شمال سوريا.. “هشاشة القانون” تغذّي حوادث “أخذ الحق باليد”

فريق التحرير23 سبتمبر 2022آخر تحديث :
ضياء عودة
فصيل “جيش الإسلام” نفذ حكما بالإعدام رميا بالرصاص بحق قاتل أحد عناصره في شمال سوريا فصيل “جيش الإسلام” نفذ حكما بالإعدام رميا بالرصاص بحق قاتل أحد عناصره في شمال سوريا

قبل أسبوع أنهت عدة رصاصات أطلقها “مسلحون مجهولون” حياة قاتل الطفل العراقي، ياسين رعد المحمود في مدينة رأس العين السورية، وذلك في أثناء نقله من مقر “الشرطة العسكرية” إلى “الشرطة المدنية”، التابعة لوزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”.

أيامٌ قليلة فقط مرّت لتستنسخ هذه الحادثة في مدينة الباب شرقي حلب. ورغم اختلاف التفاصيل المتعلقة بالضحية والقاتل، إلا أن النهاية كانت شبيهة إلى حد قريب جدا بتلك التي وصل إليها قاتل “المحمود”، وهي “الإعدام الميداني رميا بالرصاص”، قبل البدء بأي محاكمة.

وحسب ما قال ناشطون إعلاميون من مدينة الباب لموقع “الحرة” و”المرصد السوري لحقوق الإنسان” أقدم مسلحون، ظهر الخميس، على إعدام قاتل الطبيب البيطري محمد الساعور، والذي فقد حياته قبل أيام، بعدما استدرج إلى إحدى المزارع المحيطة بالمنطقة.

ونشر مستخدمون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلا مصورا أظهر جثة قاتل الطبيب وهي مرمية على الأرض، فيما كان أناس مجتمعون حولها يرددون عبارة: “كل المحرر أخذ بالثأر”.

وأوضح الشاب محمد، وهو شاهد عيان لموقع “الحرة”، أن عملية إعدام “قاتل الطبيب” نفذها مسلحون لم تعرف الجهة التي يتبعون لها، إذ أطلقوا عدة رصاصات على رأسه بينما كان عسكريون يحاولون نقله من مقر “الشرطة العسكرية” إلى “المدنية” في مدينة الباب.

بدوره قال “المرصد السوري” إن “فصيل جيش الإسلام نفذ حكما بالإعدام رميا بالرصاص، بحق قاتل أحد عناصره، بعد ساعات من قيام الشرطة العسكرية بتسليم القاتل إلى الفصيل، دون إحالته للقضاء”.

وأضاف “المرصد” أن “ذوي العنصر كانوا قد طالبوا الشرطة العسكرية بمعاقبة القاتل وعدم المماطلة في التحقيقات، وتحويله إلى القضاء لينال الجزاء العادل”. وهو الأمر الذي لم يحصل.

“أخذ الحق باليد”
وتخضع مدينتا رأس العين والباب اللتين حصلت فيهما الحادثتان لسيطرة فصائل “الجيش الوطني السوري”، والذي ينقسم إلى عدة فيالق عسكرية، بينما يتفرع من تحت سلطته “شرطة عسكرية” وأخرى “مدنية”.

وإلى جانب هذه التقسيمات يوجد في المدينتين – وهما جزء من منطقتي “درع الفرات” و”نبع السلام”- مؤسسات قضائية ومحاكم، وتتبع بصورة مباشرة لوزارة العدل في “الحكومة المؤقتة”.

ويرى صحفيون وباحثون سوريون أن تفاصيل حادثة قاتل الطفل وقاتل الطبيب خلال أسبوع تعطيان مؤشرا “خطيرا”، وكيف أن “هشاشة القانون والقضاء” في المنطقة باتت تغذّي “حوادث أخذ الحق باليد”، أو كما تعرف محليا بـ”الثأر”.

اعتبر الصحفي السوري، ماجد عبد النور أن “الحادثتين مؤشر خطير على فقدان الناس للثقة في القضاء، وبأي مؤسسة قضائية من شأنها أن تأخذ حقهم”.

ويقول عبد النور لموقع “الحرة”: “في الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة يطبق القانون السوري الذي ينص على الإعدام”.

ولكن المشكلة أنه “لا يوجد أي أحد يوقع على هذا الحكم، بحجة أنه يتطلب توقيعا من رئيس الجمهورية”.

