تشعر السلطات العراقية بالقلق إزاء فرض الولايات المتحدة ضوابط طويلة الأمد على التعاملات بالدولار بهدف وقف تدفق الأموال إلى إيران، في ظل تراجع اقتصاد البلاد وفقدان العملة المحلية نحو 10 في المئة من قيمتها.
وسلط تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، الخميس، الضوء على أزمة “الدولار” في العراق وما رافقها من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والسلع المستوردة.
وقالت الصحيفة إن العراقيين يعزون سبب ذلك إلى التغيير الملحوظ في سياسة وزارة الخزانة الأميركية وبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك خلال الأسابيع الماضية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وعراقيين القول إن بنك الاحتياطي الفيدرالي بدأ في نوفمبر الماضي بفرض ضوابط أكثر صرامة على تعاملات البنوك التجارية العراقية بالدولار، في خطوة تهدف للحد من عمليات غسيل الأموال والوصول غير القانوني للدولار إلى إيران ودول أخرى تخضع لعقوبات مشددة في الشرق الأوسط.
ومنذ عام 2003 عملت البنوك العراقية في ظل قواعد أقل صرامة، لكن بعد ما يقرب من عقدين من الزمان، يؤكد مسؤولون أميركيون وعراقيون أن الوقت حان لجعل النظام المصرفي العراقي أكثر امتثالا للضوابط العالمية المتعلقة بتحويل الأموال.
وتشير الصحيفة إلى أنه منذ أن دخلت الإجراءات الجديدة حيز التنفيذ، تم حظر نحو 80 في المئة من التحويلات المالية الدولية اليومية للعراق، والتي بلغ مجموعها في السابق أكثر من 250 مليون دولار يوميا.
ويعود السبب في ذلك إلى عدم وجود معلومات كافية حول وجهة الأموال النهائية أو أخطاء أخرى، وفقا لمسؤولين أميركيين وعراقيين وبيانات رسمية حكومية.
في ظل ندرة الدولار، انخفضت قيمة العملة العراقية بما يصل إلى 10 في المئة، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة، بما في ذلك السلع الأساسية مثل البيض والدقيق وزيت الطهي.
“سياسة الصدمة”
يقول رئيس مجلس إدارة مصرف الجنوب الإسلامي والمسؤول السابق بالبنك المركزي العراقي محمود داغر: “على مدى 20 عاما، اتبعنا نفس النظام.. لكن سياسة الصدمة التي انتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي أحدثت أزمة داخل الاقتصاد العراقي”.
لتزويد العراق بالدولار، تقوم طائرات تابعة للقوات الجوية الأميركية بتسليم كميات من الدولار إلى بغداد كل بضعة أشهر، وفقا للصحيفة.
لكن معظم التدفقات من العملة الأميركية تتدفق إلكترونيا من خلال التعاملات التي تجريها البنوك العراقية الخاصة، والتي تتم معالجتها عبر الحساب الرسمي للعراق في بنك الاحتياطي الفيدرالي حيث يتم إيداع عائدات مبيعات النفط.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن القواعد الصارمة للتحويلات الإلكترونية المفروضة على البنوك العراقية الخاصة لم تكن مفاجأة بالنسبة للمسؤولين في بغداد.
وأضافوا أنه تم تنفيذها بشكل مشترك في نوفمبر بعد عامين من المناقشات والتخطيط من قبل البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الأميركية ومجلس الاحتياطي الفيدرالي.
وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار لم يكن بسبب الإجراءات الجديدة.
زيادة التدقيق على التعاملات بالدولار، أدى إلى اندفاع العراقيين نحو السوق المحلية الموازية لشراء العملة الأميركية، وسط وسيل من الانتقادات وجهها مسؤولون ومصرفيون وتجار عراقيون للنظام الجديد، وقالوا إنه تسبب بإحداث صدمة مالية غير ضرورية وفاقمت من مشاكلهم الاقتصادية الموجودة أصلا.
وفد عراقي إلى واشنطن
ونقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني القول إن تصرف بنك الاحتياطي الفيدرالي يضر بالفقراء ويهدد ميزانية حكومته لعام 2023.
وأضاف السوداني في مقابلة إن “هذا الأمر محرج وحاسم” بالنسبة له. وقال إنه سيرسل وفدا إلى واشنطن الشهر المقبل مع اقتراح بتعليق تنفيذ الاجراءات الجديدة لمدة ستة أشهر.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض كبار المسؤولين العراقيين المرتبطين بإيران وجهوا انتقادات أكثر حدة للولايات المتحدة، ومنهم زعيم منظمة بدر هادي العامري الذي اتهم واشنطن “باستخدام العملة كسلاح لتجويع الناس”.
