يعد تجنيد الأطفال وزجهم في أتون الحروب الطاحنة من أكبر الجرائم التي ترتكب في سوريا، ورغم أن كل الأطراف المتصارعة متهمة بالتورط بهذه الجريمة، إلا أن أكثرها، وحسب الإحصاءات، هو حزب العمال الكردستاني PKK، الذي يجند الأطفال، بل يخطفهم خطفاً وينقلهم إلى كهوف جبال قنديل كي يتم غسل أدمغتهم ليكونوا جنوداً مخلصين في حروب الحزب الستاليني، بعد تربية عسكرية عقائدية ديموغوجية خالصة.
أسماء وأرقام
ولكن الطامة الكبرى هي أنه يتم دولياً التغطية على جرائم العمال الكردستاني، وتصويره غربياً على أنه هو الوحيد الذي وقف في وجه داعش، من هنا تأتي أهمية كتاب “شهداء بلا قضية.. مقاتلون صغار على جبهات كبيرة” وهو دراسة أعدها الكاتب والباحث حسين جلبي وصدرت في العام 2021 عن دار نرد للنشر والتوزيع.
الكتاب أماط عبر 225 صفحة اللثام بالأسماء والأرقام عن كثير من تفاصيل هذه الجريمة المستمرة، والتي يتم التستر عليها دولياً.
يقول جلبي إن الكُرد لم يعرفوا جرائم خطف الأطفال وتجنيدهم قبل ظهور حزب العمال الكردستاني، الذي رفع شعار توحيد الكرد وتحقيق الحرية لهم عبر أجساد الأطفال البضة! وحتى بعد سجن زعيم هذه الجماعة عبد الله أوجلان وإعلانه التخلي عن شعارات الحزب وأدواته التقليدية، إلا أن قادته “الآبوجيين” استمروا دون توقف بخطف القُصَّر.
ازدواجية تعامل
الكتاب الأول من نوعه كردياً يقول إنه إذا كان الكرد غالباً قد تعاملوا بصمت مع تجنيد أطفالهم رغم أنها استنزفتهم، إلا أن الغرب قد تعامل بازدواجية مع هذه الجريمة، فالمنظمات الحقوقية الغربية تناولت جرائم تجنيد الأطفال وضغطت على الكردستاني لوقفها ووقعت عبثاً معه اتفاقيات بهذا الخصوص، لكن الإعلام الغربي قد خصص حيزاً لا يستهان به للترويج لهذا الحزب المصنف في كثير من الدول على قوائم الإرهاب، وتحديداً بعد بدء الحرب على داعش، خاصة للمقاتلات الكرديات، “واعتبارهن الوجه العصري الجميل للكفاح من أجل الحرية المقابل لإرهاب داعش المتخلف”.
تهمة جاهزة.. داعشي
يسرد مثالاً عن أب خطف ابنه في نواحي مدينة كركوك العراقية، وبعد بحث حثيث توصل الأب إلى أحد مسؤولي بي كي كي الذي أقر بوجود الطفل في معسكراتهم، ولكن هذا المسؤول الحزبي قال لوالد الطفل “إذا كنتم تقولون إنه صغير فأنا قد تم جلبي إلى قنديل عندما كنت في الثامنة من عمري”، إلا أن الغريب هو التهديد الذي وجهه المسؤول الحزبي لوالد الطفل المفجوع، “إذا لم تتراجع سنضع علم داعش في يد ابنك ونقول إننا قبضنا على هذا الداعشي”.
تشغيل الأرحام!
هذا التنظيم المصنف عالمياً كحزب إرهابي، لم يكتفِ بخطف الأطفال، بل طالب على لسان جوان إبراهيم القائد العام لقوات الأسايش الأمهات والبنات الكرديات بـ “تشغيل أرحامهن” منذ اليوم الأول لصنع مقاتلين لوحدات حماية الشعب”. جوان إبراهيم الذي ظهر فجأة كقائد بعد أن تسلم العمال الكردستاني المناطق الكردية السورية من نظام الأسد، كي يتفرغ الأخير للخطر الوجودي الذي يهدد معاقله.