ويضيف الصحفي السوري: “مع ذلك فإن القانون يقول إن من يعيّن قضاة المحكمة هو الذي يحق له التوقيع. رئيس الائتلاف السوري المعارض يتهرّب وعقوبات الإعدام لا تنفذ، وهو ما يخلق احتقان في الشارع، وتتحول شيئا فشيئا إلى حالة عدم يقين بأن العدالة غائبة”.

“ما يحصل بالصورة العامة هو أخذ الحق باليد. هذا منطق الغابة وليس منطق دولة ومؤسسات وإدارة”. ويتابع عبد النور: “شيء خطير جدا أن يأخذ أي شخص حقه بيده. وما يحصل يشي بأننا مقبلين على وضع أشبه بالغابة”.

“فوضى”
في غضون ذلك لا يرى الباحث السوري، وائل علوان المشهد المذكور مقتصرا على مناطق سيطرة فصائل المعارضة في الشمال السوري على حد سواء، بل ينسحب أيضا إلى مناطق سيطرة النظام السوري و”قوات سوريا الديمقراطية”.

ويقول علوان لموقع “الحرة”: “لا يجب الوقوف على تفاصيل الحادثتين بمقدار ما أنهما تشكلان جزء من الحالة العامة التي يجب الوقوف على طبيعتها وأسبابها، وهي أن آثار الحرب مستمرة، في ظل ضعف البنى الحكومية، وقوّة عود أشكال المجموعات غير النظامية، والمجموعات ما دون الدولة على حساب البنى الحوكمية”.

“هناك ضعف في مختلف مناطق الجهات الرسمية المسيطرة كمؤسسات حكومية، لصالح حساب المجموعات الأمنية والعسكرية”، ما يؤدي “إلى الفوضى وكثرة التحاكم إلى القوة، وعدم وجود هيبة المؤسسة القضائية وهيبة الشرطة وهيبة المؤسسات الأمنية. أي ضعفها”.

وفيما يتعلق بمناطق المعارضة في الشمال اعتبر الباحث أن “وزارة الدفاع هي وزارة شكلية لا تسيطر أساسا على الفصائل، بينما تنتظم الأخيرة ضمنها بطريقة اسمية أيضا”.

ولا يختلف الوضع عسكريا وأمنيا عن المستوى المحلي، والذي يشهد أيضا “فوضى” وغياب تنظيم واستقرار، وفق علوان.

ويرى الباحث أن موضوع الاحتكام للأخذ بالثأر موجود في كل المجتمعات، وخاصة التي تقوم على البنى العشائرية والمناطقية، “لكن مع الضعف الشديد في السلطة القضائية ومؤسسات الشرطة والأمن وحتى المؤسسات التشريعية تكثر حالات أخذ الحق بالقوة، وبالتالي تتسع الفوضى الأمنية والمجتمعية”.

وسبق وأن اعتبر المحامي والناشط الحقوقي السوري، فهد الموسى أن “القضاء في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون وشمال سوريا يعمل بكل مهنية وحرفية، ووفق القوانين المعمول بها سابقا، سواء من أصول المحاكمات الجزائية أو قانون العقوبات الجزائية”.

لكنه قال لموقع “الحرة” إن “هناك نقطة عالقة وحيدة، باعتبار أن الحكومة السورية المؤقتة هي حكومة فعلية، وبالتالي لا يحق لها تنفذ حكم الإعدام، وإلا ستكون في موضع مساءلة دوليا في المستقبل”.

ويضيف الموسى المقيم في ريف حلب الشمالي: “الأجهزة القضائية التابعة للحكومة المؤقتة تعمل على إصدار أحكام إعدام في الوقت الحالي، لكنها تبقى دون تنفيذ حتى التوصل إلى حل سياسي، وما يرافق ذلك من وصول دولة شرعية جديدة. من شأن هذه الدولة أن تنظر بهذه الأحكام فيما بعد”.

“جرائم القتل كثيرة والناس متذمرة من عدم تنفيذ أحكام الإعدام”، ويتابع الموسى: “على الرغم من كل المطالبات، إلا أن الجانب الشعبي لا يقدر هذه النقطة التي تقدرها الحكومة السورية المؤقتة ووزارة العدل في المنطقة”.

المصدر الحرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل