يبدو الملف السوري وتحديدا الخاص باللاجئين السوريين في تركيا أعقد ما تواجهه الحكومة التركية من تحديات أمام المعارضة مع اقتراب الانتخابات الرئاسة التركية.
وبات واضحا أن التجييش العنصري الممنهج خلال سنوات ضد السوريين من أحزاب المعارضة أدى الهدف منه، ووضع الحكومة التركية في مأزق ما أفقدها القدرة تقريباً على إدارة ملف اللاجئين بالطرق المعهودة السابقة، خصوصا مع أزمة اقتصادية خانقة رافقها تضخم كبير بالأسواق سهّل مهمة إقناع الشارع العريض من الشعب التركي بأن الملايين الأربعة من السوريين سبب هذه الأزمة، وعند عودتهم لبلادهم ستختفي تلقائيا كفقاعة صابون.
تداعيات هذا الملف كانت واضحة الأثر على سياسة الحكومة التركية بالإعلان عن عدة وعود للناخبين ، منها بداية، بإعادة مليون لاجئ للشمال السوري خلال عام ٢٠٢٣، ثم الإعلان عن عملية عسكرية داخل سوريا تأسس لمنطقة آمنة على عمق30 كيلو مترا، تساعد في بناء وحدات سكنية تستوعب اللاجئين العائدين وتؤمن حماية للحدود التركية من مشكلتها الأمنية القديمة بإبعاد خطر “pkk” قدر الإمكان عن حدودها.
بالنظر لقصر الفترة الزمنية حتى الاستحقاق الانتخابي بالتأكيد واضح عدم قدرة تركيا على تطبيق هذا المخطط، خصوصا مع رفض أميريكي أوروبي لأي عملية عسكرية محتملة، إضافة لرفض حليفي النظام السوري، روسيا وإيران، حتى لا يفقدا بعض امتيازاتهما في مناطق نفوذهما في سوريا التي لن يفرطا بها دون مكاسب محتملة.
وبالمقابل إن استطاعت الحكومة التركية قطع الطريق أمام المعارضة بالتهديد المستمر بإعادة اللاجئين السوريين في حال فوزهم بالانتخابات لكنهم مازالوا يلوحوا بملف إعادة العلاقات مع الأسد لضمان عودة “آمنة وكريمة للاجئين”، وأصبحت الحكومة التركية مضطرة للتفكير بطرح الاقتراحات الروسية المستمرة للتواصل مع النظام السوري لإيجاد حل على العلن من خلال تسريبات إعلامية، على الرغم أن الدولة التركية تعلم علم اليقين أن إعادة تعويم الأسد وإعادته للمجتمع الدولي غير وارد على كل الأصعدة، وخصوصا مع موقف واضح من الولايات المتحدة والغرب من النظام بضرورة الانتقال السياسي وفق قرار الأمم المتحدة (2254).
يعلم المجتمع الدولي تماما أن النظام السوري غير جدي بالمفاوضات ويعرقل أي تقدم يؤدي لحل يسمح لسوريا بالانتقال السياسي، الذي سيؤدي حتما لنهاية حقبة الأسد وبداية مرحلة سياسية تتناول قضايا عدة منها الدستور والعدالة الانتقالية.
ومن جهة أخرى، لا أحد يملك القدرة على إجبار الأسد على عودة آمنة للاجئين وضمان عدم اعتقالهم أو ملاحقتهم أو تهديد حياتهم من جديد، وهي على أرض الواقع السلطة الوحيدة المتبقية للنظام السوري حاليا بعد فقدانه السلطة والسيطرة الحقيقية على الأرض بوجود كل سلطات الأمر الواقع داخل سيطرته وخارجها.
تعقيدات الملف السوري وكثرة اللاعبين الإقليمين والدوليين فيه، قد يكون استثناء في عالم الحروب والسياسية ،واتفاق جميع هذه القوى على حل واحد يبدو بعيد المنال إذا لم يكن شبه مستحيل بالوقت الراهن، على الأقل ليس قبل أن تحقق كل دولة مصالحها التي كانت سبب في تدخلها في هذا الملف.
وضمن كل هذه التعقيدات الدولية ونتائجها على الشعب السوري الذي بات نصفه لاجئ ونازح ولا يمكن عودة هذا العدد الكبير من جديد، بدون جهد دولي حثيث وضمان إعادة إعمار تساهم فيه كل الدول دون استثناء طرف على حساب الآخر، ولا يمكن طرح خطط إعادة إعمار دون استقرار سياسي، وهذا الاستقرار لا يمكن فرضه بقوة السلاح لاختلاف ولاء الأطراف المسيطرة على المشهد.
وبذلك نعود للمربع الأول وهو بقاء الأسد في السلطة من عدمه، السؤال الذي لا يريد أحد طرحه للمناقشة الجدية حتى هذه اللحظة، وحتى تجتمع الدول الفاعلة بمناقشة هذه القضية بجدية لحلها بشكل نهائي ستبقى كل دولة فاعلة في الملف تحاول إيجاد حلول مؤقتة تضمن مصالحها الآنية على الأقل مثلما يحدث في تركيا.
ومع كل هذه التجاذبات السياسية التي تؤخر أي حل جذري للملف السوري تزداد أعباء الدول التي تحتضن لاجئين سوريين من دول الجوار، وسيرتفع الخطاب بالأيام القادمة بشكل أكبر تجاه إيجاد حل لإعادتهم كما يحدث بلبنان والأردن وتركيا، إضافة إلى تحمل أوروبا اللجوء الأوكراني حديث العهد بعد الغزو الروسي لأوكرانيا جعلهم يحاولون إغلاق أي طريق محتمل جديد لهجرة جديدة من السوريين باتجاههم، هل يا ترى ضغط ملف اللاجئين قد يجبر الأطراف للتباحث بشكل جدي لإيجاد حل نهائي للملف السوري أم سيستمر أعواما على نفس الحال؟ هذا ما ستخبرنا به الأيام القادمة.
عذراً التعليقات مغلقة