترمب هذه الاحتجاجات وسيركز في فترة حكمه الأولى على الداخل الأمريكي وسيبدأ العمل عليها خلال الستة أشهر القادمة.
فبحسب خطة نشرها البيت الأبيض يوم الجمعة 20 يناير/ كانون الثاني، تعهد ترمب، من خلال فقرة “إعادة فرص العمل والتنمية”، بخلق أكثر من 25 مليون فرصة عمل في الولايات المتحدة ورفع مستوى التنمية الاقتصادية إلى 4 بالمئة سنويا في العقد القادم، وذلك عن طريق تطبيق خطة خاصة حول هذه المهمة، بالإضافة إلى العديد من الخطط كالإصلاح في مجال الضرائب الذي سيؤدي إلى رفع مستوى معيشة الطبقة العاملة للمجتمع الأمريكي.
وبما أن ترمب رجل اقتصاد فستكون له سياساته الاقتصادية في الخارج أيضاً، فبحسب خطة إدارة الرئيس الأمريكي الجديد فيما يخص السياسة الخارجية، فقد ورد في هذه الخطة أن “الأمريكيين أجبروا، لفترة طويلة للغاية، على قبول صفقات تجارية وضعت مصالح بعض الجهات الداخلية والنخبة في واشنطن فوق مصالح الرجال والنساء المحبين للعمل”، لذا فقد وعد بـ“صفقات تجارية عاملة لمصلحة جميع الأمريكيين” أي إن “الاتفاقات الصارمة والعادلة في مجال التجارة الدولية من شأنها أن تستخدم من أجل ضمان تنمية الاقتصاد وإعادة ملايين فرص العمل للأمريكيين، لذا سيتجه ترمب للانسحاب من اتفاقية التعاون العابر للمحيط الأطلسي كخطوة أولى على طريق اتباع هذه الاستراتيجية.
أما في مجال الطاقة فيبدو أن إدارة دونالد ترمب ستضع حداً لاعتماد الولايات المتحدة، في مجال الطاقة، على أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” والجهات الخارجية الأخرى.
أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، وفقا لخطة “أمريكا أولا”، فإن “إدارة ترمب تتعهد بانتهاج سياسة خارجية تركز على المصالح الأمريكية والأمن القومي الأمريكي”، مشددة على أن مبدأ “السلام من خلال القوة سيشكل محور هذه السياسة الخارجية، وأن “هزيمة تنظيم داعش وتنظيمات متطرفة إسلامية إرهابية ستمثل الأولوية الأعلى” لقيادة ترمب و”ستقوم بتنفيذ عمليات عسكرية حاسمة ومشتركة في إطار تحالفات قديمة وجديدة.
وأغلب الظن أن المرحلة المقبلة هي مرحلة الرئيس التركي أردوغان الذي سينتهز فرصة مهاجمة ترمب للإتحاد الأوربي وسيستغل ذلك الخلاف لصالحه مما يعزز فرضية دخول تركيا مع الولايات المتحدة في تحالف عسكري من أجل هزيمة هذه التنظيمات، وأعتقد أننا سنشهد مقتل أبو بكر البغدادي متزعم تنظيم داعش وسيعمل ترمب جاهداً لتحقيق ذلك.
وهنالك عدة سيناريوهات متوقعة، منها دخول سوريا عسكرياً عبر تحالف عسكري مع تركيا سيكون الخاسر الأكبر فيه الأكراد وتنظيم داعش أو الرجوع عسكرياً عن طريق العراق ودعم السنة هناك، يقابلها إضعاف لأذرع إيران العسكرية كالحشد الشعبي وغيرها من التنظيمات، أي أن المرحلة المقبلة في العراق قد تشهد إضعاف أدوات إيران في المنطقة، وينطبق ذلك على حركة حماس التي سيتم إضعافها أو ربما القضاء عليها مقابل عودة حركة فتح لتصدر المشهد الفلسطيني.
أما فيما يتعلق بالوضع السوري، فلا يمكن التكهن حالياً بما ستؤول إليه الأوضاع، وبالتأكيد سيكون ترمب أفضل من سلفه الأسود أوباما لأنه أشد وضوحاً ولن يتغير علينا شيء، فلا تزال المدن السورية تقصف ليلا نهارا، وسط صمت وعجز دولي، لكن كل ما نعلمه أن هذا الكوكب المجنون يحتاج لرجل مجنون مثل ترمب.
عذراً التعليقات مغلقة