أصدرت السلطات التركية قراراً، يوم أمس الثلاثاء، تسمح بموجبه لشخص واحد من كل عائلة سورية لاجئة على أراضيها بزيارة بلاده والعودة إلى أراضيها ثلاث مرات، في الفترة بين كانون الثاني/ يناير وتموز/ يوليو 2025، لتسهيل عودة أفراد عائلته.
وجاء القرار استجابة لمطالب “منصة حقوق اللاجئين” التركية، التي عقدت مؤتمراً صحفياً في 20 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، في مقر منظمة “Mazlumder” الحقوقية في إسطنبول، دعت فيه إلى مجموعة بنود، منها: ضرورة وضع برنامج مخطط للذين يريدون العودة إلى سوريا، وتغيير السياسة المتبعة بعدم إمكانية عودة حملة بطاقة الحماية المؤقتة (كملك) إلى تركيا بمجرد ذهابهم إلى بلادهم.
منذ سقوط الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الحالي وحتى القرار الأخير، حُرم غالبية السوريين في تركيا، من حملة كل الإقامات والمجنسين أيضاً، من زيارة بلادهم والعودة، باستثناء من يملك “بطاقة تاجر، ورقة مهمة من المجالس المحلية السورية، مهمة عمل بالمنظمات الإنسانية”، كما أوضح سنان بيانوني، منسق “مشروع حماية” في منبر منظمات المجتمع المدني، لـ”سوريا على طول”.
لم يصبر تيسير الأحمد، المقيم في مدينة الريحانية جنوب تركيا، حتى صدور مثل هذا القرار، وقرر العودة إلى سوريا فور إعلان سقوط الأسد. بعد ثلاث محاولات، تمكن أخيراً من دخول الأراضي السورية، في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، تاركاً وراءه زوجته وطفليه.
كانت إجراءات دخوله عبر معبر باب الهوى “معقدة”، استغرقت 13 ساعة، كما أوضح الأحمد، المعروف إعلامياً باسم “الناشط أبو معاذ الحمصي” لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن زوجته ستلتحق به “بعد تأمين سكن، لأن منزلنا في حي كرم الزيتون بحمص مدمر وغير صالح للسكن”.
عند وصوله إلى حمص، مسقط رأسه، وجد “الوضع مزرياً”، على حد تعبيره، نظراً لـ”حجم الدمار الكبير” الذي طال أحياء حمص، بما في ذلك حي كرم الزيتون، حيث منزله.
رجل يقف وسط الركام في حي كرم الزيتون بحمص، 20/ 12/ 2024، (تيسير الأحمد/ خاص لـ”سوريا على طول)
في استبيان وزعته “سوريا على طول” على 32 سورياً مقيماً في تركيا، قال 10 بالمئة منهم أنهم عادوا فعلاً إلى سوريا، بينما 30 بالمئة منهم ينوون العودة بعد انتهاء العام الدراسي، و50 بالمئة يفكرون بالعودة إذا استقرت الأوضاع هناك، أما 10 بالمئة لا يفكرون بالعودة.
وأشار 35 بالمئة من المشاركين في الاستبيان أن منازلهم في سوريا تعرض للدمار بشكل كلي أو جزئي.
“راودتني فكرة العودة منذ اليوم الأول لتحرير دمشق”، قال حسام غانم، أحد المشاركين في الاستبيان، وهو سوري مقيم في مرسين ويحمل بطاقة الحماية المؤقتة (كملك)، لكن عودته “تتوقف على عاملين، الأول: عدم وجود مسكن للعائلة، والثاني: منع الحكومة التركية منحي إذن سفر يمكنني من العودة”.
مع صدور قرار السماح للسوريين بزيارة بلادهم ثلاث مرات في غضون ستة أشهر، انتفى العامل الأول، وبقيت مشكلة السكن عند غانم، مشيراً إلى أنه يملك “مبنى من ثلاثة طوابق في مدينتي الزبداني بريف دمشق لكنه مدمّر بالكامل، فيما نُهب منزلي في دمشق بالكامل، بما في ذلك الأبواب والنوافذ”.
إجراءات العودة
تشهد الحدود التركية-السورية حركة نشطة، منذ التاسع من الشهر الحالي، عبر معابر: جرابلس، باب السلامة، باب الهوى، الحمام بريف عفرين، إضافة إلى معبر كسب في اللاذقية، الذي افتتح في اليوم التالي لسقوط الأسد بعد إغلاقه منذ عام 2013.
وأعلنت إدارة معبريّ جرابلس وباب السلامة الحدوديين بريف حلب، في بيانين منفصلين، أن المعبرين يعملان على مدار 24 ساعة، مع السماح للعائدين بنقل أثاث منازلهم من تركيا إلى سوريا.
