بعد أكثر من 15 ساعة من البحث، عثر على طائرة رئيس الجمهورية الإسلامية في غابات ديزمار الواقعة بين قريتي أوزي وبير داود بمنطقة ورزقان في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران. أعلن رسميا عن وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان، وإمام جمعة تبريز آية الله آل هاشم ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، واثنين من مرافقيهم، بعد سقوط المروحية التي كانت تقلهم في أذربيجان الشرقية.
تحدثت الرواية الرسمية عن أن سبب سقوط المروحية وتعثر الوصول إلى المكان لساعات طويلة هو سوء الأحوال الجوية، وعطل طرأ على الطائرة أجبرها على تنفيذ هبوط اضطراري، بينما تحدثت روايات كثيرة عن أن الحادث هو عملية اغتيال.
البعض أشار بأصابع الاتهام إلى إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو، خصوصا أن الأخيرة لم تتوقف عن استهداف قيادات إيرانية على مدى السنوات الأخيرة، ولكن هذه المرة المستهدف هو رئيس الجمهورية ووزير خارجيته. أصحاب هذه النظرية لم يتوانوا عن اتهام حكومة أذربيجان بالتورط في الحادث، خصوصا أن إيران لطالما اتهمت جارتها حكومة أذربيجان بالتواطؤ مع إسرائيل والسماح لها باستخدام أراضيها لاستهداف الداخل الإيراني. يأتي هذا الاتهام بعد أسابيع قليلة من استهداف إسرائيل للقسم القنصلي بالسفارة الإيرانية في دمشق والذي أدى إلى مقتل عدد من كبار ضباط “الحرس الثوري” وفي مقدمتهم الجنرال محمد رضا زاهدي المسؤول عن عملية التنسيق مع الفصائل الموالية لإيران في سوريا ولبنان وفلسطين.
غير أن استهداف السفارة في دمشق كان واضحا، وكاد أن يتسبب في حرب كبرى بالمنطقة، لولا أن إيران اختارت الرد بعناية فائقة جدا وضمن حدود المسموح به قانونيا تحت بند “حق الدفاع عن النفس”، بينما في حادث مروحية الرئيس لم توجه إيران أي اتهام لأية جهة.
سار الأمر بسلاسة، ليس لأن إيران دولة قانون ومؤسسات، بل لأن إيران هي دولة “الولي الفقيه”
الفرضية الثانية، أو الاتهام الثاني بافتعال حادث سقوط المروحية توجه إلى أجنحة داخل النظام الإيراني نفسه. خلافة المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، هي الدافع للتخلص من رئيسي، حيث إن اسم إبراهيم رئيسي كان يتردد دوما من ضمن المرشحين المحتملين لمنصب المرشد الأعلى، حتى قبل أن يتم انتخابه رئيسا للجمهورية، واليوم بعد مقتله صار مجتبى خامنئي، الابن الثاني للمرشد الأعلى، وأبرز المرشحين لخلافة والده، هو الأوفر حظا بالحصول على لقب المرشد.
وإن كانت بعض المصادر قد كشفت لـ”رويترز” أن اسم رئيسي كان قد سبق وحذف من قائمة الخلفاء المحتملين للمرشد بسبب تراجع شعبيته وسوء إدارته للبلاد والوضع الاقتصادي الرديء الناجم عن العقوبات الأميركية، إلا أن هذا بحد ذاته يعزز فرضية الاغتيال ليكون بذلك رئيسي هو “كبش المحرقة”، فهو المسؤول الأول عن قمع الانتفاضة التي انطلقت في المدن الإيرانية بعد مقتل مهسا أميني على يد الشرطة الإيرانية بسبب حجابها الذي لم يتوافق مع معاييرهم، وهو الذي فشل في إدارة البلاد، وتاريخه في “لجنة الموت” أو “قضاة الموت” المسؤولين عن إعدام آلاف المعارضين الإيرانيين في صيف 1988 تجعل منه مرشحا جيدا ليتم التخلص منه دون عقبات تذكر.
تحدثت الرواية الرسمية عن أن سبب سقوط المروحية وتعثر الوصول إلى المكان لساعات طويلة هو سوء الأحوال الجوية
وأيا يكن سبب مقتل الرئيس ومن معه- وتلك الحقيقة قد تأخذ سنوات طويلة قبل أن تكشف، إن كُشفت- فإن أولى كلمات خامنئي بعد فقدان الاتصال بالمروحية (إن إدارة البلاد تمضي على نحو منظم وسليم، لا يجب أن يشعر الناس بالقلق)، هي ما يجب التوقف عنده.
لقد سار الأمر بسلاسة، ليس لأن إيران دولة قانون ومؤسسات، بل لأن إيران هي دولة “الولي الفقيه”، ومؤسسة الولي الفقيه، يتبدل رؤساؤها ووزراء خارجيتها، يقتل قاسم سليماني ويقتل بعده بسنوات محمد رضا زاهدي، لكن مشروع إيران التوسعي لا يتأثر، قد يختلف التكتيك بين رئيس وآخر، بين قائد في ميليشيا “الحرس الثوري” وآخر، إلا أن الثابت والذي سارعت طهران لتأكيده، هو تلك الصورة الآتية من طهران لاجتماع قادة من “المحور” ترأسه القائد العام لقوات “الحرس الثوري” الإيراني اللواء حسين سلامي، وقائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني، وحضره مسؤولون من “حزب الله”، وحركة “حماس”، وحركة “الجهاد الإسلامي”، وحركة “أنصار الله”.
إيران العاجزة عن تحديد موقع سقوط طائرة رئيسها، والتي نرى تواضع إمكانياتها في كل مرة تحصل فيها كارثة طبيعية- زلزال، أحوال جوية سيئة، سقوط مروحية- لم تعجز أبدا عن نشر الفوضى في المنطقة.
عذراً التعليقات مغلقة