خلق الغزو الروسي لأوكرانيا موجات صدى تؤثر على العالم كله: نقص في الطاقة، وزيادة ميزانيات الدفاع، وتوريد سلاح ومساعدة للدولة في ضائقة بالحجوم الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، والتخوف من مواجهة نووية. بدا واضحاً في الشهرين الأخيرين تأثير الحرب أيضاً على التدخل الروسي في مناطق بعيدة عن كييف ودونيتسك؛ أي على الشرق الأوسط.
إن تركيز الكرملين والجيش الروسي على المواجهة المتواصلة يعطي مؤشراته أيضاً على موقع آخر يرى فيه الرئيس بوتين استراتيجياً. فقد أفادت “نيويورك تايمز” أمس (في تقرير كان الموقع أدناه شريكاً فيه) عن مصادر عليمة غربية وإسرائيلية، بأن روسيا أخرجت أجزاء من قوتها المقاتلة من سوريا، ونقلت قيادات عليا لتعزيز المنظومة في أوكرانيا.
وحسب مصادر أمنية إسرائيلية وغربية، يبدو تدخل أقل لوزارة الدفاع الروسية في الإدارة الجارية لما يجري في سوريا، بما في ذلك التنسيق العسكري مع إسرائيل. كما كشف النقاب أيضاً عن أن روسيا أخرجت من سوريا قبل بضعة أسابيع بطاريات صواريخ اس 300 التي تسببت بقلق شديد لإسرائيل منذ نصبت في أيلول 2018. ونقلت البطارية إلى أوكرانيا حيث تستخدم صواريخ أيضاً لغرض إطلاق النار على أهداف برية. هذه التطورات كفيلة بأن تغير حسابات إسرائيل إزاء تدخلها في سوريا ومساعدتها لأوكرانيا.
تفسر إسرائيل الخطوة الروسية باحتياجات تكتيكية عسكرية في أوكرانيا، وليس كرسالة إلى القدس وكأنها الآن حرة بأن تفعل كما تشاء في سوريا. من جهة أخرى، إزالة البطارية يقلل التهديد على طائرات سلاح الجو الإسرائيلي التي تواصل العمل في سوريا.
في رد على الهجمات الجوية لإسرائيل في سوريا، طلبت دمشق من روسيا في حينه شراء صواريخ مضادة للطائرات من طراز اس 300. فرفضت روسيا ذلك، لكن بعد إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية بنار أطلقها الجيش السوري ضد طائرات إسرائيلية، في أيلول 2018، غيرت الاتجاه وأعلنت أنها ستزود سوريا بالمنظومة.
إن مجرد وجود البطارية في سوريا أثار المخاوف في إسرائيل. فالبطارية أحد الأسباب المركزية لرفض إسرائيل تزويد أوكرانيا بسلاح وجودي أو التنديد بالغزو لأوكرانيا. إنه في ضوء مثل هذه الخطوات، تخاف إسرائيل من نقل روسيا الصواريخ إلى قادة سوريين، الأمر الذي كان كفيلاً بأن يمس بحرية طيران سلاح الجو. لو أبقت قوات من الروس في حجرة القيادة، لامتنعت إسرائيل عن المس بها.
في أيار الماضي، بعد أن نشرت شهادات عن جرائم حرب روسية ارتكبت في بوتشا، أعربت محافل عسكرية إسرائيلية رفيعة المستوى عن رأيها أمام رئيس الوزراء الذي كان في ذاك الوقت نفتالي بينيت، بأن روسيا حتى لو اتخذت خطوات حادة ضد إسرائيل، أو وقفت إلى جانب كييف، على إسرائيل أن تتخذ موقفاً حازماً، وذلك للوقوف “في الجانب الصحيح من التاريخ”.
رغم ذلك، لم يغير بينيت رأيه وواصل معارضة توريد السلاح أو خطوات أخرى يفسرها الكرملين كعطف على أوكرانيا.
والآن، يمكن لإسرائيل أن تواصل الهجوم في سوريا، ولا تخشى من نقل البطارية إلى أياد سورية. ثمة تعبير محتمل عن التخوف المتقلص نجده في إقرار مصدر إسرائيلي لما اقتبس عن مسؤولين أوكرانيين في أن إسرائيل تقدم لأوكرانيا مساعدة استخبارية كي تحسن قدراتها في العثور وإسقاط المسيرات الإيرانية. كما أن مصدراً أوكرانياً رفيع المستوى قال إن إسرائيل طلبت من أوكرانيا الحصول على بقايا المسيرات الإيرانية التي سقطت أو تفجرت في أراضيها بهدف الفحص والتحليل.
عذراً التعليقات مغلقة