وفي هذا السياق، قال زياد أبو علي، المسؤول الأمني في معبر باب السلامة، لـ”سوريا على طول” أن متوسط عدد العائدين يومياً، منذ التاسع من الشهر الحالي، يبلغ حوالي 580 شخصاً، عبر باب السلامة فقط، موضحاً أن المعبر يعمل على مدار الساعة، وبطاقة استيعابية تتجاوز خمسة آلاف شخص يومياً.
بلغ عدد العائدين من تركيا إلى سوريا، خلال آخر 15 يوماً، 25 ألف شخص “بشكل طوعي وآمن”، كما صرح وزير الداخلية التركي، علي برلي قايا، أمس الثلاثاء، موضحاً أن عدد السوريين المقيمين في تركيا تحت الحماية المؤقتة أكثر من 2.9 مليون شخصاً.
نشرت وكالة الأناضول التركية إجراءات عودة السوريين “الطوعية” خطوة بخطوة، وتشمل: تقديم الطلب، استصدار إذن السفر واستمارة العودة الطوعية، ومن ثم إجراءات المعابر الحدودية، انتهاء بالمغادرة.
وعن الإجراءات في المعبر، قال أبو علي، المسؤول الأمني في معبر باب السلامة، أن بصمة المسافر تؤخذ في الجانب التركي ويطلب منه التوقيع على استمارة العودة الطوعية، بينما في الجانب السوري تستكمل باقي الإجراءات، والتي تشمل “التقاط صورة للشخص وإصدار ورقة قيد تُثبت عبوره وتحدد تاريخ عودة، وهذه الورقة بمثابة هوية شخصية مؤقتة صالحة لمدة ثلاثة أشهر”.
إضافة إلى العائدين طوعياً، يعبر من 40 إلى 80 شخص يومياً، عبر معبر باب السلامة، من المرحّلين قسرياً من تركيا، بحسب أبو علي.
يستطيع السوري الراغب بالعودة الطوعية تقديم الطلب مباشرة من خلال مراجعة إدارة الهجرة أو بحجز موعد عبر الموقع الإلكتروني لإدارة الهجرة في الولاية التي يقيم بها، ليُمنح الشخص إذن سفر يتوجه به إلى أحد المعابر الحدودية، شريطة ألا يكون صادر بحقه ملاحقة قضائية أمنية، بحسب بيانوني، منسق “مشروع حماية”.
لكن أيضاً، يمكن تقديم طلب العودة في المعبر الحدودي، ويُسمح للمسافر حامل بطاقة (كملك) الراغب بالعودة النهائية دخول سوريا فوراً، مع مراعاة “الحفاظ على وحدة الأسرة، بأن يكون الأطفال مع والديهم، وفي حال كانوا برفقة أحد الوالدين يتطلب الأمر موافقة خطية من الوالد الآخر موثقة من قبل النوتر”، بحسب بيانوني.
أما بالنسبة لأصحاب الإقامات السياحية أو العمل أو المجنسين لا يوجد قرار حتى الآن يسمح لهم زيارة بلادهم ومن ثم العودة إلى تركيا، بحسب بيانوني، إلا بحالات محددة للتجار والعاملين الإنسانيين من لديهم مهمات رسمية.
هل يمكن التراجع عن العودة؟
لم توضح أنقرة في قرارها، الصادر أمس، الذي يسمح بزيارة أحد أفراد العائلة بلده ثلاث مرات في غضون الست الأشهر القادمة، إمكانية عدوله عن قراره والعودة إلى تركيا بشكل نهائي.
تعليقاً على ذلك، اتفق بيانوني والناشط الحقوقي طه الغازي، على أن هدف القرار تسهيل العودة لكنه غير ملزم للعائلة التي يزور أحد أفرادها سوريا بالعودة، كما أوضحا لـ”سوريا على طول”.
وبدوره، قال المحامي غزوان قرنفل، المقيم في مرسين، لـ”سوريا على طول” أن “القرار يقدم تسهيلات لعودة اللاجئين إلى بلادهم”، وفي نفس الوقت “يعطي تطمينات لمن هم تحت الحماية المؤقتة بأن إقامتهم لن تُلغى خلال هذه المدة، حتى يتمكن من تأمين مسكن أو تأهيل المسكن المدمر وإيجاد فرصة عمل، وبذلك تكون العودة النهائية للعائلة ممكنة”.
