ضاقت خيارات تنظيم داعش المتطرف إثر خسارته المنفذ الحدودي الوحيد على العالم، وبات محكومًا بالتراجع إلى نقاط امتداده في مناطق شرق سوريا الحدودية مع العراق، في حين يعد التنظيم محاصرا في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، وعاجزًا على التحرك فيها، ما يمنعه من اتخاذها منفذًا حدوديًا على العالم الخارجي.
ويتفق الخبراء على أن التنظيم الذي أمعن في تكريس العداوة مع مختلف الأطراف السورية والخارجية: «يفتقر إلى مشروع سياسي كان يمكن أن يجير له إنجازاته الميدانية في وقت سابق»، وهو ما يمهد لاندثاره، في حين يتواصل تراجعه، وسط ترجيحات بأن «يقاتل قتالاً شرسًا للدفاع عن مناطق يستفيد من مواردها ماليًا» في إشارة إلى مناطق شرق ووسط سوريا.
وإثر انتزاع «الجيش السوري الحر»، مدعومًا بقوات تركية، المناطق المحاذية للحدود السورية – التركية من تنظيم داعش، بات التنظيم يحتفظ بنقاط حدودية في سوريا مع العراق، حيث فتح الحدود على بعضها، إضافة إلى منطقة وجوده الضيقة في منطقة جرود رأس بعلبك الحدودية مع سوريا بشمال شرقي لبنان. غير أن تحركه محدود في تلك المنطقة، على ضوء الإجراءات الأمنية اللبنانية المشددة، والعمليات العسكرية الدائمة للجيش اللبناني في المنطقة.
وتقول مصادر لبنانية ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، إن التنظيم الذي يسيطر على بعض الجبال في جرود رأس بعلبك: «لا يستطيع التقدم منها إلى داخل الأراضي اللبنانية.
أيضًا، على الجانب اللبناني من الحدود، يركز الجيش اللبناني مهامه العسكرية منذ فترة على «العمل الاستباقي»، الذي تمثل بقصف تحركات التنظيمات المتشددة في الجرود، قبل أن تتطور خلال الفترة الأخيرة إلى العمليات الهجومية على المواقع المتقدمة للمسلحين في المناطق الجردية الحدودية، مدفوعًا بدعم غربي، أبرزه من حكومة الولايات المتحدة الأميركية وحكومات أوروبية، لحفظ الأمن والاستقرار في لبنان. ودفعت الجهوزية الدائمة للجيش، قائده العماد جان قهوجي للقول في تصريحات صحافية خلال الشهر الماضي «كلما أبعدنا الإرهابيين عن الحدود تراجع خطر إقامة الإمارة».
الدعم الخارجي للبنان لمواجهة الإرهاب، توقف عنده أحمد الأيوبي، الخبير اللبناني في الجماعات الإسلامية، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «ثمة جبهة متماسكة في لبنان بفضل الجهود المحلية والدعم الخارجي»، وشدد على أن «كسر الحدود يحتاج إلى تغاض دولي، وهذا الأمر لا ينطبق على الحالة اللبنانية، حيث لم نلحظ إهمالاً دوليًا للأمن والاستقرار في لبنان». ويشير الأيوبي إلى أن إمكانيات تعويض «داعش» خسارته على الحدود التركية بمنفذ لبناني «باتت بالغة الصعوبة بفضل تراجع قدراته الميدانية التي خسرته الكثير من قدرات الاندفاع»، مؤكدًا أن «استحالة احتمال التعويض بلبنان تنطلق من حسابات ميدانية».
في غضون ذلك، يتواصل تراجع «داعش» في ريف محافظة حلب الشرقي. ومع أنه لا يقاتل في هذه المنطقة بالشراسة المعتادة التي أبداها في وقت سابق، فإن ذلك يعود إلى كون هذه المنطقة، وبعد خسارته الغرض من بقائه فيها «لم تعد ذات أهمية». إذ أن مقاتليه اليوم «يتجهون إلى آخر معاقله في مدينة الباب في شرق محافظة حلب، ومنها يتجه معظمهم إلى شرق سوريا، حيث يتوقع أن تندلع المواجهات الكبرى»، بحسب ما يقول مصدر سوري معارض لـ«الشرق الأوسط»، موضحًا أن دفاع التنظيم المتطرف عن منطقة شرق ووسط سوريا «ينطلق من جهوده لعدم خسارة موارده من النفط والغاز التي توفر له مصادر مالية يحتاجها».
رغم ذلك، لا يبدو أن هناك أفقًا للتنظيم الذي «انعدمت خياراته». ويقول القيادي في الجيش السوري الحر العميد أحمد رحال لـ«الشرق الأوسط» إن التنظيم «بات محاصرا بين سوريا والعراق، لذلك تراه يتهاوى أمام الضربات وينسحب تجنبًا للضربات»، مشيرًا إلى أن طرده «يتم بأقل خسارات ممكنة، مما يعني أن التنظيم الذي فقد قياديين كبارا كانوا يديرون معاركه، سيتم طرده من سوريا خلال أشهر». ويشكك رحال بأن يكون للتنظيم عقيدة قتالية تمكنه من الصمود «بدليل رحيل الكثير من عناصره الأجانب ومغادرتهم البلاد»، بينما «يقاتل السوريون والعراقيون الذين تورطوا في الانضمام إليه، أو أجبروا على ذلك». ويؤكد أن «داعش» يعاني «نزفًا ماديا، مما يجعله مستعدًا للتمسك بالقتال في الشدادي ودير الزور وشرق حمص» الغنية بالموارد النفطية.
* نقلاً عن: “الشرق الأوسط”
عذراً التعليقات مغلقة