يوثق الكتاب العديد من الحالات التي لجأ فيها أهالي الأطفال المختطفين إلى الانتحار بحرق أنفسهم، ويوثق كذلك بالأسماء والتواريخ 84 اسماً لأطفال قد تم خطفهم في سوريا منذ سيطرة الحزب على المناطق الكردية عام 2012 حتى عام 2022، مشدداً على أن عمليات الاختطاف لم تتوقف حتى إصدار الكتاب، الذي وثق أيضاً أسماء عشرة أطفال مجندين قد قتلوا أثناء معارك الحزب.
تجهيل المناطق الكردية
يشرح الكاتب الأسس التي يلجأ حزب العمال الكردستاني إليها لتجنيد الأطفال ومبررات وأسباب وطرق تجنيدهم، موضحاً أن الحزب رفع شعارا في تركيا “عدم الدراسة بلغة الأعداء” فقتل المعلمين وأحرق المدارس، ما جعل الجهل يستشري في المناطق الكردية النائية بتركيا، والجهل هو ما استغله الحزب للتجنيد كأنه يرفع شعار “التجنيد بدل التعليم” !
وفي سوريا عمد إلى تأسيس مؤسسات تربوية لا شيء فيها سوى التلقين الأيديولوجي، بل يكشف جلبي أن قادة الكردستاني في سوريا كانوا لا يثقون بمدارسهم، ولذلك كانوا يرسلون أبناءهم خفية ليدرسوا في مدارس النظام، “وقد حصلوا على شهاداتهم الدراسية منها في الوقت الذي أجبروا فيه الكرد على الالتحاق بمدارس حزبهم غير المعترف بها”.
خطف للتحرير!
حزب العمال برر عمليات تجنيد الأطفال وخاصة الفتيات منهم بسعيه لتحريرهم من العنف الأسري الذي يتعرضون له، وخاصة من سفاح الأقارب والزواج القسري بالنسبة للفتيات، وبعد استخدام الطفل المجند لإسكات عائلته، يصبح الطفل أداة لابتزاز العائلة وتجنيد كل أفرادها وتوزيعهم على المنظمات التابعة للحزب.
أيقونات وهمية!
يقول جلبي إن حزب أوجلان يسوق نفسه كمعارض لنظام الأسد، رغم أنه قد خاض المعركة عنه للسيطرة على الكرد، واستنزف الحزب الأكراد بمعارك لا تفيدهم سواء مع المعارضة السورية أو مع تركيا، صانعاً مظلومية ليس لها سند.
وبخصوص “المقاتلات الكرديات الشهيدات” كشف جلبي عن أن (ملاك كوباني) التي يسوق لها التنظيم الآبوجي على أنها قتلت العشرات من تنظيم داعش قبل أن تقع في الأسر وتنتحر، موضحاً أن جامعة كولومبيا الأمريكية خرجت بتقرير قالت فيه إن قصة هذه الفتاة الملقبة ب(ريحانة) ليست أكثر من كذبة؟
حسين جلبي الكاتب والناشط الحقوقي الكردي السوري الذي في رصيده عدة كتب وعشرات البحوث والمقالات الحقوقية، يختم كتابه بالقول “وأنا أتأمل وجوه الأطفال الأبرياء الذين اغتال التجنيد القسري طفولتهم، وكسر عودهم الطري، لا بل اقتلعهم من جذورهم وأقام على حطامهم هياكل فارغة تتحرك بأجهزة تحكم بعيدة، رحت أسأل نفسي لو لم يقم حزب العمال الكردستاني بخطفهم وتجنيدهم، وأخذوا بالتالي فرصتهم في الحياة مثل أقرانهم في النمو الطبيعي واللعب والدراسة وبناء المستقبل وتحقيق أحلامهم في العمل وبناء الأسرة، كيف يمكن أن يكونوا الآن؟”.
عذراً التعليقات مغلقة