أثنى المحامي عبد الناصر حوشان، عضو هيئة القانونيين السوريين، المقيم في غازي عنتاب على القرار التركي، لأن غالبية اللاجئين المقيمين في تركيا “لا يمكنهم العودة بسبب عدم وجود المأوى أو المقومات الأساسية للحياة، وعدم وجود الإمكانيات المادية لإعادة الإعمار أو حتى مصاريف النقل إلى سوريا”، مستنداً في رأيه على زيارة مدينته كفرزيتا في ريف حماة الشمالي، التي وجدها “مدمرة بنسبة 95 بالمئة، وليس فيها أدنى مقومات الحياة، وهذا ينطبق على كل القرى والمدن في الأرياف السورية”، على حد قوله.
وبما أن العودة غير ممكنة على المدى القريب، “يتوجب على الحكومة التركية العمل على تأمين الحد الأدنى من المستوى المعيشي للسوريين العائدين، عبر استمرار العمل ببطاقات الهلال الأحمر“، الممنوحة من الاتحاد الأوروبي، ويستفيد منها كل لاجئ سوري بمبلغ 700 ليرة تركية شهرياً، مع مبلغ إضافي مقداره 2400 ليرة لذوي الاحتياجات الخاصة، أو “صرف مبالغ مقطوعة تمكنهم من ذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي”، بحسب حوشان.
من جانبها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، في 17 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، أن “الاتحاد الأوروبي يمنح تركيا تمويلاً إضافياً، بقيمة مليار يورو، مخصصاً لرعاية شؤون اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم، سيُسهم في إدارة الهجرة والحدود، والعودة الطوعية للاجئين السوريين”.
ومن جهته، أعلن أردوغان عن استعداد بلاده لدعم الإدارة السورية الجديدة في تأسيس دولة جديدة، نافياً أن يكون هناك ضغط على اللاجئين من أجل إعادتهم، وإنما “العودة على أساس طوعي”.
تحذيرات من العنصرية
بعد سقوط نظام الأسد، علت بعض الأصوات التركية، بعضها من سياسيين، تطالب بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وإلغاء نظام الحماية المؤقتة، وإعادة النظر في ملفات التجنيس الاستثنائية التي مُنحت للعديد من السوريين، كما قال لـ”سوريا على طول” الناشط الحقوقي الغازي، الذي كان مشاركاً في المؤتمر الصحفي الذي عقدته “منصة حقوق اللاجئين” في إسطنبول.
وبالتزامن مع ذلك، تداول أتراك أخباراً تفيد بعودة اللاجئين إلى بلادهم بسيارات معفاة من الضرائب، وهي ادعاءات غير صحيحة نفاها مركز مكافحة التضليل في تركيا، مؤكداً في بيان له أن السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة لا يحصلون على أي إعفاءات ضريبية أو امتيازات، وأنهم ملزمون بدفع جميع الرسوم المفروضة على السيارات، حالهم حال المواطنين الأتراك.
في بيان مخرجات المؤتمر، أشارت المنصة إلى أن “الدوائر التمييزية والعنصرية في تركيا تواصل مواقفها القديمة في ظل الوضع الجديد” إذ إن بعض السياسيين، الذين كانوا يطالبون بتسليم السوريين إلى بشار الأسد يواصلون اليوم دعايتهم تحت شعار “أعيدوا السوريين”، ومن خلال هذه الخطابات “التي تثير قلق اللاجئين وتضر بالانسجام الاجتماعي، يحاولون الضغط على صناع القرار السياسي في تركيا لدفعهم إلى ارتكاب ممارسات خاطئة خلال هذه الفترة الانتقالية الحرجة”.
وتعليقاً على ذلك، أشار الغازي إلى أن المشاركين في المؤتمر “دعوا كافة الأطراف التركية إلى الابتعاد عن ممارسة ضغوط على اللاجئين السوريين، التي باتت تلقي بظلالها على المجتمع التركي، الذي تتفق فئات منه مع تصريحات بعض الساسة الأتراك: لماذا ستبقون في تركيا بعد سقوط الأسد؟، ما ينذر باعتداءات عنصرية على السوريين”، وفقاً له.
قبل التغييرات الأخيرة في سوريا، نشرت “سوريا على طول” تقريراً رصدت فيه ثماني عمليات قتل بحق السوريين على يد أتراك، منذ مطلع تموز/ يوليو حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وهو دلالة على أن الجرائم قد تكون تتويجاً لـ”العنصرية”.
على الأتراك أن يعلموا أن “حوالي 40 بالمئة من الجغرافيا السورية قد سويت بالأرض بفعل القصف السابق، لذا لا يمكن عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم دون توفير سبل الاستقرار لهم”، بحسب الغازي.
عاد تيسير الأحمد إلى مدينته، التي نشأ وحوصر فيها قبل رحلة لجوء قاسية انتهت به في تركيا، متمنياً أن تتوفر الظروف المناسبة لعودة عائلته وجميع السوريين إلى بلادهم.