بموجب الإجراءات الجديدة، يتعين على البنوك العراقية استخدام منصة إلكترونية جديدة مرتبطة بالبنك المركزي العراقي من أجل تقديم طلب الحصول على الدولار، وبعدها يتم مراجعة الطلب من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
ويؤكد مسؤولون أميركيون أن النظام الجديد يهدف إلى الحد من استخدام النظام المصرفي العراقي لتهريب الدولار إلى طهران ودمشق وملاذات غسيل الأموال في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ويقول داغر إنه بموجب القواعد القديمة لم يكن العراقيين ملزمين بالإفصاح عن تفاصيل الجهة التي يتم إرسال الأموال إليها إلا بعد أن تتم عملية التحويل.
ونقلت الصحيفة عن متحدثة باسم بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك تعليقا على الحسابات التي يحتفظ بها لحكومات أجنبية، ومنها الحسابات العراقية، القول: “لدينا نظام امتثال قوي لهذه الحسابات يتحدث بمرور الوقت استجابة للمعلومات الجديدة”.
وقال مسؤول أميركي إن الإجراءات الجديدة ستحد من “قدرة الجهات الخبيثة على استخدام النظام المصرفي العراقي”.
وامتنعت وزارة الخزانة الأميركية والبنك المركزي العراقي عن التعليق.
وقال البنك المركزي العراقي في بيان صدر في 15 ديسمبر الماضي إن المنصة الإلكترونية الجديدة تتطلب توفير “تفاصيل كاملة عن العملاء الذين يريدون تحويل الأموال”، بما في ذلك المستفيدون النهائيون.
وأضاف البيان أنه “يتم اكتشاف عدد من الأخطاء مما يضطر البنوك لإعادة تنفيذ العملية.. ستستغرق هذه الإجراءات وقتا إضافيا قبل أن يتم قبولها وتمريرها من قبل النظام الدولي.”
ومنعت أربعة مصارف عراقية من الاشتراك في مزاد العملة الذي يشرف عليه البنك المركزي العراقي وهي “آسيا الإسلامي” و “الشرق الأوسط” و “الأنصاري الإسلامي” و “القابض الإسلامي”، وفقا لمسؤولين عراقيين ووثائق قضائية.
ورفض المسؤولون التنفيذيون في مصرفي “آسيا” و”الأنصاري” التعليق، بينما تعذر الوصول إلى المصرفين الأخريين، بحسب الصحيفة.
ويضغط المسؤولون الأميركيون على العراق منذ سنوات لتشديد ضوابطه المصرفية. ففي عام 2015، أوقف الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة مؤقتا تدفق مليارات الدولارات إلى البنك المركزي العراقي بسبب مخاوف من احتمال وصولها للبنوك الإيرانية أو تحويلها لمتشددي تنظيم الدولة الإسلامية، حسبما قال مسؤولون في ذلك الوقت.
وأيد بعض المسؤولين العراقيين تشديد الرقابة على البنوك العراقية الخاصة، ومنهم عضو لجنة النزاهة في البرلمان هادي السلامي الذي قال إن الأحزاب السياسية والميليشيات العراقية تسيطر على معظم البنوك، وتستخدمها لتهريب الدولار إلى دول الجوار. وأضاف: “نحن بحاجة إلى وقف هذا الأمر على الفور”.
ويمكن ملاحظة تأثير الضوابط الصارمة الجديدة على تعاملات البنوك العراقية بالدولار والتي تراجعت بشكل حاد منذ دخولها حيز التنفيذ في نوفمبر الماضي، وفقا لبيانات منشورة على موقع البنك المركزي العراقي.
على سبيل المثال في 17 أكتوبر من العام الماضي، قبل دخول القواعد الجديدة حيز التنفيذ، بلغت التحويلات اليومية من الحسابات الرسمية للعراق في بنك الاحتياطي الفيدرالي والمؤسسات الخارجية الأخرى 224.4 مليون دولار، مقارنة بـ22.9 مليون دولار في 17 يناير، بانخفاض يصل لنحو 90 في المئة.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن هذه الاضطرابات المالية ستتراجع مع امتثال العراقيين لمتطلبات الإفصاح التي تتطلبها الإجراءات الجديدة.
ويؤكد مصرفيون عراقيون وتجار عملة أن القواعد الجديدة تهدف لوقف تهريب الدولار. على سبيل المثال، كما يقولون، كان المستوردون يزورون فواتير البضائع التي لا تصل أصلا إلى العراق، ولكن يتم دفع ثمنها بالدولار إلى جهات مجهولة خارج البلاد.
ويقول صاحب محل صرافة في منطقة الكرادة ببغداد يدعى حمزة الصراف إن “الدولارات بالتأكيد تذهب إلى إيران وتركيا وسوريا واليمن ولبنان وأحيانا دبي”.
بسبب طلبات الامتثال الجديدة ومنعهم من استخدام البنوك، اضطر المستوردون العراقيون إلى تأخير تقديم الطلبات أو إيجاد طرق أخرى للدفع للموردين مثل استخدام شبكات تحويل الأموال غير الرسمية المعروفة باسم الحوالة. وقال الصراف إن بعض التجار يقومون بتحميل الدولارات وشحنها خارج العراق في سيارات.
عذراً التعليقات مغلقة